الفسادُ: نقيض الصلاح، فالمفسَدَة خلاف المصلحة، والاستفسادُ خلاف الاستصلاح. قال تعالى: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (الرّوم/ 41). الكلّ يعرف الفساد وأثاره وظلمه حيث يمثل الفساد تحدياً خطيراً في وجه التنمية. فهو على الصعيد السياسي يقوّض الديمقراطية والحكومة الجيدة بتعويم أو حتى تغيير مسار العملية الرسمية. أما الفساد القضائي فإنّه يعرض سيادة القانون للخطر والفساد في الإدارة العامة ينجم عنه التوزيع غير العادل للخدمات. والتعريف العام لمفهوم الفساد بأنّه اللهو واللعب وأخذ المال ظلماً من دون وجه حقّ. كما ويعرّف معجم أوكسفورد الإنكليزي الفساد بأنّه انحراف أو تدمير النزاهة في أداء الوظائف العامّة من خلال الرشوة والمحاباة. فهو مرض عضال تحمله الدول والمجتمعات سواء أكانت غنية أم فقيرة دكتاتورية أم ديمقراطية .وهو ذات جذور عميقة تأخذ أبعاداً واسعةً تتدخل فيها عوامل مختلفة يصعب التمييز بينهما، وهو التحدي الأهم والوريث المتوقع للإرهاب والذي تجد الحكومات والمجتمعات نفسها في مواجهته، وفي حرب معه، على الأغلب أكثر شراسة وتكلفة من مكافحة الإرهاب. ويرتبط ظهوره واستمراره برغبة الإنسان في الحصول على مكاسب مادّية أو معنوية يعتقد في قرارة نفسه أنّه ليس له حقّ فيها ومع ذلك يسعى إليها، لذا فهو يلجأ إلى وسائل سرية للوصول إليها منها إقصاء من له الحقّ فيها، أو الحصول عليها عن طريق الرشوة أو المحسوبية أو الواسطة أو اختلاس المال العام وغيرها .ولا يقتصر ظهور الفساد على القطاع العام بل هو قد يكون أكثر ظهوراً في القطاع الخاص وفي مؤسسات المجتمع المدني. والفساد في القطاع العام لا يظهر في مفاصل السلطة التنفيذية والسلطة القضائية فقط، بل يمكن أن يظهر في ميدان عمل السلطة التشريعية من خلال تجميد المشاريع لإغراض المساومة مثلاً، أو في توزيع المناصب الحكومية على أُسس حزبية أو طائفية، أو على مقياس الولاء بغض النظر عن الجدارة أو الكفاءة أو الاختصاص. كما قد يظهر بشكل واضح في المؤسسات المستقلة بضمنها المؤسسات الرقابية أو المتخصصة في مكافحة الفساد كفساد المحققين وضباط الشرطة والمفتشين العامين وموظفيهم .وليس هناك علاقة مباشرة بين نظام الحكم والفساد، فالفساد موجود في دول أنظمتها ديكتاتورية كما هو موجود في دول أنظمتها ديمقراطية، إلّا أنّ الأنظمة غير الديمقراطية تعد حاضنة صالحة للفساد أكثر من الأنظمة الديمقراطية من الناحية النظرية، لأنّ الأنظمة الديمقراطية تكون في ظلها السلطات متوازية ومستقلة، وتوفر انتخابات حرة ونزيهة وتداول سلمي للسلطة وحرّية تعبير وصحافة حرة وقضاء مستقل محايد عادل وكفوء لذا تكون ممارسة الفساد عملية صعبة أو خطرة ذات نتائج غير مضمونة. نعم، الفساد هو تلك الظاهرة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية المعقدة التي تؤثر على العالم. ولهذا اعتمدت الجمعية العامة، الواحد والثلاثين من أكتوبر 2003، اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد والجريمة، وعيّنت الجمعية العامّة أيضاً يوماً في التاسع من ديسمبر بوصفه اليوم الدولي لمكافحة الفساد، من أجل الوعي بشكل كامل بمشكلة الفساد وبدور الاتفاقية في مكافحته ومنعه. ودخلت الاتفاقية حيز التنفيذ في ديسمبر 2005. يكتسب اليوم العالمي لمكافحة الفساد، بُعداً هاماً. فهو يشكّل فرصة مميّزة للمهتمّين بمكافحة الفساد، تلك الظاهرة المعقّدة في تجلّياتها، الواضحة في تأثيراتها، من أجل زيادة الوعي، وشحذ الهمم، وتوحيد الكلمة ضد الفساد الذي يهدر الطاقات المالية والبشرية ويشكّل عائقاً بالغ الخطورة أمام جهود التنمية حول العالم.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق