• ٢١ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٩ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

المنطق والعقل والحماسة في النهضة الحسينية

عمار كاظم

المنطق والعقل والحماسة في النهضة الحسينية

إنّ لنهضة الإمام الحسين (ع) ثلاثة عناصر هي: المنطق والعقل، والحماسة المشفوعة بالعزة، والعواطف. إنّ عنصر المنطق والعقل في هذه النهضة يتجلّى من خلال كلمات ذلك العظيم. فكلّ فقرة من كلماته النيّرة التي نطق بها (ع)، قبل نهضته عندما كان في المدينة وإلى يوم شهادته، تُعرب عن منطق متين، خلاصته: إنّه عندما تتوفر الشروط المناسبة يتوجّب على المسلم تحمّل المسؤولية، سواء أدّى ذلك إلى مخاطر جسيمة أم لا. وإنّ أعظم المخاطر تتمثل في تقديم الإنسان نفسه وأعزاءه وأهل بيته إلى أرض المعركة وفي معرض السبي قربة لله. إنّ مواقف عاشوراء هذه أصبحت أمراً طبيعياً عندنا لكثرة تكرارها، مع أنّ كلّ موقف من هذه المواقف يهزّ الأعماق. بناءً على ذلك، عندما تتوفر الشروط المتناسبة مع هذه المخاطر، فعلى الإنسان أن يؤدي واجبه، وأن لا يمنعه عن إكمال مسيرته التعلقُ بالدنيا والمجاملات وطلب الملذات والخلود إلى الراحة، بل عليه أن يتحرّك لأداء الواجب. ولو تقاعس عن الحركة، لنتج عن ذلك تزلزلٌ في أركان إيمانه وإسلامه، "قال رسول الله (ص): من رأى سلطاناً جائراً مستحلاً لحرم الله ولم يغيّر عليه بفعل ولا قول كان حقاً على الله أن يُدخله مُدخله".

هذا هو المنطق، فلو أنّ أصل الدِّين تعرض إلى خطر ولم يُغيّر ذلك بقول أو فعل، كان حقاً على الله أن يبتلي الإنسان اللاأبالي والغير ملتزم بما يُبتلى به العدو المستكبر والظالم. لقد بيّن الإمام الحسين (ع) هذه المسؤولية من خلال كلماته المختلفة في مكة المكرمة والمدينة المنورة وفي أماكن كثيرة خلال مسيره، وبيّن ذلك في وصيته إلى أخيه محمّد بن الحنفية. كان الإمام الحسين (ع) على علم بعاقبة هذا الأمر، وينبغي أن لا يُتصور أنّ الإمام (ع) علّق آماله على نيل السلطة وتحرك من أجلها، وإن كانت هذه السلطة من الأهداف المقدسة، كلا، فليس هناك ما يستوجب علينا أن نعتقد بذلك؛ لأنّ عاقبة هذا الطريق متوقعة وواضحة طبق الحسابات الدقيقة للإمام الحسين (ع) والرؤية الإمامية، إلّا أنّ أهمية المسألة تتأتى من هذا الجانب، وهو أنّ ما قدّمه الحسين على عظمته وسموّ مكانه من تضحية كبرى يعتبر درساً عملياً بالنسبة للمسلمين إلى يوم القيامة، وليس درساً نظرياً يُكتب على لوحة الكتابة ثمّ يُمحى، كلا، فقد خُطَّ هذا النهج بأمر إلهي على صفحات جبين التأريخ، وأدى ثماره إلى يومنا هذا. بناءً على ذلك، لا ينحصر تفسير نهضة الإمام الحسين (ع) بالجانب العاطفي، فهذا الجانب غير قادر على تفسير جوانب الواقعة لوحده.

العنصر الثاني: الحماسة؛ أي أنّ العملية الجهادية الملقاة على عاتقنا، يجب أن تقترن بالعزة الإسلامية؛ لأنّ؛ (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) (المنافقون/ 8)، وعلى المسلمين أن يحافظوا على عزتهم وعزّة الإسلام، ولابدّ يتحلّى الإنسان المسلم بسمات الشموخ والعزة في أشد الأزمات. لو أننا نظرنا إلى الصراعات السياسية والعسكرية المختلفة في تأريخنا المعاصر، سوف نجد حتى أولئك الذين كانوا يحملون السلاح ويخوضون الحروب، يُعرِّضون أنفسهم أحياناً إلى مواقف الذلّة، إلّا أنّ هذه المسألة ليس لها وجود في فلسفة عاشوراء، فعندما يطلب الإمام الحسين (ع) أن يمهلوه ليلة واحدة، يطلبها من موقع العزّة، وحينما يقول: "هل من ناصرٍ ينصرنا" فإنّه يطلب النصرة من موقع العزّة والاقتدار، وعندما تلتقي به الشخصيات المختلفة في الطريق بين المدينة والكوفة، ويتكلّم معهم ويطلب النصرة من بعضهم، لم يكن ذلك من موقع الضعف وعدم القدرة. وهذا أحد العناصر البارزة في نهضة عاشوراء.

العنصر الثالث: العاطفة؛ أي أنّه قد أصبح للعاطفة دور مميّز في واقعة كربلاء وفي استمرارها، ممّا أدّى إلى تميّز النهضة الحسينية عن النهضات الأخرى، فواقعة كربلاء ليست قضية عقلية جافة ومقتصرة على الاستدلال المنطقي، بل قضية اتّحد فيها الحب والعاطفة والشفقة والبكاء. إنّ الجانب العاطفي جانب مهم؛ ولهذا أُمرنا بالبكاء والتباكي واستعراض مشاهد المأساة. لقد كانت زينب الكبرى (ع) تخطب في الكوفة والشام بقوّة وشجاعة، إلّا أنّها في نفس الوقت تقيم مآتم العزاء، وقد كان الإمام زين العابدين (ع) بقوته وصلابته ينزل الصواعق على رؤوس بني أُميّة عندما يصعد المنبر، إلّا أنّه كان يعقد مجالس العزاء في الوقت نفسه.

إنّ مجالس العزاء مستمرة إلى يومنا هذا، ولابدّ أن تستمر إلى الأبد لأجل استقطاب العواطف، فمن خلال أجواء العاطفة والمحبة والشفقة يمكن أن تُفهم كثير من الحقائق، التي يصعب فهمها خارج نطاق هذه الأجواء.

وهكذا، كانت نهضة الإمام لحسين ذات ثلاث عناصر هي العقلانية: ويقصد بهذا العنصر أنّ هذه النهضة تقوم على أساس دعوة القرآن والسنّة لتحمّل الإنسان مسؤوليته مهما بلغت التضحيات وكان الإمام يرى بعقلانية أنّ الظروف تستدعي أن ينهض بمسؤوليته باعتباره إنساناً.. ومسلماً.. وإماماً. والحماسة: وهي اقتران الحركة الجهاديّة بالعزّة. مواقف الحسين مفعمة بالعزّة في أشدّ ما واجهه من ظروف، فلم يتراجع عن موقفه قيد أنملة رغم كلّ ما واجهة من قسوة الظالمين. وأخيراً، العاطفة: أي إنّ نهضة الحسين دخلت في الوجدان الشعبي وامتزجت حوادثها بعواطف الأُمّة فاقترنت بذرف الدموع وإقامة مجالس العزاء فكان ذلك من أسباب خلودها على مرّ الأجيال.

ارسال التعليق

Top