• ٢٦ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ٢٤ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

الشباب.. أرضية صالحة لكلّ خير

عمار كاظم

الشباب.. أرضية صالحة لكلّ خير

مرحلة الشباب.. مرحلة الحيوية والنشاط، فالشباب طاقة، والطاقة لابدّ من أن تُستثمر. وكما أنّ الشباب طاقة فهو أيضاً نِعمة، والنِّعمة تواجه بالشُّكر، وشُكرُها يعني أن نؤدِّي حقَّها، فلا يكون ذلك بالقول فقط، بل بالفعل أيضاً، بأن نستثمرها فيما خُلقت له، فنِعمة الشباب، تُشكر بأن تُبذل في خير الإنسانية. ولأنّ الشباب طاقة، فسوف يُسأل المرء عنه يوم القيامة، ففي الحديث الشريف: «لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع... وعن شبابه فيما أبلاه». ولأنّه نِعمة فسوف يُسأل عنه ـ أيضاً ـ يوم القيامة كما يُسأل عن كلِّ النِّعَم، قال تعالى: (ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ) (التكاثر/ 8).

إنّ نِعمة الشباب، إذا فُقدت لا تُعوّض، فالمال إذا تلف أو سرق فبالإمكان تعويضه، والجاه أيضاً يمكن تعويضه، ولكنّ الشباب لا يمكن تعويضه، ولا يمكن أن يعود، عن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام): «شيئان لا يعرف فضلهما إلّا مَن فقدهما: الشباب والعافية». وعندما يُولد الإنسان، فإنّه يُولد نقي الفطرة، بعيداً من كلّ أشكال الانحراف، وتستمر حالة الصفاء والنقاء هذه إلى حين بلوغه، ولذا نرى الشباب متحفّزاً لكلّ خير، ومتطلّعاً للتغيير، بدافع فطرته البعيدة عن الملوّثات، وهكذا نراه أقرب إلى الصلاح، وأكثر اندفاعاً إليه، فالشاب يُرجى إصلاحه أكثر من الكبير في السن، لأنّ الكبير قد يقسو قلبه بفعل المؤثّرات السلبية، ويصبح من الصعب تغييره، بينما الشاب، حيث إنّه أقرب إلى الفطرة، فإنّه أبعد عن العادات السيِّئة. فالشباب ـ إذاً ـ أسرع إلى كلّ خير، لأنّ فطرتهم سليمة لم تتلوّث، وتنبض بالخير والحبّ.

هنا نختصر مسؤوليات الشباب بكلمتين: العِلم والعمل، فالمسؤولية الأساس التي تقع على عاتق الشباب بما أنّهم أمل الأُمّة ومستقبلها، أن يتعلّموا ويأخذوا بأسباب العِلم، فالمستقبل لا يُبنى إلّا بالعِلم، وهل تتخلف الأُمم إلّا عندما يبتعد أبناؤها عن الأخذ بأسباب العِلم؟ يقول الإمام الصادق (عليه السلام) فيما رُوِي عنه: «لست أحبّ أن أرى الشاب منكم إلّا غادياً في حالتين: إمّا عَالماً أو مُتعلِّماً، فإن لم يفعل فرّط، فإن فرّط ضيّع، وإن ضيّع أثم، وإن أثم سكن النار والذي بعث محمّداً بالحقِّ». من هنا، فإنّ على الشاب أن يعيش هَمّ العِلم وقلق المعرفة، ليفكّر على الدوام ليس فقط في نفسه وهمومه الشخصية، بل عليه أن يفكّر كيف يخرج الأُمّة من حالة الجهل، وكيف يُساهم في تقدّم أُمّته لترقى إلى مستواها اللائق بها كأُمّة شاهدة على الأُمم. وعندما نتحدّث عن العِلم فلا يمكننا أن نغفل آلة العِلم ووسيلة المعرفة الأساسية وهي العقل، فالعقل هو وسيلة الإبداع، وهو دليل الإنسان ومُرشده، والمفروض بالإنسان أن يُبقي عقله على الدوام يقظاً وفي حالة حركة، لأنّ سكون العقل يعني سكون الحياة. عن الإمام الرضا (عليه السلام): «صديق كلّ امرء عقله وعدوه جهله»، وما يريده الإسلام للشاب أن يعمل دائماً على تنمية عقله وتغذيته بكلّ جديد نافع، ولا سيّما أنّ عقل الشاب هو بطبيعته عقل متحفّز للمعرفة، ومتطلّع إلى الحقيقة.

أمّا المهمّة الثانية المُلقاة على عاتق الشباب هي مهمّة العمل، لكن ما الذي نقصده بالعمل؟ إنّ ما نقصده هو العمل على خطّين؛ العمل في سبيل المعاش، والعمل في سبيل المعاد، «اعمل لدُنياك كأنّك تعيش أبداً واعمل لآخرتك كأنّك تموت غداً». أمّا العمل في سبيل المعاش فهو أمر ضروري، والأُمّة التي لا تعمل هي أُمّة فاشلة ومحكومة بالتخلُّف وبالسقوط في مجال التنافس الحضاري، وستبقى عالة على الآخرين، والحقيقة أنّ العمل ليس خياراً من خيارات الأُمّة، بل هو ضرورة لا مفر لها من الأخذ بها وواجب من واجباتها.

ارسال التعليق

Top