• ٢١ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٩ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)

عمار كاظم

الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)

لقد كانت حياة الامام العسكري عليه السلام جهاداً متواصلاً لأداء رسالته، وعلى الرغم من اعتراف خلفاء عصره بفضله، فإنه ظل عرضة للتنكيل به، فقد كان هؤلاء الخلفاء يغتاظون كثيرا عندما يرون امتداد موقعه من خلال التقارير الواردة إليهم. ولهذا لم يجدوا بدا من سجن الامام عليه السلام لإبعاده عن أعين الناس وقلوبهم، ولذا تعرض خلال خلافة المعتز والمهتدي والمعتمد إلى السجن أكثر من مرة، وكانوا يوكلون به أشخاصا من ذوي الغلظة والعداء لأهل البيت عليهم السلام ولكن الامام عليه السلام يستفيد من موقعه في السجن ليدخل الايمان حتى إلى قلوب سجانيه وهم يرون زهده وعبادته وأخلاقه العالية وحسن تعامله معهم. وقد استطاع الامام عليه السلام من خلال أسلوبه ان يغير هؤلاء، وهذا ما أشار إليه أحد سجانيه وهو صالح بن وصيف الذي راح العباسيون يدعونه للتضييق عليه، فكان يقول: ما أصنع برجل قد وكلت به رجلين من شر رجالي فصارا من العبادة والصلاة إلى أمر عظيم. وحينما حل في سجن لعلي بن أوتامش وكان شديد العداء لأهل البيت عليهم السلام تحول إلى أن صار من أشد محبيهم، وبقي الامام عليه السلام يتابع دوره الرسالي غير آبه بكل هذه الضغوط، وكان يراها ضريبة الرسالة التي عليه أن يؤديها، من هنا نرى في ذلك درسا يعلمنا ألا نسقط تحت الضغوط، وان نستفيد من كل موقع نوجد فيه. في فترة إمامته القصيرة كان على الامام عليه السلام أن يؤدي دورين في غاية الأهمية، التحضير لولادة الامام المهدي عجل الله فرجه وأن تتم هذه الولادة بسرية تامة، والمهمة الأخرى العمل على تهيئة القاعدة لهذا الامام من خلال الخلص من أصحابه والتمهيد للغيبة الكبرى.

وأدّى الأمانة: وهذا ما استطاع ان ينجح فيه ويحققه بحيث ولد الامام المهدي عجل الله فرجه بسرية تامة وراح الامام العسكري عليه السلام يهيئ أذهان الناس والقاعدة كي يتقبلوا فكرة غيبة إمام عصرهم، وتعويدهم الالتزام بها، فاتبع أسلوب السرية في الاتصال بشيعته والابتعاد عن الظهور، وتعرض بيت الامام عليه السلام في هذه المرحلة إلى المداهمات لمعرفة الحوامل من نسائه، ويسر الله أمر إخفاء الولادة، وبدأ الناس يتكيفون نفسيا مع فكرة الغيبة، وتمرير الاتصال بهم بواسطة الوكلاء الذين كانوا يتنكرون بثياب الباعة. وبذلك كانت الاقامة الجبرية من العوامل المساعدة التي أعانت الامام العسكري عليه السلام على إتمام هذه المرحلة قبل أن يقدم المعتمد على دس السم له وينهي حياة قصيرة كانت الجسر الذي مهد لوصول رحلة الأئمة وجهادهم إلى خواتيمها، وتسليم الأمانة إلى إمامنا المهدي المنتظر عجل الله فرجه. إن ما تركه لنا الامام العسكري عليه السلام إرث غني من المواقف والدروس في الجهاد والتضحية وأخلاق التعبد لله تعالى.

ارسال التعليق

Top