• ٢١ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٩ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

الدهون الصحية.. حليفتنا في السعي إلى الرشاقة

الدهون الصحية.. حليفتنا في السعي إلى الرشاقة

"الدهون الغذائية ليست متساوية في الخصائص، ولا متشابهة في التركيب. فمنها المشبع ومنها غير المشبع، منها المهدرج ومنها الطبيعي. والدهون جميعها ليست ضارّة كما يعتقد البعض، بل إنّ أنواعها الجيدة ضرورية لصحتنا، ولقوامنا أيضاً"
دهون الطعام هي واحدة من العناصر الغذائية التي تعاني مشكلة كبيرة في سمعتها وصورتها في أذهان الكثيرين منّا. فهي أوّل ما نتهمه بالتسبُّب في زيادة الوزن، وأوّل ما نسارع إلى اقتطاعه من نظامنا الغذائي عندما نقرر أن نتخلص من الوزن الزائد لدينا.
وتُعلِّق المتخصصة الأميركية في علوم التغذية بوني توبديكس، فتقول إنّه غالباً ما يساوي الناس بين دهون الطعام والدهون المتراكمة على الوركين، غير أنّ الحقيقة مغايرة لذلك. والدهون ليست عنصراً يمكن التخلي عنه ببساطة، فالجسم يحتاج حاجة ماسة إلى بعض أنواع الدهون، والحصول على الكمية والنوعية المناسبتين منها لا يضمن لنا نكهة لذيذة لأطباقنا فحسب، بل يسمح لنا حتى بالتخلص من الوظائف الأساسية، كما يسمح لنا بالتخلص من الكيلوغرامات الزائدة في أجسامنا.
نعم، هذا صحيح، بعض الدهون تساعد على التخلص من الوزن الزائد.

- سمعة الدهون ودورها
يعود السبب الأساسي وراء سمعة الدهون السيِّئة إلى حقيقة أنّ الكثير مما نأكله منها يأتي من أطعمة غير صحية مثل الدونات والبطاطا المقلية. والواقع أن توقنا المبرمج إلى النكهة التي توفرها الدهون يسهل مسألة الإفراط في أكلها. ففي العصور القديمة، كان الحصول على الوحدات الحرارية أمراً نادراً. وقد تطور الإنسان البشري ليبحث عن أكثر المصادر الغذائية تركيزاً بالوحدات الحرارية، وكانت الدهون التي يحتوي الغرام الواحد منها على 9 وحدات حرارية (مقابل 4 في كل غرام من الكربوهيدرات والبروتينات) أفضل مصدر غذائي يساعده على البقاء والإستمرار على قيد الحياة في ظل الظروف القاسية التي كان يعيش فيها.
وعلى الرغم من أنّ الإنسان اليوم لم يعد يحتاج إلى هذا التوق البدائي للدهون كي يساعده على البقاء على قيد الحياة، إلا أنّ الدهون لا تزال تلعب دوراً بيولوجياً أساسياً. فهي تساعد على إيصال عناصر مغذية رئيسية إلى الجسم. وتُفسِّر توبديكس ذلك قائلة إنّ هناك فيتامينات أساسية قابلة للذوبان في الدهون مثل فيتامينات A, D, E, K تحتاج إلى أن تلتحم بالدهون كي يتم امتصاصها في الجسم. وفي حال لم تتوافر الدهون، فإنّ امتصاص هذه الفيتامينات في الجسم لن يتم بالشكل المطلوب. فإذا ما لجأنا مثلاً إلى إضافة الصلصة الجاهزة خفيفة الدهون على طبق السلطة، فإنّ ذلك قد يحرمنا من الكثير من الفوائد الموجودة في الخضار الورقية الخضراء، وقد لا يطول الوقت قبل أن نشعر برغبة شديدة في تناول وجبة خفيفة. وتؤكد توبديكس أنّ واحدة من القواعد الرئيسية لتخفيف الوزن هي الإحساس بالشبع عند تناول الوجبة، وذلك حتى نتفادى ظاهرة قضم الأطعمة المختلفة على امتداد ساعات النهار بسبب الجوع. وكانت الدراسات قد أكدت أنّ الأطعمة الغنية بالدهون الصحية، مثل الأفوكادو والمكسرات، تحتاج إلى وقت أطول كي يتم هضمها، ما يعني أن تناولها يساعدنا على الإحساس بالشبع لوقت أطول.

- ماذا يحدث للدهون عندما نأكلها؟
خلافاً لما يعتقد البعض، فإنّ الدهون الغذائية التي نتناولها لا تذهب مباشرة لتستقر في الفخذين والوركين والبطن. ويقدم المتخصص الأميركي البروفيسور أريك ديكير، تفسيراً مبسطاً لما يحدث لهذه الدهون عندما نأكلها: إذا استمتعنا مثلاً بتناول كوب من خليط الحليب الممزوج بالفواكه، فإنّ أوّل ما يحدث للدهون الموجودة في الحليب هو تحللها في الفم والمعدة، ثمّ تنتقل إلى الأمعاء الدقيقة. وهناك تختلط بأملاح الصفراء لتشكل قطيرات مستحلبة، وتدخل مجرى الدم. ثمّ يتم إرسال هذه الجزيئات الدهنية، التي يطلق عليها في هذه المرحلة اسم (كيلوميكرونز) إلى الكبد، ثمّ إلى أجزاء أخرى في الجسم، حيث يمكن أن تحدث أمور عدة. فإمّا أن يتم استخدامها لتوليد الطاقة فوراً، أو تبقى في الكبد لتستخدم لهذا الغرض هناك إذا ما دعت الحاجة. أمّا إذا كانت خلايا الجسم تملك أصلاً كل الطاقة التي تحتاج إليها، فإنّ الكيلوميكرونز يمكن أن تستخدم لبناء مكونات بيولوجية مثل أغلفة الخلايا. وأحماض أوميغا3 الدهنية هي الأكثر استخداماً لهذا الغرض. ويمكن أيضاً أن يتم تخزين الدهون لاستخدامها لاحقاً (نعم، ربما يتم هذا التخزين في الفخذين). لكن هذا يحدث أيضاً عندما نتناول الكربوهيدرات والبروتينات أيضاً. فكل الوحدات الحرارية الزائدة التي نتناولها، مهما كان مصدرها الغذائي، يحولها الكبد إلى دهون.

- المنتجات خفيفة الدهون
يؤكد المتخصصون في التغذية أنّ إصرار الكثيرين على تناول أقل قدر ممكن من الدهون، لن يساعد أبداً على خفض الرقم الذي يظهر على الميزان. ويقدم هؤلاء الخبراء دليلاً علمياً وإحصائياً على ذلك، فيقولون إنّه على الرغم من أن نسبة الوحدات الحرارية المتأتية من الدهون التي كان الأميركيون يتناولونها في عام 2000 سجلت انخفاضاً كبيراً عن تلك التي كانوا يتناولونها في سنة 1971، إلا أنّ مجمل عدد الوحدات الحرارية التي يتناولونها اليوم ارتفعت بمعدل 300 وحدة. وترجِّح توبديكس سبب ذلك إلى حقيقة أنّ الشركات المنتجة لهذه الأطعمة خفيفة الدهون تستعيض عن الدهون التي تنتزعها بإضافة كمية كبيرة من السكر لمنح المنتج نكهة حلوة تغطي على غياب نكهة الدهون. كذلك فإنّ الناس تميل إلى تفسير عبارة "خفيفة الدهون" على المنتجات الغذائية، وكأنها دعوة مفتوحة إلى الإكثار من تناولها من دون الإنتباه إلى الوحدات الحرارية الموجودة فيها واحتسابها.

من جهة ثانية، فإنّ اقتطاع كافة الدهون من نظامنا الغذائي يعني أننا سنحرم أنفسنا من الدهون الجيدة التي يمكنها أن تساعدنا في تحقيق هدفنا المتمثل في التخلص من الوزن الزائد. وكانت دراسة نشرتها مجلة "السكري" الأميركية قد أفادت أنّ النظام الغذائي الغني بالدهون الأحادية غير المشبعة (مثل تلك الموجودة في اللوز) يمكن أن يقي تراكم الدهون في منطقة البطن. وتؤكد المتخصصة الأميركية في التغذية لورين بلو، مسألة مصدر الدهون، وتقول إنها أهم ما في الأمر عندما نتحدّث عن الدهون. وتضيف أنّ الجمع بين الدهون والكربوهيدرات في الوجبة نفسها يساعد على استقرار مستويات سكر الدم، ويحول دون حدوث الإرتفاعات والإنخفاضات الكبيرة في مستوياتها، أي التقلبات الكبيرة التي تسبب الإحساس بالجوع. غير أنّ ذلك لا يعني أنّه يمكننا بكل بساطة إلتهام كعكة كبيرة بالقرفة دفعة واحدة، لأنّه يجب علينا توزيع الأطعمة التي تحتوي على مزيج من الدهون والكربوهيدرات على ساعات النهار، فتأكل مثلاً القليل من زبد الفستق أو زبد اللوز مع شريحة من خبز القمح الكامل المحمص صباحاً، ونضيف زيت الزيتون على طبق السلطة ظهراً، ونأكل صلصة الأفوكادو مع الخضار مساء.

- نوع من الدهون يجب تفاديه
مقابل أنواع الدهون الصديقة، هناك نوع ضار يجب تفاديه لأنه عدو حقيقي، وهو دهون ترانس (دهون لا توجد بشكل طبيعي في الطعام، بل ينتجها الإنسان). فقد تبين أنّ تناول هذه الدهون يسهم في رفع مستويات الكوليسترول الضار (LDL)، وفي خفض مستويات الكوليسترول الجيد (HDL)، أي أنها تضر بالصحة خلافاً للدهون غير المشبعة التي تتمتع بفوائد صحية.
ويذكر أن دهون ترانس تخضع لعملية تغيير كيميائية يطلق عليها اسم الهدرجة، وتهدف إلى تسهيل عملية بيع المنتج الغذائي. مثال على ذلك، فإنّ بعض أنواع البسكويت المعلب تحتوي على زيوت مهدرجة، أو مهدرجة جزئياً لجعلها تدوم مدة أطول على رفوف السوبرماركت. وينصح الخبراء بتفادي تناول هذه الدهون الضارة، ولكن للأسف فإننا قد لا نعرف أصلاً أنّ المنتج الذي نشتريه يحتوي على دهون ترانس. أمّا سبب ذلك، فيعود إلى القوانين التي تسمح للشركات بأن تكتب على منتجاتها أنها خالية من دهون ترانس مادامت الحصة الواحدة منها تحتوي على أقل من 0.5 غرام من هذه الدهون. وبشكل عام، يمكننا تفادي دهون ترانس الضارة بالإمتناع عن شراء المنتجات الغذائية التي تتضمن لائحة محتوياتها عبارة زيوت مهدرجة، أو زيوت مهدرجة جزئياً.
وأخيراً، علينا أن نتذكّر دائماً أنه علينا الإنتباه إلى حجم الحصص، حتى عندما يتعلق الأمر بالدهون بالصحية. فالدهون بأشكالها كافة تحتوي على ضعف عدد الوحدات الحرارية الموجودة في كمية مماثلة من الكربوهيدرات أو البروتينات. وتعلق توبديكس قائلة إنّ الناس غالباً ما تتناول الأطعمة الجيدة، لكنهم يأكلون الكثير منها. وتضيف أنّ زيت الزيتون هو أكثر ما يبالغ في تناوله الأشخاص الذين يستشيرونها بشأن تخفيف أوزانهم. فالكوب الواحد من هذا الزيت يحتوي على نحو 2000 وحدة حرارية. وما لم ننتبه كثيراً عن إضافته إلى الأطباق، فمن السهل أن نسكب أكثر من الملعقتين الصغيرتين اللتين تعتبران حصة واحدة.
وتخلص توبديكس إلى القول إنّ الدهون بكميات صغيرة هي واحدة من أفضل المواد الغذائية لصحتنا وقوامنا.

ارسال التعليق

Top