• ٢٧ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٨ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الإخلاص في العمل الصالح

الإخلاص في العمل الصالح

◄مما يساعد الإنسان على نيل مقام القرب الإلهي العمل الصالح، وهو يدفع بالنفس الإنسانية في طريق التكامل، يقول تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (النحل/ 97).

وقد أكّد القرآن الكريم كثيراً على العمل الصالح وأنّه الوسيلة الوحيدة لسعادة الإنسان وتكامله، وهذا العمل إما واجب أو مستحب، وقد حُددت الواجبات كما حُددت المستحبات في الشرع الحنيف، ومن الواضح أنّ الأهم هو القيام بالواجبات، فإذا فرغ من الواجبات ينتقل إلى المستحبات، فلا يمكن لشخص أن ينال مقام القرب إذا قصَّر في الواجبات حتى لو بذل جهوداً مضاعفة في المستحبات.

 

الإخلاص:

إنّ مقام الإخلاص من أرفع المقامات وله آثار جليلة جدّاً ذكرتها الروايات بالتفصيل، يقول رسول الله (ص): "ما أخلص عبد أربعين صباحاً إلّا جرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه".

وتلك القلوب المخلصة تصبح مواضع لنظر الله تعالى، يقول الإمام عليّ (ع): "أين الذين أخلصوا أعمالهم لله، وطهّروا قلوبهم لمواضع نظر الله".

وللإخلاص مراتب عديدة أدناها أن يخلص المرء عباداته من الشرك والرياء والعجب وأن يؤديها لله تعالى لا غير، وهذا المستوى هو شرط لصحة العبادة، فلا تكون العبادة صحيحة من دونه، ولا شكّ أن نية المرء تؤثر في مصيره يوم القيامة، يقول رسول الله (ص): "إذا عملت عملاً فاعمل لله خالصاً، فإنّه لا يقبل من عباده الأعمال إلا ما كان خالصاً"، ويقول الإمام الصادق (ع): "إنّ الله يحشر الناس على نيّاتهم يوم القيامة".

 

مراتب العبادة:

ليست العبادة مرتبة واحدة، بل هي تختلف باختلاف نيّة الذين يؤدونها، وهم على فئات: الفئة الأولى: الذين يعبدون الله تعالى خوفاً من عذابه.

الفئة الثانية: الذين يعبدون الله طمعاً في جنّته.

هذه الأهداف لا تضرّ بالعمل وهي توجب القرب الإلهي وإن كان الذين لديهم هذه الأهداف لا تكون عبادتهم بمستوى الذين يقومون بها لأهداف أسمى.

الفئة الثالثة: وهم الذين يعبدون الله شكراً لنعمه، وهذا القصد هو أفضل من غيره، يقول الإمام عليّ (ع): "إنّ قوماً عبدو الله رغبةً فتلك عبادة التجّار، وإن قوماً عبدوا الله رهبةً فتلك عبادة العبيد، وإن قوماً عبدو الله شكراً فتلك عبادة الأحرار".

الفئة الرابعة: الذين يعبدون الله تعالى لتربية أنفسهم وتزكيتها، وهذا القصد لا يضرّ بإخلاص العمل.

الفئة الخامسة: الذين يعبدون الله تعالى لأنّهم يعرفونه بأنّه مفيض الخيرات والكمالات، فهو أهل للعبادة وهم يخشعون أمامه ويخضعون له ويحبونه لأنّهم وجدوه جديراً بأن يُعبَد، وهؤلاء هم أفضل من غيرهم.

ولابدّ من التأكيد على حقيقة هامة وهي: أنّ الجد في العبادة يوصل الإنسان إلى الإخلاص، يقول أمير المؤمنين (ع): "الإخلاص ثمن العبادة"، وهنا يكمل الإيمان، فعنه (ع): "من أحبّ لله وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله فهو ممن يكمل إيمانه".

