وسلوك الشخص هو نتاج البيت، التعليم، الحياة الاجتماعية وممارسات وتجارب العمل.
وقد تبدو سلوكية أحد الأشخاص غير مبررة أو معقولة لشخص آخر لا يفهمه ولكن لو أمعن النظر ودقق في خليفته وتركيباته العاطفية، فسيفهمه بشكل أفضل ويفهم تصرفه وسلوكه بتلك الطريقة المتفردة.
كما أنّه يستطيع أن يتنبأ بدقة كيف سيكون ردّ فعله تجاه النقد أو النصح والتوجيه.
وعلى سبيل المثال: موظف ما لا يجد المعاملة الودّية من مديره إلّا عندما يريد أن يكلفه بعمل إضافي متعب.. وعندما يحاول المدير الجديد أن يكون ودوداً معه فإنّ هذا الموظف يصبح في حالة دفاعية مثل هذا السلوك قد يبدو غريباً للمدير الجديد.. ولكنه بالنسبة للموظف فإنّه السلوك المنطقي الوحيد الذي يقوم به.
ولهذا لابدّ للمدير أن يعرف أنّه يتعامل مع بشر يحملون معهم كلّ تجاربهم وسلوكياتهم السابقة إلى العمل.
ومن الأمور المهمة التي يجب تذكرها دائماً في التعامل مع الموظفين أو العاملين في المؤسسة هي الإدراك بأنّه رغم الذي يقومون به من أفعال مختلفة لابدّ أن تكون لها أسباب.. وهذه الأسباب نطلق عليها الحوافز، أو الحاجات..
· ماذا يريد الموظفون؟
العاملون كائنات بشرية، حالهم حال غيرهم من الناس، يبحثون عن الرضا في الحياة، إشباع حاجاتهم الأساسية..
وهذه الدوافع أو الحاجات هي التي يسعى الإنسان لتحقيقها بشكل مستمر..
ويختلف ترتيب وتسلسل هذه الحاجات أو الحوافز الدافعة حسب اختلاف نظريات وآراء علماء النفس، وباختلاف البيئة التي يعيش فيها الإنسان أو الموظف.. فهناك بيئات أو أقطار توفر له ما لا يتوفر لغيره في بيئة أو بلد آخر.. حيث تأتي أحد الحاجات أو الدوافع في التسلسل الأوّل هناك.. بينما لا يفكر أحد بها هنا..
وقد رتبها عالم النفس المدعو: (أ. ماسلو) حسب التسلسل التالي:
1- الحاجات السيكولوجية: الرغبة بالبقاء والحياة.. بصحّة جيدة مع سلامة الأعضاء وأداء الوظائف البيولوجية وإشباعها بشكل صحيح.
2- الحاجة إلى الأمان: نرغب جميعاً كبشر أن نشعر بالأمان من الأخطار، الحوادث، الألم، من المستقبل، ... إلخ وبشكل معقول ومرضي.
3- الحاجات إلى الأمان: كلّ إنسان هو كائن اجتماعي ويميل باتجاه العيش كمجموعات، ولدينا العوائل، النوادي، الأصدقاء... وهي تختلف من شخص آخر.. ولكننا نحتاجها جميعاً.
4- الشعور بالقيمة (الاحترام): نحتاج أن نشعر بالقيمة.. الاعتبار.. وعندما نتكلّم عن احترامنا الذاتي. أو كرامتنا فإنّها حاجة نشعر بها جميعاً كبشر. ونعبر عنها بمختلف الطرق أثناء تعاملنا اليومي.. ولابدّ أن يكون الاحترام متبادلاً.
5- الحاجة لأداء العمل المرغوب: كلّنا نرغب بعمل ما نحب.. ولهذا فإنّ العديد من الناس الذين لا يحبون عملهم ينتقلون إلى الهوايات.. والذين يحبون عملهم يستغرقون فيه حتى ينسون الوقت وهذا الحافز أو هذه الحاجة تنشط عندما تكون الحاجات السابقة قد تم إشباعها.. وعندها نرغب أن نفعل الأشياء التي نحبها ونتمتع بها ونبذل أحسن ما لدينا من طاقة وإبداع في العمل الذي نحبه.
ومن الطبيعي أنّ أي حاجة من هذه الحاجات تحتاج إلى التحرك لإشباعها كحافز.. وإشباع الحافز لا يتم إلّا بسلسلة من الجهد الإنساني يتفاوت حسب مكانة وقدرة وبيئة هذا الإنسان.. والأهم من ذلك أنّ أيّ.. من هذه الحاجات لابدّ لها من مقابل من الجهد أو المال المتحصل نتيجة نشاط معين (جهد).
إذاً فالعمل هو أكبر وأسمى نشاط إنساني في حياتنا لتحقيق الحاجات البشرية المطلوبة لكي نعيش بأمان وصحّة واحترام.
ويبدو إنّ الإشباع التام لحاجة من الحاجات تضع الفرد المشبع في حالة استرخاء أو كسل.. ولابدّ من حافز يدفعه لإشباع حاجة أخرى..
كثير من الناس يصرفون أكثر وقت يقظتهم (نشاطهم الوعي) في العمل، أكثر مما يصرفون في البيت. ومنهم مَن يكون وضعهم أسعد حالاً في العمل.
ولهذا فإنّ العمل المرضي، الذي يلبي مطالب، أو حاجات العامل، أو الموظف يتجه شوطاً بعيداً بجعل الحياة أكثر قيمة لأن تُعاش.
العديد منّا يتذمّر ويشتكي من العمل، بين الفينة والأخرى، ولكن أغلبنا مسرور بحصوله على عمل ثابت.
ومن الحقائق المؤكدة أنّ العمل الجيد مع مؤسسة جيدة ومدير جيد يحقق ذلك ويشبع الحاجتين الأولى والثانية (السيكولوجية – الحياتية) والحاجة إلى الأمان..
ويستطيع المدير الجيد أن يساعد على تحقيق وإشباع الحاجات الباقية الأساسية وهم: الاجتماعية، والاحترام، والعمل الذي يرغب به الموظف أو العامل.
وعلى سبيل المثال: لو التحق موظف جديد بمؤسسة وقام المدير بتقديمه إلى المجموعة العاملة، وسألهم يأخذوه إلى "الكانتين" عند حلول فترة الغذاء.. فإنّ ذلك سيساعده على إرضاء حاجته الاجتماعية.. أي يشبع الدافع أو الحافز الاجتماعي لديه.
ولغرض إشباع الحاجة إلى الاحترام (حافز القيمة)، فيمكن للمدير أن يساهم بذلك بإشعار العاملين أنّه يقدر جهودهم وإخلاصهم.. ولهذا السبب تقوم العديد من الشركات بتقدير الإخلاص والخدمة الطويلة بمنح مكافأة الخدمة.
أما إشباع الرغبة لممارسة العمل الجديد باهتمام، فعلى المدير أن يفكر جيداً ويبذل ما بوسعه لوضع العامل أو الموظف في العمل الذي يحبه ويتقنه.. وإذا كانت الميول والاستعدادات قوية لا بأس من إدخالهم في دورات تأهيلية وتدريبية كافية بخصوص العمل الذي يميلون إليه..
العمل المقبول وغير المقبول:
إنّ الرضا في العمل أو عن العمل يتوفر للعامل عن طريق العوامل أو المؤثرات المحفزة مثل الاهتمام أو الولع والرغبة بتعدّي العمل أو استثمار قابليات الشخص وتنميتها، وتهيئة الفرص للقيام بعمل ذو معنى هادف.. والاعتراف أو الإقرار بإنجازات الموظف أو العامل، ثمّ المسؤولية الفردية للعمل الذي يقوم به.
أما عدم الرضا أو القبول، فينشأ بسبب العوامل التالية:
- مرتب أو مكافأة قليلة.
- عطلات وإجازة سنوية غير مناسبة.
- حالات سيئة للعمل.
- نقص في السلامة.
- الزمالة السيئة.
وقد اختصر عالم نفس آخر هو "فردريك هارزبرج" تعريفه بنظريته المبنية على عاملين مؤثرين من الدوافع. وعلى أساسها فإنّ كلّ كائن بشري يسير بحافزين اثنين في مسار حياته:
المستوى الأدنى للحياة والمستوى الأعلى.. وكلّ منهما يتجه لتعديل بنفسه.
في المستوى الأدنى يتجه الناس لإشباع حاجة العيش "البقاء أحياء" محاولين تجنب الألم والسوء في الحياة ويفعلون مثل ذلك في العمل.
إشباع هذه الحاجات تحتاج فقط إلى الوقاية من الاستياء أو عدم الرضى ولكنها لا تحفز الشخص لبذل جهود أكبر وإذا لم يكن محل العمل مرضياً ولا أمل بتحسينه.. فإنّ العامل سيبحث عن عمل في مكان آخر.. ولن يعمل بجهد أكثر إذا لم تتوفر الحوافز الجيدة.. وعلى سبيل المثال فإنّ زيادة في الراتب قد تمنع العامل من طلب التقاعد ولكنها لن تحفزه لبذل جهد أكبر لفترة طويلة. وفي المقابل، فإنّ عوامل مؤثرة أخرى يمكنها أن تقدم حافزاً أصيلاً وإيجابياً لإرضاء الحاجات العليا! مثل: إعطاء الموظف شعوراً بالمسؤولية، تكليفه بمهمة تثير التحدي أو قيامه بعمل مهم... إلخ.
ومن الملاحظات المؤكدة أنّ العاملين الذين لا ينالون الرضا عن أعمالهم، تهبط روحهم المعنوية وينخفض مستوى حماسهم، وتسوء مواقفهم.. مما يؤدي إلى ضعف الإنتاجية والنوعية في العمل.
- التوقعات: إنّ أحد سلوكيات الإنسان المعروفة هي تلك التي تعتمد على تقدير كلّ شخص على حده عما يمكن أن يؤديه إذ كلفه مَن هو أعلى منه "مدير أو مسؤول" لعمل ما. وهل سينجح أم لا؟ .. إلخ.
وكمثال: لو قام المدير بتكليف موظف بأداء مهمة.. فإنّ هذا الموظف سيضع ثلاث توقعات متسائلاً مع نفسه:
1- هل استطيع القيام بالعمل الذي طلبه مني المدير؟
2- إذا استطعت ذلك، فهل سترضى الإدارة وتكافئني؟
3- هل ستكون المكافئة بقيمة الجهد؟
إنّ جهود الإنسان ستكون متأثرة كثيراً بهذه الإجابات.
فإذا كانت قيمة الجزاء أو المكافئة "صفراً" فسيكون الحافز "صفراً" وهذا قانون كوني ينطبق على كلّ مناحي الحياة.. وفي كلّ مكان حتى في مملكة الحيوان.. الثواب والعقاب..
- الإنصاف: يقال أحياناً: إنّ المساواة في الظلم عدالة!
ويرمز هذا القول إلى ضرورة التعامل بقياس واحد.. ربما لا يريد العامل أن تكافئه بنفس قيمة عمله تماماً.. ولكنه يقبل بشيء رمزي إذا كان ذلك التقدير أو المكافئة لا تقل عن مستوى زملائه الذين أدوا نفس الأعمال أو أشبه بها.. فهو اعتراف وتقدير نسبي ولكنه يجب أن يكون منصفاً وعادلاً قياساً لغيره.
إنّ مختلف الناس يتوقعون أشياءً مختلفة عن أعمالهم. بعضهم يضع آمالاً كبيرة على الأجور.. وآخرين على الضمانات الاجتماعية والصحّية.. وقسم على بيئة العمل وساعاته، أو النقل والمواصلات ونظام المكافآت وتستطيع الإدارة إيضاح كلّ الإشكاليات أو التوقعات المناسبة وشرح واقع العمل وتوقعات المستقبل بطريقة مرضية وأقرب إلى الواقع لإزالة إشكالات سوء الفهم أو الوهم الذي يقود إلى أخطاء غير محسوبة بالمستقبل.►
المصدر: كتاب المدير الناجح والتخطيط الإداري الفعّال/ سبيلك إلى فن الإدارة
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق