الحج.. هو دعوة من الله إلى عباده مستمرة استمرار الحياة، ليشهدوا منافع لهم في كلّ مواقع المنفعة التي تبني للإنسان شيئاً بعدياً عن الجانب الحيّ في حركة حياته، فيما يركز لها أساسها المتين على قاعدة الإيمان المبني على المنفعة المنفتحة على مواقع الدنيا والآخرة.
إذا كان الحج حركة في سبيل الوصول إلى تفاعل الحضور الإنساني مع الحضور الإلهي، فلا بد من أن يكون حركة في تكوين المجتمع الموحد القائم على الاستقامة في الحق والميل عن الباطل، وذلك بالإلتزام بالتوحيد الخالص الذي يرفض الشرك من موقع صفاء التصور والفكر والشعور ومن موقع حركة الحق في داخل الذات.
والحج من العبادات الإسلامية التي أرادها الله للناس، لتحقق لهم من خلالها النظرة الشاملة لقضية الإنسان في الحياة. فقد جعله الله فريضة على كلّ من استطاع إليه سبيلاً، واعتبر تركها خروجاً على عمق الإلتزام الإسلامي، حتى جعل التارك لها في حكم الخارج عن الإسلام..
وقد تعبّد الله بالحج عباده منذ النبيّ إبراهيم (ع)، وجاء الإسلام فأضاف إليه شروطاً وأحكاماً، وحدد له أهدافاً ورسم له خطوطاً، من أجل أن يحقق للإسلام الدور الكبير في الحياة في فاعلية وامتداد، فلم يقتصر فيه على جانب واحد من جوانب التربية، بل استوعب المعاني التي تنطلق في العبادات الأخرى.
وهكذا يمكن أن يساهم الحج، في إيحاءاته ورموزه وأجوائه الروحية، في تنمية الشخصية الإنسانية من الجانب التأملي والعملي والروحي، فيما إذا عاش الإنسان هذه الفريضة من موقع الوعي المسؤول وبذلك لا يبقى الحج مجرد عبادة يهرب فيها الإنسان من الواقع ليغيب في مشاعره الذاتية في جو مشبع بالضباب، كما يحاول البعض أن يصور العبادة. وفي هذه الأجواء الروحية الواعية المتحركة في خط المسؤولية يمكن أن يعود الإنسان الفرد من رحلة الحج، إنساناً جديداً في أهدافه ومنطلقاته وخطواته، من خلال ما عاشه من دروس وعبر ومواقف وتأملات، حيث الطهر والخير والمحبة والحنان.
وإذا كان الحج من حيث هو عبادة ذات مضمون عملي وروحي، يحقق للإنسان هذا الارتفاع الروحي، فإنه يساعد على تغيير الواقع من خلال تغييره للإنسان انطلاقاً من الوحي القرآني الذي يعتبر الإنسان أساس التغيير، قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِم) (الرعد/ 11). وبذلك تدخل العبادة في عمق حركة الحياة، ولا تبقى حالة طارئة طافية على السطح، وبناءً على ذلك وعلى هدى تعاليم الإسلام، فإنه يمكن للعاملين للإسلام في أساليبهم التربوية أن يشجعوا الناس على ممارسة هذه الفريضة لتحقيق هذا المستوى من التغيير الداخلي لحركة الحياة، فإن ما يختزنه الفرد من الطاقات الروحية الجديدة في أجواء الحج هو أعظم من كثير من الأساليب الخطابية التي اعتاد الناس ممارستها في عملية التربية.
ويوجد الكثيرين الذين كانوا لا يعيشون المشاعر الروحية في منطلقاتهم، في الوقت الذين كانوا يمارسون فيه الالتزام الإسلامي في بعض مبادىء الإسلام وأحكامه، قد تغيروا كثيراً بعد قيامهم بهذه الفريضة بطريقة واعية استطاعت أن تغير مجرى تفكيرهم وشعورهم، وتحولوا إلى عناصر فاعلة واعية في حركة الإسلام في الدعوة والعمل.
لذلك، علينا العمل على تحويل موسم الحج إلى موسم إسلامي كما أراده الله، ليكون مجمعاً للمسلمين يلتقي فيه المفكرون في حوار إسلامي سليم، ليصلوا إلى القناعات المشتركة أو المتقاربة أو ليفهموا وجهة نظر كلّ منهم، ليعرفوا ارتكاز الجميع على أسس فكرية إسلامية فيما يتوصل إليه المجتهدون والمفكرون، ويعملوا على أساس الوصول في نهاية المطاف بالصبر والفكر إلى الوحدة في الفكر والأسلوب.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق