يُعتبر إصلاح المجتمع من خلال فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو اختصار لرسالة الأنبياء (عليهم السلام) التي أرسلهم الله تعالى بها، وهو غاية ما تحمّلوه من عذاب وجهاد في مواجهة الطواغيت وإرشاد العباد حتى يصلوا إلى تحقيق المجتمع الصالح. عديدةٌ هي الآيات القرآنية في حديثها عن الأُمّة التي أرادها الله تعالى خير أُمّةٍ تسعى للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ورفع الظلم والغبن عن الواقع، وتفعيل العلاقات بين الناس والشعوب، انسجاماً مع إرادة الله تعالى في بثّ الخير والبرّ والفضيلة. ومن بين هذه الآيات الكريمة: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ) (آل عمران/ 110)، وفي موضعٍ آخر يقول عزّوجلّ: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً) (البقرة/ 143). وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «لا تزال أُمّتي بخير ما أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر وتعاونوا على البرّ، فإذا لم يفعلوا ذلك نزعت منهم البركات، وسلّط بعضهم على بعض، ولم يكن لهم ناصر في الأرض ولا في السماء». وعن الإمام الرضا (عليه السلام) قال: «كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: إذا أُمّتي تواكلت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فليأذنوا بوقاع من الله». إذاً الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو عنوان حضور أُمّة الخير، والفعل الصالح روح وجودها وأصالتها، وصولاً إلى تأكيد الإيمان الفعلي المتجذّر في الحياة. والأمر بالمعروف تتّسع دائرته لتشمل كلّ الأوضاع والعلاقات بين الأفراد والجماعات على المستوى الخاصّ والعامّ.
إنّ قضية الإصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتغيير الواقع الفاسد والظالم، كانت في صلب ثورة كربلاء وسيرة الإمام الحسين (عليه السلام). إنّ كثيراً ممّا نعانيه من فسادٍ وظلمٍ وانعدامٍ للبركات والخيرات، يعود إلى تركنا هذه المسؤولية وتغاضينا عنها، حتى إنّنا بتنا نمرّ على المنكر وكأنّنا لم نرَ شيئاً، وحتى دون الاستنكار القلبي. مع أنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإصلاح الواقع ليس خياراً، بل هو واجب، تماماً كما هي الصلاة والصوم والحجّ، بل هو من أوجب الواجبات، لأنّ به تُقام الفرائض، وتأمن المذاهب، وتحلّ المكاسب، وتعمر الأرض، وينتصف من الأعداء، ويستقيم الأمر، كما ورد في الحديث: «مَن رأى منكم منكراً فلينكره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان». فالله سبحانه لا يريد الإنسان الضعيف، حيث الحديث: «إنّ الله ليبغض المؤمن الضعيف الذي لا دينَ له، الذي لا ينهى عن المنكر ويترك المعروف».
إنّ من آثار القيام بفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قوّة خطّ الإيمان في المجتمع ونصرة المؤمنين بالتوازي مع إضعاف جبهة النفاق والمنافقين. بما يؤدِّيه من وظيفة تتوحد فيها طاقات أبناء الأُمّة وتذوب معها الأنانيات، وهذا يعطي قوّة لمجتمع المؤمنين وللنظام الإسلامي. فعن تقوية جبهة الإيمان ورد عن الإمام عليّ (عليه السلام): «فمن أمر بالمعروف شدَّ ظهور المؤمنين». وعن تأثير النهي عن المنكر في هزيمة وإضعاف وإحباط عمل وخطط المنافقين ورد عنه (علیه السلام): «مَن نهى عن المنكر أرغم أنوف المنافقين». فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يعملان على تحرّر الأفراد وكذلك المجتمع الإسلامي من عبودية الأهواء إلى فضاء حرّية الإرادة. عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «مَن أمر بالمعروف شدَّ ظهور المؤمنين»، وبالتالي فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يعملان على تقوية وتثبيت البُنى التحتية للأفراد، والمجتمع فهما يعتبران عملية صيانة وحماية للجبهة الداخلية للأُمّة والفرد. وعليه ففرضية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مؤشر حياة الأفراد والأُمم ودورها تحويل الأفراد والمجتمع من محل لفعل الآخرين إلى فاعلين وبالتالي إحياؤهم. عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «مَن ترك إنكار المنكر بقلبه ويده ولسانه فهو ميت بين الأحياء». فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يشكّلان عاملاً أساسياً في الحفاظ على شخصية الأُمّة وتماسك هذه الشخصية وقوّتها ومؤثريتها وفاعليتها.
إنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يشكّلان فقط عاملاً في الحفاظ على شخصية الأُمّة، بل يشكّلان إضافة إلى ذلك العنصر الأساسي في وحدة المجتمع والأُمّة الإسلامية. فوحدة الخلفية الثقافية والفكرية والعقائدية تشكّل أساساً ومِدماكاً حوله يبتني الاجتماع بين أبناء الأُمّة. هذا من جهة، ومن جهة ثانية فهي رابط وثيق يصعب حلّ عراه لتفكيك هذا البنيان، قال تعالى: (فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا) (البقرة/ 256)، فهذه الفريضة تعمل على تمكين هذا الإيمان في النفوس. وللأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دور في الحفاظ على تماسك هذا البنيان، ولأنّ الوحدة تحتاج إلى أكثر من وحدة الخلفية الثقافية والعقائدية بل تحتاج إلى تعزيز الروابط الإنسانية، وقد أشار تعالى إلى هذا الأمر بالقول: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) (التوبة/ 71).
فالآية إشارة إلى نوع العلاقة التي تشدّ أواصر مجتمع المؤمنين وأسماها الولاية (بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ) ثمّ أشار إلى الخلفيات التي تشكّل عناصر بناء هذا اللون من العلاقة بأمرين: أحدهما الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والثاني الإيمان.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق