◄الإنفاق من أعظم ما يهتمّ به الإسلام، وهو من إحدى ركائزه وأصوله، وقرين أهم العبادات وعدله في معظم آيات القرآن، وقد ذكر في مواضع مختلفة من القرآن الكريم، مؤكداً عليه بأساليب مختلفة، مرشداً الناس إلى ما يتضمّنه من المصالح والحِكَم، وتتجلّى أهمية هذا الأمر أنّه يمسّ الاجتماع الإنساني، ويرفع كثيراً من مشاكله وآلامه وحاجاته، ويؤلّف بين أفراده، ويوقع التضامن بينهم، ليكونوا كالبنيان المرصوص أمام عاديات الدّهر ونوازله، وهذا ما اهتم به الإسلام، فإنّ سعادة الفرد بسعادة النوع والاجتماع، وهما في نظره على حدٍّ سواء، فلا سعادة لأحدهما بدون سعادة الآخر.
والإنفاق بنفسه أمر فطري، فإنّ مدّ يد المساعدة إلى بني النوع من غرائز الإنسان، ولا يسع لأحد إنكاره، ولكن هذا الأمر الفطري إن أهمل وترك ولم يقترن بداع عقليّ أو شرعيّ خارجي، لزال وأصابه الفناء، أو قلّ داعويته كسائر الغرائز، فلا يمكن الاستفادة منه، ولذا نرى أنّ بعض المذاهب الاقتصادية تذهب إلى إنكار الصدقات وتشدّد النكير عليها، وتعتبرها من موجبات التخلّف والانهيار الاقتصادي والخلقي للمجتمعات، بينما نرى أنّ بعض المجتمعات لا تنكر الإنفاق والصّدقات، ولكن تعتبر الفقير عالة على المجتمع يجب التخلّص منه.
وأما سائر المذاهب الاقتصادية، فإنّ الأهمّ عندهم هو إزالة الفقر والتفاوت بين الأفراد من المجتمع، ووضعت نظريات متفاوتة في محو هذه الظاهرة أو الحدِّ منها، وقد أيّدت بعض السلطات الزمنية بعض هذه النظريات وحاولت تطبيقها على الحياة، ولكن جميعها لم تصل إلى الحل المنشود، بل تراجع كثير منها أمام المشاكل وما جلبتها من الشقاء والفساد، وهو ما نراه اليوم في كثير من المجتمعات.
ولكن، نظر الإسلام في الإنفاق يختلف عن جميع ما وضعه الإنسان في هذا المجال حتى اليوم، فهو ينظر إلى الإنفاق يختلف عن جميع ما وضعه الإنسان في هذا المجال حتى اليوم، فهو ينظر إلى الإنفاق من جوانب ثلاثة متكاملة، لا يصحّ النظر إلى جانب والإغماض عن بقية الجوانب، فهي وحدة متكاملة، باجتماعها يصل الإنسان إلى المطلوب، وإلا استلزم خلافه، وحرم من الغرض الذي يترتب على الإنفاق وهي:
الجانب الاقتصادي:
الإسلام إنّما يريد من الإنفاق والصدقات رفع الحوائج وإيجاد التكافل الاجتماعي. وتحقيق حياة نوعية متقاربة الأفراد متشابهة الأبعاض، وذلك برفع معيشة الفقراء الذين أعوزهم المال في رفع الحوائج وتقريبهم إلى الطبقة العالية أهل الغنى والثروة، وكبح جماح الأغنياء وعدم تمركز الثروة فيهم وفي أيِّ طبقة من طبقات المجتمع، قال تعالى: (مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأغْنِيَاءِ مِنْكُمْ) (الحشر/ 7)، وحرّم الإسراف والتبذير بالزينة بغير المعروف.
وبه ترتفع الحوائج، ويقلّ التفاوت إلا ما كتبه الله تعالى بحسب الاستعداد، وبذلك يتحد أفراد المجتمع أمام الحوادث وعوادي الدهر، فتحيي فيهم ناموس الوحدة والتعاون، ويرتفع التباغض والتنافر بين الأفراد، وقد أثبتت لنا هذه الحقيقة السيرة النبوية الشريفة على صاحبها آلاف التحية والثناء، ففي مدة زعامته (ص) للأُمّة سعى في إيجاد الوحدة الاجتماعية المتكافلة، وتحقيق الأهداف التي رسمها الإسلام في حياة الإنسان، ممّا جعل هذه البرهة من الزمان نوراً يسطو على جبين الدَّهر ومناراً يقتدى به (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ) (الأحزاب/ 21).
الجانب التربوي:
والإسلام ينظر في الإنفاق والصَّدقات إلى تربية الإنسان تربية واقعية حقيقية، تقوم على التعاطف والتراحم بين الأفراد، والتكافل بينهم، ونبذ التفرقة والتنافر، فأوجب الصِّلة بين الأفراد، وفتح أبواب الصّدقات والإنفاق، وحرَّم الأذية والمنّ والبخل، قال تعالى: (وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (التغابن/ 16)، وأكد على تحريم الرياء والنفاق، فإنّهما يهدمان كلَّ مروة في الإنسان، ويزيلان أثر كلِّ تربية ويجلبان كلَّ فساد، وقد عرفت كيف ضرب الله تعالى الأمثال لذلك في الآيات المتقدّمة، ممّا لا يدع مجالاً للشك.►
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق