- الأمل.. مطلب ضروري ملح:
ونحن لا نحيد عن الصواب حين تؤكد بأنّ الإسلام هو دين الأمل، ولا يقف الإسلام عند هذا المعنى، بل يحرك الأمل ليصبح عملاً مفيداً في واقع الحياة والمجتمع، ولربما يعتقد البعض انّ هذا الكلام مبالغ فيه، لكنه هو الحقيقة بعينها، فالمرء حين يرفع يديه بالدعاء، فهو يأمل في حصول إجابة لدعوته، وإذا صلى أو صام أو حج أو فعل فان دافعه في ذلك هو الأمل في قبول الأعمال عند الله تعالى. إذن... أليس الإنسان المسلم يعبد الله بالأمل؟ وإذا نظرنا إلى حال العاصي الذي يبلغ في الأثام والموبقات، رأينا انّه قد وضع في خفايا نفسه انّ الله لن يغفر له ذنباً، ولن يقبل له توبة، ومن هنا جمحت به نفسه، فأطفأ منها شعلة الأمل، وأوقد شعلة اليأس القاتلة. هذا عن موقع الأمل في العلاقة مع الله، وأما عن هدى الرسول محمد (ص) في الأمل، فإن رسالته (ص) هي انطلاقة الأمل بين ظلمات يأس الجاهلية، ولذا فقد اتخذ النبي (ص) من الأمل منهجاً له في دعوته المقدسة، فهو يدعو الناس إلى كلمة واحدة يدخلون بها الجنة، وهذا أمل، وهو يطالبهم بترك ما تراكم في قلوبهم من الشرك الذي هو يأس من أمر الله. وهذا نموذج من هديه (ص) في الأمل. * يمر النبي (ص) بآل ياسر وهم يعذبون، فيطلقها كلمة: صبرا آل ياسر فان موعدكم الجنة. ولم تكن هذا الكلمة الا بذرة أتت ثمارها وأورقت، فكان من ثمارها سمية وياسر شهيدين في سبيل الله، وعمار بن ياسر رجلاً مجاهداً صابراً حتى يلقى الله، وقد أورق الأمل في نفسه العطشى لانتشار الدين الحنيف. ولا نبعد كثيراً، إذا جلنا في نصوص القرآن وجدنا ان فحواها ترغيب في مطلب عظيم هو الجنة، وترهيب من أمر عظيم هو جهنم، فمن أمل في الجنة، يئس من النار وأهلها، وكذا من أمل في النار يئس من الجنة وأهلها. ويبقى الأمل المشرق البناء، مطلب ضروري وملح، أما اليأس الخامل فوصف من أوصاف أعداء الله والإنسانية، وهذا بدعة – بالطبع – كل متصدر في الأُمّة إلى أن يضخ فيها الأمل والطموح، وهذه وظيفة الدعاة والعلماء والمصلحين والمربين إن كانوا يريدون للأُمّة صلاحاً وخيراً، ويرجون لها غدا مشرقاً باسماً. وعليه فإنّه لعقوق بالأمة من أبنائها ألا تحدث بالأمل، واجحاف في حقها ألا يغلب جانب العمل المعطاء في حياتها، لذا فإن من نافل القول الإشارة إلى أن من أراد لهذه الأُمة اليأس في حياتها انما هو شاذ عنها، يقوم فيها بدور العدو، إذ لا يرضى للأمّة العجز الا عدوها أما أبناؤها البررة فلا يرون لها إلا القوة والانطلاق والأمل. ومن هنا فإن كل من يندب حظ الأُمّة الإسلامية، وأمات فيها الاشراقة الطيبة هو عنصر هدم فيها، ونذير خطر عليها، والنبي الأكرم (ص) يدل الأُمّة على الداء، أما أعداؤنا فقد علموا كيف يوظفون اليأس في حياة الأُمّة في وقت علا فيه ركام اليأس والقنوط قلوب الأُمّة جمعاء، وهم يطمحون لأن تنطفئ شعلة الأمل من نفوس بعض أبناء المجتمع. نحن بحاجة إلى من ينهض لينفتح في روح الأُمّة نفخة الأمل تستعيد الأمة نفسها وحضارتها التليدة، فتنتفض لتطرد اليأس والقنوط.- نحو أمل مقترن بالعمل:
