إنّ التربية تحتاج منك إلى ضبط سلوك طفلك بالثواب والعقاب معاً، ومن الطبيعي استخدام بعض وسائل العقاب المشروعة، فلا ينبغي أن تستنكري بعض وسائل العقاب هذه، وذلك للتظاهر بالعطف والحنان عليه، فالتجربة العلمية تقول: إنّ الأجيال التي نشأت في ظل منع العقوبة ونَبذ استخدامها، نَتَج عنها أجيال مائعة لا تصلح لجدّيات الحياة وصعوباتها.
إنّ الهدف من تحديد أساليب الثواب والعقاب، هو إعطاء فائدة وقيمة للأوامر والنواهي التي تُربّين بها طفلك. فالثواب يُشجِّعه على تنفيذ ما تُريديه منه. أمّا العقاب، فيردعه عن القيام بما عليه تجنُّبه.
هناك بعض القواعد التي يمكن أن تساعدك عند التفكير في الأساليب المناسبة للثواب والعقاب، ومنها:
1- يجب التركيز على مكافأة طفلك عند تنفيذه ما هو مطلوب منه، بدلاً من التركيز على معاقبته إذا أخفق. يُفضَّل أن تُركِّزي على تنفيذ طفلك لما يجب عليه فعله، من خلال مكافأته عندما ينجح في الالتزام، وفي قدرته على الاستمرار على عمل مُعيّن مثل الواجبات المدرسية. وقد تتضمّن هذه المكافآت التشجيعية أي شيء، بدايةً من التعبير عن سعادتك بما قام به، والثناء عليه إلى تقديم المكافآت المادية له، فضلاً عن إعطائه مزيداً من الصلاحيات، وإقامة الحفلات والمناسبات الخاصة للاحتفال بإنجازه.
مع ذلك، فإنّ الواقع يُشير إلى أنّ طفلك في حاجة أيضاً في بعض الأوقات، إلى نوع من الردع لما يقوم به من تصرفات خاطئة، هذا إذا ما أردت منه أن يتعلّم الصواب والخطأ، من دون أن يُصاب بأذى جسدي أو نفسي.
2- اربطي بين ما يرغب فيه ويحبّه طفلك، والعقاب المناسب، ولكي تعرفي ذلك لاحظي اهتمامه. فعلى سبيل المثال، قد لا ينفع حبس طفلك في غرفته لوحده لأن هذا هو كل ما يريده، لأنّه يهوى قضاء الوقت بمفرده للقراءة أو اللعب بألعابه لوحده. إذن، هذا العقاب لا يكون مجدياً في معاقبته، فلن يؤتي هذا الأسلوب ثماره. فمن المفترض معاقبة طفلك، في البحث عن أسلوب بديل لذلك، يمكنك أن تلاحظي على سبيل المثال، إن كان طفلك يهتم كثيراً بالحصول على مصروفه الأسبوعي، فيصبح حرمانه من بعض هذه النقود عقاباً جيداً يجعله ينتبه أنّ تنفيذ الأمور شيء مهم ولا يمكن تركه، لأنه لن يحصل على المال الذي يريده بعد ذلك.
3- استخدمي أقل وسائل التأديب قسوة وأكثرها تأثيراً. بطريقة أخرى، يجب أن تتجنّبي استخدام العنف إذا كانت هناك طريقة أخرى أقل عنفاً وأكثر وقعاً في نفسه، بمعنى أنّ تهذيبك لسلوكه عن طريق حرمانه من مشاهدة إحدى فقرات برنامجه المفضَّل، سيكون له أثر كبير في تحقيق ما تريدين، في حين أنّ حرمانه من مشاهدة كل البرامج التي يفضلها على مدار أسبوع كامل، قد لا يحرز أي نوع من التقدُّم المرجو، كذلك تجاهله لساعات، حيث لا تردّي على أسئلته، أو تنظري إليه يعتبر أسلوباً ناجحاً مع بعض الأطفال خاصة الموهوبين، فهو لن يحتمل تجاهلك له، ويعلم أنك غاضبة من تصرفاته، وعليه تغييرها لتبقي على تواصلك معه.
4- كلّما قَلّ عمر الأطفال، زادت الحاجة إلى استخدام أسلوب عقاب فوري. يفتقد طفلك الصغير الإحساس بالزمن ومن ثمّ، فإنّ وضع نظام عقاب على مدار أسبوع كامل لطفل لا يتعدّى عمره السنتين، لن يُثمر عن أي شيء على الإطلاق، في حين يؤتي هذا النوع من العقاب طويل المدى ثماره بالنسبة إلى طفلك في 11 – 16 من عمره. كذلك، فإنّ الأطفال الصغار يحتاجون إلى تطبيق العقاب فور صدور السلوك منهم، على عكس الأطفال الأكبر سنّاً، فقد لا يتذكّر الطفل الصغير الخطأ الذي تؤدّبينه عليه، إذا انتظرت لفترة طويلة، ثمّ عاقبته.
5- تعاملي مع طفلك باحترام أثناء قيامك بتقويم سلوكه، لأنّ أطفالك يتعلّمون الكثير منك، عندما تُعبِّرين لهم عن احترامك لهم وأنت تقومين بتهذيب سلوكهم. إنّ تقويم سلوك طفلك هو الهدف الذي يسعى كل الآباء والأمّهات إلى تحقيقه من عقابهم على ما يقومون به من تصرُّفات سيِّئة، فلا يكون الهدف من العقاب مجرد توبيخ واضطهاد طفلك. فالأطفال في حاجة إلى أن تكون لديهم فرصة تخطي المشكلة القائمة التي يتعرّضون لها، والمضي قُدماً في حياتهم من دون التوقف عندها. لذا، فإنه من المهم أن تتخلي عن الحديث عن المشكلة متى انتهت. وكذلك، فإنك تحتاجين إلى المرونة في تقبُّل أي تغيُّر، حتى وإن اقتضى الأمر تغيير أسلوبك إلى النقيض. لذلك، عليك تجنُّب استخدام بعض العبارات، مثل: "أنت لن تقدر على الوصول إلى أي شيء"، أو "لن أثق بك مرّة أخرى"، أو "أنت دائماً لا تفعل ما أقوله لك".
6- كل أساليب الثواب والعقاب (التي تهدف إلى وضع حدود لتصرف طفلك) يتم اختيارها على أساس أنها تعمل على التخلص من القلق والاضطراب، بحيث تعطيه الدافع للتصرف كما هو متوقع منه. ومن ثمّ، فإنّ أساليب العقاب المستخدمة يجب أن تكون موجعة بعض الشيء، وأن تكون تلك الأساليب واضحة ومؤثرة، بحيث تؤثر في طفلك، ويعمل على تجنب التعرض إليها مرّة أخرى. فعندما لا يجيد طفلك الربط بين الأحداث والأفعال والأمور التي أدّت إلى تعرُّضه لمثل هذا العقاب، يكون من الأفضل أن تُفسِّرين له تلك العلاقة بكلمات بسيطة يفهمها، فتقولين مثلاً: "لن أُكلِّمك طوال اليوم لأنك فعلت كذا.. وكذا" أو "لن تأخذ مصروفك اليوم لأنك فعلت كذا.. وكذا".
7- تأكّدي من التوقف عن استخدام العقاب فور قيام ابنك بتغيير سلوكه. إنّ إتباع أسلوب العقاب من أجل العقاب فقط، نادراً ما يؤتي ثماره. وعموماً، فإنّ الأبناء يصبحون أكثر قدرةً على التعلُّم، عندما يتخلّصون من العقاب فور قيامهم بتغيير السلوك الخاطئ الذي كان يصدر منهم. لذلك، عليك أن تُغيّري أسلوبك متى تَغيَّر سلوك طفلك وترفعي العقاب ولا تستمرّي به.
يجب إدراك أهميّة أساليب الثواب والعقاب في تعليم الأبناء كيفية التكيف مع العالم الخارجي، بحيث تتماشى مع الطريقة التي يتبعها الآخرون في العالم الخارجي للتصرف في أمور حياتهم، لأنّ هذه الأساليب تساعد في تعريف أبنائنا إلى النظام الذي يسير عليه العالم الخارجي، فيمكننا، على سبيل المثال، تأديب الطفل الذي اعتاد على التأخر في الذهاب إلى مدرسته في الموعد المحدَّد، عن طريق تركه يذهب إلى المدرسة بملابس النوم، إذا لم يَنتَهِ من ارتداء ملابس المدرسة قبل أن تأتي عربة المدرسة، كما يمكن تقويم سلوك المراهق الذي يطالب والديه بأن يكتبا إلى مُعلِّمه مذكّرة اعتذار نيابةً عنه، كي يُقدِّمها كمبرِّر لعدم أدائه واجباته المدرسية (والسبب هو أنه قضى الوقت في مشاهدة التلفزيون)، بأن ترفضي كتابة المذكرة، وأن تخبري طفلك أن يُعلم مُعلِّمه بالحقيقة، وكذلك يمكن تهذيب سلوك الطفلة التي اعتادت ألّا تُنهي الأعمال المكلَّفة بها داخل المنزل عن طريق حرمانها من مصروفها اليومي، لأنها لم تتقن عملها جيداً.
تَذكّري أنّ أساليب الثواب والعقاب وُضعت لتشجيع الأبناء على التصرف بشكل سليم، وتجنُّب الأخطاء التي قد تُسبِّب لهم الأذى، فأهمية العقاب والثواب تكمن في الحفاظ على طفلك بعيداً عن الألم، وتُقرِّبه من الشخصية المحبوبة التي تبرز من خلال سلوكياته التي قوَّمتها فيه أثناء طفولته.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق