• ٢٩ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

التعايش في ظل المجتمع الإنساني

عمار كاظم

التعايش في ظل المجتمع الإنساني

المنهج القرآني في بناء الحياة والمجتمع، منهج إنساني ورسالته إنسانية جاءت لإنقاذ الإنسان، وليعيش الناس بأمن وآمان وسلام في هذا العالم، وفي ظل قيم أخلاقية وعقيدية حقّة مستقيمة، يقول تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ (الأنبياء/ 107).

نزل الوحي في عالم متنوٍّع العقائد والأفكار، وتعايش المسلمون مع غيرهم على أُسس إنسانية نبيلة.. المدينة المنوّرة في أوّل وصول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) إليها كان فيها المسلمون واليهود والمشركون، ولكي يبني الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) المجتمع الإنساني المُوحَّد بألوانه العقيدية، قام بكتابة وثيقة بمثابة دستور مدني للمدينة للتعايش بين المكونات –المسلمون، مهاجرون وأنصار، ومعهم اليهود- الذين أقرهم الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) على ديانتهم وتنظيم شؤونهم الدينية، فكانت وثيقة موادعة وتعايش سلمي بين مكونات المجتمع.

إنّ المجتمع بناء إنساني معقّد التركيب والتفاعل والحركة. تتكون مفرداته من الأفراد، والأُسر، والمؤسّسات، والعشائر، والقبائل وغيرها، وعندما يحكم نسيج العلاقات وتُبنى روابط القربى على أُسس قانونية ونفسية وأخلاقية سليمة، فإنّ المجتمع ينمو ويتطوّر وتقل مشاكله وأزماته، لاسيما النفسية والأمنية والاقتصادية.. إلخ. إنّ النسيج الاجتماعي يترابط أفراده ومؤسّساته من خلال علاقات إنسانية قانونية، وأخلاقية وعرفية.

إنّ أوسع علاقات المجتمع هي علاقات ذوي القربى والأرحام، فعندما يتواصل هؤلاء يتحقّق التقارب بينهم في السرَّاء والضَّرَاء، يشعر الفرد بأجواء نفسية وعاطفية متألقة، ويجد مَن يقف إلى جنبه في حالات المحنة ويشاركه في مسرّاته وأحزانه. إنّ هذا النمط من التواصل الاجتماعي هو الطريق إلى بناء مجتمع قوي متعاون متحاب متواصل. وفي كلّ موقع من مواقع التشريع والثقافة والأخلاق والعبادات نرى الإسلام يدعو إلى التواصل والتفاعل الاجتماعي، وعمل المعروف، ويدعو إلى تنمية العلاقات الاجتماعية. وتحثّ الدعوة الأخلاقية في الإسلام على التزاور بين الناس في الأفراح والأحزان والمناسبات، التزاور بين الجيران والأرحام والأصدقاء. إنّ التزاور والتواصل بين الأفراد والأُسر، بالإضافة إلى ما يحدثه من المودة والمحبة وإزالة ما في النفوس من التوتر والجفوة، فإنّه فرصة للاطّلاع على مشاكل الآخرين ومساعدتهم على حلها، وقضاء حوائجهم، وفي مجالس اللقاء تدور الأحاديث ويتم تبادل الأفكار، وكثيراً ما يحصل التقارب الفكري ويزال الغموض.

ولأهمية هذه الثقافة والممارسة الاجتماعية حثّ الإسلام عليها كما في توجيه الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وهَديه، ويروي أئمة أهل البيت (عليهم السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) العديد من الأحاديث والحث على التزاور. منها ما جاء عن الإمام الصادق (عليه السلام): «مَن زار أخاه في الله، قال الله عزّوجلّ: إياي زرت، وثوابك عليَّ، ولست أرضى لك ثواباً دون الجنّة».

بل وكان الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) يواظب على زيارة بيت عليّ وابنته فاطمة (عليهما السلام)، كما وكان يزور أصحابه ويشعرهم باهتمامه بهم، ولاسيما في حالات المرض والمصاب وبعض المناسبات.

كما ويؤسّس القرآن لعلاقات اجتماعية إنسانية وعاطفية، هي علاقة ذوي القربى من الأهل والأرحام والأقارب، وأعظمها العلاقة بالوالدين التي قرن الوحي بينها وبين حقّ الربوبية، قال تعالى: ﴿أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ﴾ (لقمان/ 14).

ارسال التعليق

Top