• ٢١ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٩ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

لا عنصرية في الإسلام

عمار كاظم

لا عنصرية في الإسلام

قال النبيّ محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم): «يا أيّها الناس إنّ ربّكم واحد وإنّ أباكم واحد، لا فضل لعربي على أعجمي ولا لعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود ولا لأسود على أحمر إلّا بالتقوى». حارب الإسلام العنصرية بشتّى أنواعها وأشكالها منذ بعث النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، وقد أعلنها القرآن الكريم صريحةً، بأن التفاضل بين البشر لا يكون إلّا بميزان التقوى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (الحجرات/ 13).

نعم، إنّ الدِّين الإسلامي دعا إلى القضاء على كلّ الفوارق والطبقات وجعل الناس كلّهم سواسية، وأزال وأذاب الفوارق التي تقوم على أساس من الجنس أو العرق أو اللون.. فالعنصرية هي التفرقةُ والتمييز في المعاملة بين الناس على أساس من الجنس، أو اللون، أو اللغة، أو الدِّين، أو حتى المستوى الاجتماعي والطبقي، وأوّل مَن نادى بالعنصرية هو إبليس، حيث قال حينما أمره الله تعالى بالسجود لآدم: (أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) (ص/ 76)، ولم يبتعد العرب قبل الإسلام عن هذه النعرة، حيث كانت القبلية سائدة، والتقسيم الطبقي حاضراً، فهذا من السادة، وذاك من العبيد، وعندما جاء الإسلام نبذ هذه العنصرية ونهى عنها. قال الإمام زين العابدين (عليه السلام): «لا حسب لقرشي ولا عربي إلّا بتواضع، ولا كرم إلّا بتقوى».

جاء الإسلام بمبدأ المساواة بين الناس جميعاً‏، وكان هذا المبدأ غريباً على مجتمع الجاهلية الذي أشرق فيه نور الإسلام‏، ‏فقد كان يسود هذا المجتمع العصبية القبلية، والتفاخر بالأنساب والألقاب، والتباهي بالمال والغنى، والتمييز بين الأبيض والأسود، وبين الغني والفقير، والسيِّد والمسود، وكان كثير من الناس ينوؤون بمشاعر المذلة والمهانة تحت وطأة هذه التفرقة الجائرة، فانتصر الإسلام لهؤلاء البؤساء، وقرر المساواة بين الناس جميعاً لا تمييز بينهم إلّا في درجة تقوى الله والإيمان به. إنّ الدِّين الإسلامي أسّس مبدأ التعايش بين جميع الأطياف والمذاهب المختلفة في إطار من العدل والمساواة والدعوة إلى التعارف والتعاون والبُعد عن العنصرية، وعمل على توطيد العلاقات السلمية بين الناس في الداخل والخارج قال سبحانه: (لا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (الممتحنة/ 8). وقد كان البعض من كبار الصحابةِ لا ينتمي إلى العرب أصلاً، فهذا سلمان الفارسي، وبلال الحبشي (رضي الله عنهما)، فالإيمان أزال وأذاب الفوارق التي تقوم على أساس من الجنس أو العرق أو اللون، وجعل التقوى معياراً للتفاضل بين الناس مهما كان الحسب والنسب، فهذا أبو لهب؟ عم الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، أليس شريف وحسيب في قريش، ولكن ماذا نفعه حسبه، إنّه لم ينفعه شيء، وإنّما أورده النار (سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ) (المسد/ 3)، وهذا سلمان الفارسي، فارسي، لا يمت إلى العرب بصلة، ولكن نفعه إيمانه، وهذا بلال بن رباح عبد حبشي سمع الرسول خشخشة نعله في الجنّة.

إنّ الإسلام يرسخ حقوق المواطنة في دولته للمسلم وغيره، فالجميع سواء من حيث الحقوق والواجبات، وهو ما اتّضح في وثيقة المدينة التي عقدها الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بمجرد وصوله إليها، وهي معاهدة تمثّل دستوراً شاملاً يعالج قضايا التكامل الاجتماعي والاقتصادي والعلاقات القانونية داخل الدولة وخارجها، والسيرة النبويّة المشرفة تزخر بالأمثلة والروايات التي تؤكّد أنّ الإسلام دين السلام والتعاون، فالدولة الإسلامية في عهد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) عملت على مدِّ جسور الحوار البنّاء والتعايش السلمي بين مواطنيها على اختلاف مشاربهم ومذاهبهم، وخارجها في علاقاتها، وذلك عبر توطيد العلاقات السلمية من خلال المعاهدات التي أبرمها الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) مع مختلف القبائل والمدن المجاورة، دون اعتبار لاختلاف الدِّين أو العرق أو اللون.

ارسال التعليق

Top