• ٣ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

كن مبتسماً.. فهذا من جمال الروح

السيد هادي المدرسي

كن مبتسماً.. فهذا من جمال الروح

◄الابتسامة تزيد الوجه الجميل إشراقاً، وتضفي على الوجه القميء مسحة من الجمال، وهي على بساطتها مفتاح الأبواب المغلقة، وتأثيرها أكثر من تيار يشق الطريق إلى نيل المآرب وبلوغ المطالب.

وفي هذا الشأن يقول رسول الله (ص): "إنكم لن تَسَعوا الناس بأموالكم، فالقوهم بطلاقة الوجه، وحُسن البِر"، فما يصعب عليك نيله بالوسائل المادية، قد يسهل عليك تحقيقه بالابتسامة.

فالابتسامة تحقق أمرين:

الأوّل: إنشراح صدر صاحب الابتسامة، وإن كان حزيناً في أعماقه.

الثاني: بعث السعادة في قلب من يبتسم له.

ثمّ إنّ الابتسامة لا تكلّف المرء شيئاً فهي تحرك ثلاثة عشر عضلة من عضلات الوجه، بينما العُبوس يستخدم خمسة وأربعين عضلة من عضلات العابس فهو يوتِّر هذا العدد من عضلاته ليصبح وجهه مقطّباً قبيحاً، وهذا يعني أنّ الابتسامة تريح الأعصاب بينما العبوسية ترهقها. ومع ذلك فهي تضرّ ولا تنفع، والابتسامة تنفع ولا تضرّ.

ومن الغريب أنّ للابتسامة إشعاعاً قوياً يدفع الآخرين إلى تقليدها، فالابتسامة لها "عدوى"، فإذا تعوّد أحدنا عليها فإنّه سيفرض على محدثيه أن يبتسموا له بمقدار ما يبتسم لهم.

ألا ترى، كيف أنّه حتى الطفل الرضيع يبتسم لك إذا ابتسمت له، ويتهلل وجهه إذا قابلته بسرور؟

حقاً إنّ الابتسامة هي حبالة المودّة، ومصيدة التاجر الناجح، ولذلك قال أهل الصين: "إنّ من لا يعرف كيف يبتسم لا ينبغي له أن يفتح متجراً".

وفي ذلك أيضاً قال الإمام عليّ (ع): "حُسن البشر، من علائم النجاح".

وقد حدث أنّ عمال أحد المحلات التجارية الكبيرة في باريس طالبوا المالكين برفع أجورهم فرفض أصحاب تلك المحلات زيادة رواتبهم، فعمد العمال إلى حيلة أبعدت الزبائن عن تلك المحلات، وذلك بأن عمدوا إلى تقطيب جباههم للزبائن، كرد فعل استنكاري على امتناع أصحاب العمل عن رفع الأجور، وقد أدى ذلك إلى إنخفاض دخل تلك المحلات في الأسبوع الأوّل بحوالي 60% عن متوسط دخلها في الأسابيع السابقة.

إنّ الناس يرغبون في شراء السلع من المحلات التي يحصلون فيها على الابتسامة، ولربما اعتبر بعضهم أنّ الابتسامة أهم من السلعة نفسها، فالمتبضع يختار البائع المحبوب قبل أن يختار السلعة المطلوبة، وعن ذلك يقول الإمام عليّ (ع): "وجهٌ مستبشر خيرٌ من قطوب متوتر".

ويقول (ع) أيضاً: "من بخل عليك بِبِشْره لم يسمح ببرّه".

فكيف تثق بتاجر يبخل بالابتسامة عليك، وهي لا تكلفه شيئاً. وتطمع في أن ينصفك في معاملته؟

يقول الإمام عليّ (ع): "البِشر إسداء الصنيعة بغير مؤونة"، أي إنّه عطاء بلا خسارة، وربح بلا تكلفة.

ومن جواهر كلامه (ع) أيضاً قوله: "البِشر مَبرّة، والعُبوس مَعرّة".

هذا وللابتسامة تأثيرها على قسمات وجه الإنسان، فهي تحافظ على نضارة شبابها، بينما العبوسية تورث إنكماش الجلد وظهور التجاعيد.

وكان اليابانيون يفضّلون الفتاة التي على وجهها إشراقة الابتسامة للزواج على أيّة فتاة أخرى.

والحقّ: إنّ لابتسامة المرء منظراً مونقاً، وخلقاً مشرقاً، فهو يؤنس الرفاق، ويدل على خِلّة الوفاق.

والابتسامة مطلوبة حتى في أكثر الظروف حراجةً، لأنّه تكون عوناً للمرء في رفع معنوياته واطمئنانه، ولهذا جاء في حديث الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) قوله: "بِشر المؤمن في وجهه، وحزنه في صدره...".

لقد صَرّح مدير أحد المخازن الكبرى بأنّه يفضل العامل البشوش الذي لم يحصل على شهادة الابتدائية، على خرّيج الجامعة الذي تعلو وجهه العبوسية والتجهم.

والحقّ إنّ الابتسامة هي نتاج التواضع، والشجاعة، فكلاهما تعتمد على الثقة بالنفس، والتفكير الهادئ، وهي ليست هبات تمنحها العناية الإلهية لعدد قليل من الموهوبين، وتحرم منها الآخرين، بل هي أشبه ما تكون بركوب الدراجة أو السباحة.. فكلّ شخص قادر على تنمية قدرته على ذلك مادامت لديه الرغبة فيه، ويتمتع بثقة عالية في نفسه.

لنتعلم من رسول الله (ص) الذي كان ضحوكاً بشوشاً، وكان جُلُّ ضحكه التبسم، يفتر عن مثل حبة الغمام، وكان يمازح أصحابه ويلاطفهم، ولكنه لا يقول إلّا حقاً.

وقد روي عن أنس بن مالك قال: رأيت رسول الله (ص) تبسّم حتى بدت نواجذه.

وروي عن أبي الدرداء: قال: كان رسول الله (ص) إذا حدّث بحديث تبسَّم في حديثه.

هكذا كان رسول الله (ص) فمن أراد أن ينجح فليتعلم منه، فقد كان (ص) أفضل الناس وأنجحهم.►

 

المصدر: كتاب كيف تستخدم طاقاتك/ سلسلة ثقافة الحياة (1)

ارسال التعليق

Top