• ٢٩ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

طفلكم.. والتعبير عن الحب

طفلكم.. والتعبير عن الحب

كلّ الأطفال الأصحاء والأسوياء سوف يظهرون قدراً معيناً من السلبية والتمرد خلال مرحلة الطفولة. وعندما يصيبكم الإحباط، تذكّروا أنّ طفلكم سيتجاوز هذا كلّه عمّا قريب، فما أن يصبح في الثالثة من عمره حتى يدهشكم كم أصبح متعاوناً وسمحاً، وذلك على نقيض سلوكه عندما كان عمره سنتين.

يحكي أحد الآباء عن تجربته مع طفله، فيقول: لقد أعطيتُ الفرصة لأطفالي للتعبير عن مشاعرهم السلبية والغاضبة أمامي؛ ولكن يجب أن أعترف بأنني في بعض الأحيان عندما كنت أعكس إليهم مشاعرهم، كنت أسمع صوتاً خافتاً بداخلي يقول: كيف يجرؤ طفلك على الحديث معك بهذه الطريقة؟ فأنا في النهاية والده وعليه أن يحترمني. إنّ هذا الصوت الخافت ليس صوت معرفتي العلمية عن كيفية تربية الأطفال.. إنه صوت والدي، عندما لم يكن مسموحاً لي التعبير عن مشاعري الخاصة وأنا طفل صغير، وهو يتردد الآن بداخلي ويكاد يجعلني أتعامل مع أبنائي بأسلوب أبي نفسه في تربيتي.

هنا تكمن الصعوبة الحقيقية التي تواجهها في تعلُّم استخدام مهارة البوح عن المشاعر. فأنت إنْ لم تتمتع بحرّية التعبير عن مشاعرك وأنت طفل، فقد تواجه صعوبات في السماح لطفلك بالتعبير عن مشاعره إذا كانت مشاعر حب أو كره.

قد تسأل عندما تسمح لطفلك بأن يخبرك أنه يكرهك إذا هو شعر بذلك فعلاً؟ ألا يعتبر هذا تصريحاً له بإظهار عدم الاحترام نحوك؟ اعلم جيداً أنّ السماح لطفلك بالتعبير عن مشاعره أمر ليس له أي علاقة بالاحترام أو عدمه. إنّ طفلك يحترمك لأنه يشعر بأنك أكثر علماً منه ودراية في الأُمور كلّها، ومادمت تعامله بطريقة جيدة، وتحترمه، لا تخاف من تقليله احترامك بعد بوحه بمشاعر الغضب التي تنتابه، لأن طفلك بين فترة وأخرى، سيغضب منك. وعندما يشعر بهذه المشاعر الغاضبة يكون كقنبلة تريد أن تنفجر عليك انت تسمح له بالتنفيس عن غضبه.

المهم أن تميز بين المشاعر والأفعال، ولابدّ من وضع حدود معقولة لتصرفات طفلك وأفعاله، على أن تسمح له بالتعبير عن مشاعره مهما كانت. هذا مثال لطفل عمره سنتان، يُبيِّن كيفية التمييز بين المشاعر والأفعال في الواقع العملي. هذا المثال ربما يتكرر مرّات عدّة وفي بيوت كثيرة.

تصطحب طفلك إلى الحديقة ويستمتع وهو يلعب بالرمل. وحين يأتي وقت الانصراف، تنبهه قبلها ليكون جاهزاً للمغادرة عند الموعد المحدد. قلت له: سيكون علينا المغادرة بعد عشر دقائق. وبعد عشر دقائق، قلت: يجب أن نغادر الآن. فيجيبك: كلا، أنا لا أريد الذهاب. ولتسأل نفسك هنا: "لماذا يجب أن تتوقع أنه سيذهب؟ لقد كان مستمتعاً باللعب، ويقضي وقتاً رائعاً على أي حال".

ولكن ماذا لو عكست إليه مشاعره وقلت: "أنا أعرف أنك لا تريد الرجوع إلى البيت لأنك تستمتع بقضاء الوقت وأنت تلعب الرمل". أو تقول له: "إنك تستمتع كثيراً بحيث إنك لن تتزحزح من هنا أبداً". وتستمر في عكس مشاعره إليه لدقائق قليلة أخرى. وأخيراً ينتهي الأمر بأن تحمله إلى السيارة فيما كان يصرخ ويرفس، إلّا أنك تستمر في عكس مشاعره إليه، قائل: "انت غاضب جداً لأنك تريد البقاء واللعب في الحديقة".