أما وقد تحدثنا عن الأمل ومقامه في ديننا الإسلامي العظيم، وعن حاجة الأُمّة الإسلامية إليه وعن خطورة الأمل في حياتها، فإنّه لا يفوتنا إلا أن نعرج على شرط الأمل الرئيسي ذلكم هو العمل، فالأمل بلا عمل كالطائر بلا روح، وهل ترغب امتنا الطموحة في أمل محلق بلا عمل؟ أم هل تريد نصراً بغير اعداد أو تريد تغيير القوانين الطبيعية دون أسباب؟ هذا أمر لا نظن يتوقعه أولو الألباب. إنّ الأمل وحده لا يكفي، وكلنا لا يقبل ذلك في قرارة نفسه، فهل نرى عذراً لأبنائها إذا لم يستعدوا للامتحان بالدرس والمثابرة والمطالعة؟ فكيف نطمح للأُمّة حيازة القوة والمجد بغير عمل؟ وكيف نرجو شفاء المريض بغير دواء أو جنة بغير عمل؟... وهكذا الأمل والعمل، ولذا فعلى من يأمل في إصلاح الأُمّة أو المجتمع المسلم، العمل الجاد الواعي المخلص، وهذا واجب الدعاة والعلماء والمصلحين، لأن يقرنوا الأمل بالعمل المثمر.. حتى يتحول بصيص الأمل إلى شعلة براقة تؤتي أكلها بإذن ربها. نؤكد الأمل المقترن بالعمل، فكفى أملاً محلقاً لا يجدي شيئاً في واقع الناس، وكفى دغدغة للعواطف. انّ العمل هنا مسؤولية مشتركة للعالم والداعية والإداري والسياسي والمربي والموجه، والمرأة في بيتها، والطبيب في عيادته، وهكذا أوّل عمل مقرون بالعمل، ينبغي أن نعمله، حيث اننا نتعامل مع الله سبحانه وتعالى بأمل مفرط دون إصلاح للنفوس وتربية للقلوب وتخل عن الآثام، فإذا أردنا العمل وجب علينا أن نتخلى عن الأماني المفرطة، وأن نبدأ بالعمل على إصلاح أنفسنا ليلتقي الأمل والعمل، ثمّ نلتفت إلى عاداتنا وأفكارنا وموروثاتنا وأهوائنا، فنعمل على استبعاد ما خالف شرع الله منها، وعلى الالتزام بما نجد أنفسنا مقصرين في التزامه من المفاهيم والأفكار والتكاليف الشرعية على كل مستوى، فردياً كان أو جماعياً، ثمّ نعمل على تخليص أنفسنا من الانقصام بين القول والعمل (أي النفاق)، فإنّ هذا أخطر شيء ينخر في جسم الأُمّة وعقيدتها، فإذا تخلصنا من الانفصام، أمكننا الموازنة بين أقوالنا وأفعالنا، فلم يختلف منا القول على الفعل، وعندئذ تتحسن سرائرنا ثمّ نبدأ بالعمل في إطار أقرب الناس إلينا، في إطار الأسرة، زوجة وأبناء، أخوة وأخوات، فإذا تحقق صلاحهم، اتجهنا إلى من يجاورنا وعندما يرى الله منا تغييراً في نفوسنا في الأفكار والمعتقدات والسلوك والعادات والتقاليد، وحينها يمن علينا سبحانه بالتغيير كما وعد في كتابه الكريم حيث قال: (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) (الرعد/ 11)، ووقتها يكون الأمل مقروناً بالعمل لا انفكاك بينهما. وبعد، فهذه كلمات في الأمل وأهميته في حياة الأُمّة المتطلعة لمستقبل مشرق، أردنا بها تذكير أنفسنا أوّلاً، وتذكير المجتمع ثانياً: (وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا) (الإسراء/ 51).► المصدر: مجلة الطاهرة/ العدد 161 لسنة 2005ممقالات ذات صلة
ارسال التعليق