 

قصة وعبرة:

للمخلص في عمله علامات يعرف بها هي:

أوّلاً: أن لا يكون لتشجيع الآخرين أو تثبيطهم أثر عليه، بمعنى أنّه لو امتدحه أحد أو أثنى عليه لما سرّ بذلك كما أنّه في المقابل لا يحزن لو لم يمتدحه أحد على عمله.

فالمخلص لله في أعماله العبادية والجهادية لا يتوقع من أي شخص جزاءً ولا شكوراً. فلو أحسن في أداء عمله ومهامه أو أحسن القتال والجهاد وأبلى بلاءً حسناً وساهم في تحقيق الانجازات أو النصر إلّا أن مسؤوله أو قائده لم يشكره على ذلك، فإنّه لا يحزن لذلك ولا يصاب بالاحباط ولا يضعف حماسه للعمل ولا يتغير أداؤه، وإذا أدى المسؤول أو القائد واجبه وشكر المجاهد وشجعه فالمخلص لا يفرح بذلك أيضاً ولا يصاب بالزهو والعجب. أما إذا أرى المجاهد نفسه وقد فرح بمثل هذا التشجيع وأصابه العُجب بنفسه بسبب ذلك فليعرف أن عمله لم يكن خالصاً لوجه الله.

فقد روي أن رجلاً أتى النبي (ص) فقال: إني أتصدق وأصل الرحم ولا أصنع ذلك إلا لله، فيُذكر ذلك مني وأُحمد، فيسرني ذلك وأعجب به!؟. فسكت النبي (ص) علامة على عدم موافقته ولم يقل شيئاً، فنزلت الآية: "فمن يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً".

وثانياً: عدم التفاخر والتعالي على الناس بالأعمال الصالحة، فمثلاً لا يجدر بالإنسان المخلص أن يشرع بالحديث عن ذاتياته وعن نفسه بالمدح والثناء في كلّ مجلس يجلس فيه بهدف التفاخر والتباهي، فالجندي المخلص الذي يفتخر به يوم القيامة هو الذي ينجز الأعمال الهامة والمؤثرة ويضحي ويقدم ما يستطيع أن يقدمه في سبيل الله، ثمّ لا يعرف أحد ما قدم وما عمل. لأنّه يعتبر أنّه يؤدي تكليفه الشرعي والعمل إذا كان أداءً للتكليف الشرعي فلا معنى للتفاخر والتباهي به.

وثالثاً: من علامات المخلص أيضاً هو أن يكون النصر والهزيمة بالنسبة إليه في مستوى واحد، فالمجاهد المخلص إذا تغلَّب على عدوه وانتصر عليه تحقق هدفه، وإذا هُزم في الظاهر فهو منتصر أيضاً ويجب أن يبقى مرفوع الراس عالي الجبين لأنّه قد أدى واجبه الشرعي، وأداء التكليف الشرعي بحد ذاته يعتبر من أعظم الانتصارات بالنسبة إلى الإنسان المؤمن.

وانطلاقاً من هذا الفهم نعرف أنّه لا معنى للهزيمة بالنسبة للمجاهدين في سبيل الله الذين يؤدون تكليفهم الشرعي في كلّ الأحوال.

ورابعاً: من علامات المخلص أيضاً أنّه لا يتأثر برفع درجته أو منصبه أو موقعه كما لا يتأثر بخفض ذلك، فإنّ هذه الأمور كلها بالنسبة إليه سيان، فهو لا يتباهى ولا يشعر بالتفاخر والتعالي ولا يسيء إلى موقعه إذا عُين في منصب أو موقع جديد بل يشعر بالمسؤولية وحجم الأمانة، كما أنّه إذا عُزل من منصبه أو عُيّن في موقع أقل درجة ورتبة ومنزلة، فإنّه لا يتغير حاله ولا يشعر باليأس والوهن بل يكون حاله كما روي عن أمير المؤمنين (ع): "ذو الشرف لا تبطره منزلة نالها وإن عظمت كالجبل الذي لا تزعزعه الرياح".►

 

المصدر:كتاب تزكية النفس

ارسال التعليق

Top