انظر الآن إلى تحليل هذه الحادثة لأنها نموذج يوضح لك جوانب عديدة من جوانب التعامل مع طفلك في هذه المرحلة من النمو والارتقاء. لو أنك سمحت لطفلك بالبقاء في الحديقة عندما حان وقت مغادرته، فأنت تعلمه أن يصبح طاغية صغيراً، يرفض الخضوع لحدود المنطق المعقول. وهو أمر سيجعل منه إنساناً لا يقيم وزناً للوقت ولا مشاعر الآخرين حين يكبر. أما لو أجبرته على العودة ورفضت السماح له بالتعبير عن مشاعره، فإنك تعوق نمو هويته الذاتية والإحساس بتقدير النفس لديه.

من خلال سماحك له بالتعبير عن مشاعره وقيامك بعكس هذه المشاعر إليه، وأنت تقول له: "معك الحق في أن تكون غاضباً إذا كان هذا هو ما تشعر به. وأنني كذلك سأكون غاضباً لو أن أحداً منعني من قضاء وقت ممتع. وأنت لديك الحق بأن تحس بهذه المشاعر وبأن تُعبِّر عنها".

هذه الحادثة هي عينة من كثير مثلها سيكون عليك التعامل معها خلال هذه المرحلة من نمو طفلك الصغير، لذا أعطيه الفرصة للتعبير عن مشاعره؛ ولكن كن حازم وأصر على امتثاله لحدود معقولة في تصرفاته؛ لكنك كأُم أو أب لديك حقوق أيضاً. لديك الحق في أن تمر بأيام سيئة ولحظات نزقة ومشاعر غاضبة. ولن تكون قادراً دائماً على البقاء هادئ والتعامل مع الأُمور بالطريقة المثلى لطفلك، ولن تعطيه الفرصة دوماً والسماح به بالتعبير عن مشاعره. سوف تصرخ في وجهه في بعض الأحيان قائلاً: "اسكت، لن أتحمّل أكثر من ذلك، ومن الأفضل لك أن تبقى هادئاً".

ربما تشعر بالإستياء إذا فقدت السيطرة على نفسك وصرخت على طفلك؛ لكن ليس هناك ما يدعو للإستياء من هذا الأمر، فأغلب الأُباء لديهم انطباع بأن عليهم أن يبقون هادئون دائماً في تعاملهم مع أطفالهم. هذه مثالية تفوق الطبيعة، ولن تجد أباً يصل إلى مستوى المثالية التي تطمح أن تكون مثلها طوال الوقت. إذا كنت تعطي طفلك الحق في التعبير عن مشاعره، فإنّ عليك إعطاء هذا الحق لنفسك أيضاً، لذا إذا شعرت بالحاجة إلى الصراخ على أطفالك فافعل ذلك، لأنك عندما تنفس عن بعض مشاعر الغضب في داخلك سوف يكون شعورك نحوهم مختلفاً. وفي إمكانك أن تقول لطفلك لاحقاً: "لقد فقدت أعصابي.. أنا آسف لأنني كنت غاضب جداً قبل قليل؛ ولكنني أفضل الآن"، وسوف يفهمك طفلك.

ليس كلّ أطفالك سيسببون لك هذه الأوقات العصيبة بدرجة متساوية خلال هذه المرحلة، فهناك فروقات حاسمة بين الأطفال، وكلّ طفل يختلف بيولوجياً عن الآخرين. بعض الأطفال أكثر قابلية للاستثارة وبعضهم أكثر ليناً. هذا يعني أنّ قيادة طفلك خلال مرحلة الطفولة الأولى إلى برّ الأمان يمكن أن يكون أسهل من قيادة طفل آخر في مرحلة العاصفة نفسها.

ولكن كلّ الأطفال الأصحاء والأسوياء سوف يظهرون قدراً معيناً من السلبية والتمرد خلال هذه المرحلة. وعندما يصيبك الإحباط تذكر: سيتجاوزها عمّا قريب، فما إن يصبح في الثالثة من عمره حتى يدهشك كم أصبح متعاوناً وسمحاً، على النقيض من سلوكه عندما كان عمره سنتين.

إنّ أي أُم أو أب لطفل في هذه المرحلة تعرف أنّ كلمته المفضلة هي: لا. ولا يجب أن تندهش من أنّ طفلاً صغيراً يتعلم قول "لا" قبل أن يتعلم قول "نعم" بفترة طويلة. على كلّ حال، لقد سمع كلمة "لا" من والديه أكثر بكثير مما سمع منهما كلمة "نعم". لذلك، إذا استطعت الحفاظ على حد أدنى من استخدام كلمة "لا" خلال مرحلة الطفولة، فإنك ستسمعها منه أقل في مرحلة المراهقة؛ لكن ستظل تسمع كلمة "لا" منه، بالإضافة إلى مظاهر أخرى من السلبية، كالهرب عندما تستدعيه، والرفص، ونوبات الهيجان الشديدة.. إنّ هذه الأشكال من السلوك تحدث؛ ولكن كيف ستتعامل معها وتتخلص منها؟

بكل بساطة تعلم التكرار، والسلوك المعزز يميل إلى أن يتكرر. وعندما تقابل السلوك السيِّئ لطفلك بالغضب عن غير قصد، فإنك تعزز السلبية عنده، بل إنك تدربه على أن يكون أكثر سلبية؛ لكن هناك بدائل لهذا التعزيز السلبي وغضبك من أفعال طفلك، أوّلاً: يجب أن تميز بين السلبية اللفظية والسلوك السلبي الحقيقي. قد تقول لطفل في عمر السنتين ونصف السنة: "حسناً، يجب أن تلبس ثيابك لأننا سنخرج"، وتبدأ بمساعدته. ويجيبك: "كلا. أنا لا أريد ذلك". بينما هو في الواقع يناقض قوله ويساعدك فعلاً بوضع ذراعيه داخل الأكمام. هذا مثال جيد على السلبية اللفظية. فالأمر يبدو وكأنّ طفلك يقول لك: "أنا أعلم أنّ الجو بارد في الخارج وأنا فعلاً أحتاج إلى المعطف. أنا أعلم أنك أكبر منِّي وأنك تستطيع جعلي ألبس معطفي؛ لكن يجب أن تعرف أنني شخص مستقل أيضاً، فدعني على الأقل أمارس قليلاً من المعارضة". هذه السلبية تشير إلى أنه يؤدي نوعاً من "لعبة العصيان" معك. فإذا لم تدرك طابع اللعب أو شبه اللعب لهذه السلبية وتعاملت بصرامة مع هذه الحالة، فقد تخلق أزمة في طاعته لك بالمستقبل.

لكن الأمر يختلف في وضعية أخرى، فمثلاً: إذا أخذتيه أيتها الأم معك إلى المركز التجاري، وكنت مستعجلة ولا تستطيعي أن تكوني متساهلة معه في هذه الحالة، فقد يكون عليك الآن عكس مشاعره الغاضبة بقولك: أنا أعلم أنك لا تريد إرتداء معطفك، أنا أعرف أنّ هذا يجعلك غاضباً، بينما تستمرين فعلاً في وضع ذراعيه داخل أكمام المعطف، سيقلل هذا من رفضه وغضبه وستحصلين على طفل مهذب، كما قابلتي غضبه بتفهم وعقلانية.

ليس الحفاظ على ماء الوجه أمراً مقتصراً على الكبار فقط، فالطفل في مرحلة الطفولة الأولى لا يرضى بإراقة ماء وجهه أيضاً. عزيزتي الأم يمكنك أن تجربي التقليل من المواجهات السلبية مع طفلك، وتتبعي سياسة الحفاظ على ماء الوجه بالقيام ببعض المبادرات، مثل تقديم نشاط بديل، أو احتضاه مرّة أو مرّتين، وقبل أي شيء آخر الحفاظ على ماء وجهه من خلال عكس مشاعره السلبية إليه. سيكون الأمر كأنك تقولين له: "أنا أشعر برفضك التام لهذا، ومن حقك تماماً أن تشعر على هذا النحو. أنا آسفة فعلاً، لأنني أعلم كيف تشعر؛ ولكن عليك تنفيذ ما أطلبه منك على أي حال".

ارسال التعليق

Top