• ٢١ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٩ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

السلوك المضطرب لدى المراهقين.. كيف نقتلعه؟

وائل المصطفى*

السلوك المضطرب لدى المراهقين.. كيف نقتلعه؟

◄مظاهره كثيرة أبرزها: الخوف.. الشك.. الغضب.. البرود.. التمرد والخجل

المراهقون كغيرهم عُرضة للإصابة بأمراض النفس والسلوك المضطرب، وغالباً ما تكون هذه الظاهرة ناتجة عن بعض الانفعالات التي يتعرض لها الفرد من خلال تفاعلاته مع متطلبات ذاته، ومتطلبات محيطه الأسريّ والاجتماعي، وبيئته التي تحيط به كإنسان، أو ناتجة عن خلل ما يعود إلى عملية التربية والتنشئة الاجتماعية وما يتخللها من علاقات إنسانية غير سوية. في البداية يمكن أن نعرف ظاهرة السلوك المضطرب "اللاتوافقي" على أنها مجموعة تلك الاضطرابات السيكولوجية "العقلية، النفسية، السلوكية" المنبثقة عن الشخصية الإنسانية المضطربة، والتي غالباً ما تؤثر على نمط الشخصية، أو سماتها، أو تؤدي إلى اضطرابات في السلوك الاجتماعي للفرد، وإلى شيء من عدم التكيف والتوافق مع النفس أو المهنة، أو الأسرة، أو المجتمع، ولربما مع البيئة المحيطة بالفرد، وهو ما يُعرف أيضاً في الطب النفسي وعلم السلوك باضطراب الشخصية، والذي غالباً ما تكون أبعاده: اضطراب العاطفة والانفعال، واضطراب الإدراك البدني، واضطرابات التخيل، وكل من اضطرابات التفكير، واضطرابات الإحساس.   أسباب الاضطراب: وبالنسبة لأسباب السلوك المضطرب نجد أنّ الإفراط والتفريط يؤديان إلى تثبط الشخصية الإنسانية وارتكاسها، ويعززان في نفسية الطفل الشعور بعدم القدرة على الصمود عند مواجهة التحديات من مرحلة إلى مرحلة من مراحل نموه، وتطور شخصيته، بل قد يوحي إليه في كثير من المواقف بأنّه غير مرغوب فيه، وأنّه مهمل "خاصة في حالة التفريط" مما قد يتسبب له في الإصابة بمرض جنون الاضطهاد في المراحل اللاحقة من حياته، وبالتحديد عند مرحلة المراهقة، هذا المرض له مضاعفاته وانعكاساته الخطيرة في حياة الإنسان عند الكبر، خاصة إذا شاءت الأقدار وتمكن من سلطة وقوة ما، فهو غالباً ما يؤول إلى بروز ظاهرة جنون العظمة، التي غالباً ما يقوم المصابون بها بالإقدام على الإنتقام ممن يحيطون بهم من الناس الأبرياء، سواء كانوا أقرباء أو غرباء، أقوياء أو ضعفاء، وغالباً ما يٌُدمون – بعد فعلهم هذا – على الانتحار. وثمة سبب آخر يكمن وراء ظاهرة السلوك المضطرب، ألا وهو طبيعة العلاقة الأسرية تجاه طفلهما الربيب، وما يحيط به من أناس وأشياء، فوضعية الأبوين وموقفهما من الطفل، وطريقتهما في التعامل معه من حيث الترهيب والترغيب، والثواب والعقاب خاصة في سن ما قبل المدرسة وأثناء المدرسة، ومدى تفاعلهما معه لتلبية حاجاته ولوازمه المدرسية من ملابس ولوازم قرطاسية ومصروف جيب يومي، وطبيعة إرشاده وتوجيهه في هذه المرحلة الجديدة، وهذا الوضع الجديد، فضلاً عن وجهة نظرهما إلى التربية والتعليم والمدرسة والمردسين، والطلبة، والناس المحيطين، كل هذا يؤدي دوره الكبير أيضاً في بناء وتشكيل شخصية الابن، وتشكيل حسه وعقله وتصوره ومعتقده، بل مشاعره وعواطفه، فإذا كانت طبيعة العلاقة الأبوية تجاه الطفل وما يحيط به إيجابية مبنية على بعد نظر وأفق عميق، وعلى تصور إيجابي للناس والأشياء، عندئذ يتوقع من حياة الطفل "خاصة عند مرحلة المراهقة"، أما إذا كانت طبيعة العلاقة مبنية على تصور سلبي للأمور ويسودها جو من عدم الاكتراث وروح اللامبالاة والحساسية الزائدة، فلا شك في أنّ الأمور ستؤول إلى ما لا تُحمد عقباه، وتكون النتائج سلبية تنطبع على شخصية الطفل أوّلاً بأوّل من حيث لا يعي ولا يدرك الآباء. ومن أسباب السلوك المضطرب كذلك البيئة الاجتماعية والمحيط الاجتماعي، فوضعية المحيط الفكرية، والعقدية، والاقتصادية، والسياسية، والاجتماعية، والأخلاقية، وما إلى ذلك لها دور كبير وبليغ في التأثير على عقلية ونفسية الفرد الذي يعيشها، وبالتالي، لها أثرها الكبير على سلوكه ومعالم شخصيته، فالجهل والكفر، والفقر والعهر، والكبت والحرمان.. كل ذلك يترك أثره على الإنسان، ويسبب له الفوضى والاضطراب، ويفتح أمامه سبل الانحراف، كما أن أي سلوك اجتماعي أو خلقي يراه الطفل ممن هم حوله قد يؤثر فيه ولو بعد حين، فظاهرة الشقاق والنفاق، والعنف والعراك في داخل البيت أو خارجه لها أثرها، وظاهرة شرب الخمر من قِبَل الوالد أو من يقوم مقامه لها اثرها، وهكذا بالنسبة للسلوكيات الأخرى سواء كانت من قِبَل الآباء أو الإخوة الكبار أو حتى الزملاء في المدرسة وفريق اللعب في الحي أو غيرهما، فكل هذا يترك أثره على الفرد سلباً، ويجعل منه إنساناً هروبياً انطوائياً، أو هجومياً عدوانياً، لا همّ له إلا الإطاحة بكل من هم حوله، والإطاحة بكل نظام تسير عليه حياة الأسرة والمجتمع، فالبيئة والمحيط يؤثران تأثيراً شديداً في صياغة عقلية الإنسان ونفسيته ومعالم شخصيته، كما يؤثر الماء الجاري في الصخور فينحتها نحتاً، ويحيلها إلى أشكال ذات أبعاد وزوايا، وكما يقولون: "لا حظّ ولا كمال لمن كانت بيئته وكان محيطه بيئة ومحيط النواقص". وصدق الشاعر القائل: وهل يُرجى لأطفال كمالٌ *** إذا أرتضعوا ثُديَّ الناقصات؟ وبعد استعراض أسباب السلوك المضطرب نجد أن أهم مظاهره يبتدى في: -        الخوف والقلق الشديدين: إذ يظهر على المراهق الهلع والفزع، وكثيراً ما يكون مشدود الذهن متوتر الأعصاب، ودائماً تراه متوجساً من الأمور خيفة حتى ولو كانت بسيطة!. -        الغيرة والشكّ: وهنا غالباً ما يظهر على المراهق كثرة الحساسية من الأشياء والناس والمحيط، فهو كثيراً ما لا يثق بأحد من الناس ممن هم حوله، حتى وإن كانوا أصدقاء له أو أخوة أو غير ذلك. -        ثورات الغضب وحدة الانفعال: حيث الغضب الشديد لمجرد أتفه الأسباب، واللجوء إلى العنف والضرب، والشتم والفحش في الكلام، هذا عدا اللجوء إلى الاعتداء على الأشياء والأشخاص وممتلكاتهم، ناهيك عن كثرة التبرم من الطعام والشراب، وتغيير الملابس. -        التمرد والعصيان: حيث شيوع ظاهرة عدم الإذعان لمتطلبات النظافة والنظام، وكثرة المشاجرات والمعاركات مع أفراد الأسرة أو الحي وزملاء المدرسة، وكثرة الهروب من البيت، والتغيب عن المدرسة والدروس اليومية، والإحجام عن القيام بالواجبات اليومية المختلفة، ومخالفة الأعراف والعادات والتقاليد وتعاليم الإسلام. -        الخجل والبرود العاطفي: إذ يغلب على صاحب هذه السمة كثرة الانسحاب من وجه الآخرين، والشعور بالخجل والإثم والعار في بعض الأحيان، كما أنّه يمتاز بالهدوء والركود وفتور الهمة. -        الجنوح والقسوة: غالباً ما يتمثل هذا العرض من خلال اللجوء إلى بعض الممارسات المناهضة للأسرة والمجتمع، كالكذب، والعناد والمشاكسة، والاعتداء على الآخرين وإيذائهم، وخرق النظام والقانون، والعنف والهياج، وربما اللجوء إلى القتل والضرب والإفساد عن غير وعي، وكثيراً ما يهدد المصابون بهذا العرض المرضي المنحرف أمن الناس وحياتهم، وغالباً ما تظهر عليهم نزعة الهروب من البيت والمدرسة والعمل والمسؤولية، وكثيراً ما يظهر عليهم التعصب والقلق وروح اللامبالاة، والتجول في الشوارع والطرقات، والميل إلى المخدرات، والخمور، والانحرافات الجنسية وما إلى ذلك، وتعرف هذه الظاهرة في علم النفس المرضي وعلم نفس الشواذ بالسيكوباتية أو السلوك اللااجتماعي السيكوباتي.   العلاج: ننصح الآباء والمربين بالعمل الجاد المثمر، القائم على ركيزتي الوعي والإدراك لحاجات الأبناء وغرائزهم، خاصة عند الإقدام على إشباع حاجات أولادهم العضوية والمعرفية والنفسية، وما ينبثق عنها من دوافع وميول ورغبات، ثمّ العمل على تربيتهم وتنشئتهم، وضبط حاجاتهم وغرائزهم ودوافعهم وميولهم ورغباتهم حسب تعاليم الإسلام المنبثقة عن وجهة نظره عن الكون والإنسان والحياة، وما قبلهما وما بعدهما، وكل ما له علاقة بالفكر والتصور والمعتقد والسلوك. ولابدّ من الانتباه إلى عامل البيئة، وكل من المحيط الأسري والاجتماعي، فكما أخبرنا رسول الله (ص) أنّ الطفل يولد سليم السريرة، سليم الفطرة، ولكنه بفعل عوامل البيئة والمحيط يقع منه الاضطراب والانحراف، خاصة إذا كانت تلك البيئة وذلك المحيط الأسري أو الاجتماعي بيئة فوضى واضطراب، ومحيطاً يعج بعناصر الانحطاط والانحراف. كما يجب أن نحرص على أن تكون طبيعة العلاقة بين الآباء "أو من يقوم مقامهم من مربين" والأبناء قائمة على الود والحب، والعطف والحنان، والاطمئنان والأمان، والعدل والإنصاف، ولابدّ من الابتعاد عن مواطن القسوة والحرمان، والتعنيف والتخويف، أو التمييز بين الأبناء سواء أكانوا ذكوراً أو إناثاً، كباراً أو صغاراً. هذا وعلى الآباء ومن هم في مكانتهم من المربين أن ينتهجوا منهجية الإسلام أسلوباً وطريقة وعملاً عند الإقدام على تحديد ورسم معالم طبيعة العلاقة مع الأبناء ومن هم في مكانتهم من المتربين، فالإسلام – ولا شكّ – صاحب نظرية خاصة ومتميزة في التربية، ومن أهم معالم تلك النظرية: الشمول والموازنة، التميز، المفاصلة، البدء بالأهم لا بالأسهل، البدء بالمبادئ قبل الجزئيات، العمل على إخراج الإنسان المصلح الصالح، والاهتمام بتربية الروح، والعقل، والجسم. ومن أهم وسائله في ذلك: التربية بالقدوة، والتربية بالأحداث، والتربية بالعبادة، والتربية بإحياء الضمير، والتربية بالموعظة، والتربية بالترغيب والترهيب، والتربية بالعقوبة "عندما يستوجب الأمر". وهنالك وسائل أخرى حث عليها الإسلام، كالتربية بالقصة، والتربية بالعادة، والتربية من خلال تفريغ الطاقة، وملء الفراغ، وما إلى ذلك، وهناك التربية بالملاحظة بمختلف جوانبها "حيث ملاحظة الجانب الإيماني، والجانب الأخلاقي، والعلمي، والجانب الجسمي والنفسي، والاجتماعي، وملاحظة الجانب الروحي". ويمكن التربية من خلال ضرب الأمثال، والتوجيه والنصح والإرشاد، والناظر في هدي النبيّ الكريم (ص) يهتدي إلى كيفية إعمال هذه الوسائل أسلوباً وطريقة وعملاً، لما فيه خير أولادنا وأبنائنا في مختلف مراحلهم الزمنية.►   *جامعة علي كره الإسلامية – الهند   المصدر: مجلة المجتمع العدد 1371-3

ارسال التعليق

Top