أسرة
1- الإحسان إلى الحياة في القرآن الكريم:
أ) أن تجعلها حياةً طيِّبةً، كريمةً، نافعةً:
قال تعالى: (مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِن ذَكَرٍ أو أُنثَى وهوَ مؤمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً) (النحل/ 97).
ب) أن تتنافس فيها بأحسن الأعمال وأصلحها وأثراها:
قال سبحانه: (إنّا جَعَلنا ما على الأرضِ زِينَةً لَها لِنَبلُوَهُم أيّهُم أحسَنُ عَمَلاً) (الكهف/ 7).
ت) أن تعلم باطنَ هذه الحياة وأسرارها ومعانيها وأهدافها، ولا تقف عند سطحها الظاهري:
قال عزّوجل: (يَعلَمُونَ ظاهراً مِنَ الحَياةِ الدُّنيا وهُم عَنِ الآخِرَةِ هُم غافِلون) (الرُّوم/ 7).
ث) أن تدعو الله تعالى أن يؤتيك فيها حسنة:
قال جلّ جلاله: (ومِنهُم مَنْ يَقولُ رَبَّنا آتِنا في الدُّنيا حَسَنَةً وفي الآخِرَةِ حَسَنَةً وقِنا عَذَابَ النّارِ) (البقرة/ 201).
في الدنيا حسنة: السِّعة في الرِّزق والمعاش، وحُسن الخُلق، وجميع المواهب المادية والمعنوية.
ج) أن تتأمّل فيها، لتعرف بداياتها ونهاياتها، وأن تستفيد من تجارب مَنْ عاشوا قبلك وأن تتعظ ممّا جرى لهم، وأن تتفكّر في حياة مَنْ أغنوا الحياة بعطائهم وعمّروها بالإيمان والطاعة والخير والبركة:
قال عزّوجل: (قُلْ سِيرُوا في الأرضِ فَانظُرُوا كَيفَ بَدَأَ الخَلقَ ثُمّ الله يُنشِئُ النشأَةَ الآخِرَةَ إنّ اللهَ على كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ) (العنكبوت/ 20).
ح) أن تدرس حياة الذين آثروا الحياة الدنيا، واتخذوها دار لهو واستمتاع وغفلة وانصراف وتضييع لرأسمالها:
قال سبحانه: (بَلْ تُؤثِرُونَ الحَياةَ الدُّنيا * والآخِرَةُ خَيرٌ وأبقَى) (الأعلى/ 16-17).
2- الإحسان إلى (الحياة) في الأحاديث والروايات:
تنويه: قبل الإشارة إلى ما ورد في الأحاديث والروايات، دعنا نقف وقفة قصيرة عمّا عبّرت عنه الديانات السابقة من الإحسان إلى الحياة:
في المسيحية (الإنجيل): "ليس بالخُبزِ وحدهُ يَحيى الإنسان".
"ليس أحدٌ منّا يعيش لذاته، ولا أحد يموتُ لذاته".
"إن كان أحد لا يريد أن يشتغل فلا يأكل أيضاً".
"مَنْ يعرف أن يعمل حسناً ولا يعمل، فذلك خطيئة له".
"دينوا كلّ واحدٍ بحسبِ أعماله"!
في اليهودية (التوراة): "من الوصايا العشر: لا تقتل".
"لكلِّ شيءٍ زمان، لكلِّ أمر تحت السماوات وقت، للولادة وقت، وللموت وقت، وللغرس وقت، ولقلع المغروس وقت".
"النهار قصير، العمل كثير، العُمّال كسالى، والثواب رفيع، والسيِّد على عجل".
"النحلة صغيرة بين الطيور، ولكنّ جناها أهمّ الحلويات".
"يا بُنيّ، لا توصم صالح أعمالك، أو تستعمل كلمات مؤذية عندما تمنح شيئاً، ألا يُلطِّف الطلُّ الحرارة؟ كذلك رُبَّ كلمة خير من هديّة".
قال رسول الله (ص): "الدُّنيا مزرعة الآخرة".
ويقول الإمام علي (ع): "إعملْ لدُنياكَ كأنّكَ تعيشُ أبداً، واعمل لآخِرَتِكَ كأنّك تموتُ غَداً".
وقال (ع) لرجلٍ سمعه يذمّ الدُّنيا: "إنّ الدُّنيا دارُ صدقٍ لمن صدقها، ودارُ عافيةٍ لمن فهم عنها، ودارُ غِنى تزوّد منها، ودارُ موعظةٍ لمن اتّعظ بها. مسجدُ أحبّاء الله، ومُصلّى ملائكة الله، ومهبطُ وحي الله، ومتجرُ أولياء الله، اكتسبوا فيها الرحمة، وربحوا فيها الجنّة".
وسُئِل الإمام جعفر الصادق (ع) عن قوله تعالى في الحج: (لِيَشهَدُوا مَنافِعَ لَهُم): منافع الدنيا أو منافع الآخرة؟ فقال (ع): "الكلُّ".
ووعظ الإمام موسى بن جعفر الكاظم (ع)، فقال: "إجعلوا لأنفسكم حظّاً من الدُّنيا بإعطائها ما تشتهي من الحلال، وما لا يثلم المروّة، وما لا سرف فيه، واستعينوا بذلك على أُمور الدِّين، فإنّه رُوِيَ: ليسَ منّا مَنْ تركَ دنياه لدينه، أو تركَ دينهُ لدنياه".
وقال (لقمان) لإبنه وهو يعظه: "يا بُنيّ، لا تدخل في الدنيا دخولاً يضرّ بآخرتك، ولا تتركها تَركاً فتكون كلاً (عالةً) على الناس".
وقال الإمام علي (ع): "كما تركَ لكم الملوكُ الحِكمَة والعلم، فاتركوا لهم الدُّنيا".
3- الإحسان إلى الحياة في الأدب:
قال الشاعر:
ثلاثةٌ في النّاسِ ميّزتهم
أحوالُهُم مكشوفةٌ ظاهرَة
فواحدٌ دنياهُ مقبوضةٌ
تتبعها آخرَةٌ فاخِرَة
وواحدٌ دنياهُ محمودةٌ
ليسَ لهُ من بعدِها آخِرَة
وواحدٌ فازَ بكلتيهما
قد جمعَ الدُّنيا مع الآخِرَة!
ويقول الشاعر (القرويّ):
لاريبَ أنّ الحياة ثمينةٌ
لكنّ نفسَكَ في حياتِكَ أثمنُ
ويرى (خليل مطران) أنّ الإحسان إلى الحياة أن تكون مع شجعانها، فيقول:
غَلَتْ الحياةُ فإن تُرِدها حرّةً
كُنْ مع أُباةِ الضّيمِ والشّجعانِ
أمّا (أحمد شوقي)، فيلاحظ أنّ الإحسان للحياة هو اتخاذها عقيدةً وجهاداً، فيقول:
قِفْ دونَ رأيكَ في الحياةِ مُجاهداً
إنّ الحياةَ عقيدةٌ وجِهادُ
ويرى (توفيق الحكيم) أنّ عمل الخير هو أفضل إحسان للحياة، فيقول: "بُورِكَ مَنْ ملأ حياته بعملِ الخير، لأنّه أدركَ أنّها أقصر من أن يُضيِّعها بعملِ الشّرّ".
وينظر (لارو شفوكو) إلى الإحسان للحياة من زاوية الإتحاد لتحقيق الأهداف الكبرى، فيقول: "أصعب طرق الحياة تبدو سهلة، حينما لا نجتازها وحدنا".
ويعجب (سقراط) للبانين للفناء، التاركين لبناء ما هو خالد، فيقول: "عجباً لِمَن عرفَ فناء الدُّنيا، كيف تلهيهِ عمّا ليسَ لهُ فناء".
وفي بعض الأمثال والحِكَم: "الحياة كتاب مُدهش، لكنّه غير ذي نفع لِمَن لا يستطيع قراءته".
وقال أحد الشُّعراء، وهو يدعو إلى الإحسان:
إذا ما نلتَ من دُنياكَ حظّاً
فأحسِنْ للغَنِيِّ وللفقيرِ
ولا تُمسِكْ يَديكَ على قليلٍ
فإنّ اللهَ يأتي بالكثيرِ
والإحسان للغنيِّ – كما نفهم – أن نُعلِّمهُ كيف يُحسن للفقير من خلال إحساننا له، ربّما عسى أن يتذكّر نعمة الله من خلال ما يُشاهده من عطاء المُحسنين لِمَن هم بحاجةٍ إلى الإحسان.
ويُنبِّه (أحمد شوقي) إلى ضرورة استثمار دقائق الحياة كأعلى درجة من درجات الإحسان إليها، فيقول:
دقّاتُ قلبِ المرءِ قائلة لهُ
إنّ الحياةَ دقائقٌ وثواني
فاحفظ لنفسِكَ بعد موتِكَ ذكرها
إنّ الذِّكر للإنسانِ عمرٌ ثاني
أمّا الإحسان للحياة عند (دينشتاين) فهو الغيرية، حيث يقول: "وحدها الحياة التي يحياها المرءُ من أجل الآخرين، حياة ذاتُ قيمة".
وعند (سينيكا) هي الحياة المليئة بالعطاء والإنتاج والإبداع، حيث يقول: "الحياة طويلة، إذا كانت مليئة".
4- برنامج الإحسان إلى الحياة:
الحياة ذاتُ معنى وذات قيمة، ويجب أن تُعاش كلّها، وما ذمّها في القرآن والأحاديث وكلمات الأدباء إلا لعقد مقارنة بين ما هو (ثابت) وما هو (متغيِّر)، ما هو (زائل) وما هو (دائم)، وإلا فالحياة الزائلة هي ساحة عمل الحياة الخالدة، وليس لدينا حياة أخرى نعيشها، ولذلك يحقّ لنا أن نُردِّد مع الإمام علي (ع) نظرته الإيجابية إلى الحياة.
ومن أجل أن نكون من المُحسنين إلى الحياة، نعمل جاهدين على:
1- أن لا يكون مرورنا فيها مرور قطار على محطّة، لا يُخلِّف فيها سواء الدخان والزعيق، بل لابدّ أن تكون لنا بصمتنا عليها. تقول الأديبة الشهيدة (بنت الهدى): "لا أريد أن يترك الزمان بصماته عليَّ، بل لابدّ من أن أترك بصماتي عليه"!!
2- كلّ إحسان تُقدِّمهُ للإنسان، وللحيوان، وللنبات، وللبيئة، وللعلم، وللمعرفة، هو إحسانٌ للحياة. ولا حياة إلا بالدين الذي يعطي كل اهتماماته للقِيَم الحيّة، ويدعو إلى الإحسان للحياة كلّها.
3- نحنُ أتينا هذه الحياة الدنيا وهي على حال، فيجب أن لا نتركها إلا وهي أحسن ممّا وجدناها عليه، حتى ولو بكلمةٍ طيِّبة. كانت العرب تقول:
قُل كلمةً وامضِ
زِدْ سِعَةً في الأرضِ
يقول الإمام علي (ع): "اكتسبوا العلم، يكسبكم الحياة".
4- قد لا تجري رياحُ الحياة بما تشتهي سفننا، إلا أنّ الأقوياء قبلنا علّمونا أنّ الزراعة ممكنة في جميع المواسم، فإذا لم أستطع أن أزرع التفّاح فلأزرع الطماطم، وإذا لم أقدر أن أزرع الورود، ففي الأقل أن لا أزرع الأشواك. ولو أنصفَ الناس – كما يقول أحد الكُتّاب – لقوّموا الناس بمقدار كفاحهم، لا بمقدار فشلهم ونجاحهم!
5- الحياة مدرسة تفتح صفوفها طوال العام، ليس هناك عطلة دراسية، لأنّها حريصة على أن تُعلِّم في كلِّ لحظة دراساً، والناجحون في الحياة الذين يتعلّمون من تجاربهم وتجارب غيرهم، أمّا إذا استطوا أن يكونوا متعلِّمين أيضاً، فهذا يعني أنّ الحياة في غنى متزايد.
6- في الدعاء المأثور: "أللهمّ عَمِّرني ما كان عُمري بذلةً في طاعتك، فإن كان عُمري مرتعاً للشيطان فاقبضني إليك"!
هكذا حياةٌ محسنةٌ، وإلا فالموتُ أولى.
وفيه: "أللهمّ اجعل الحياة زيادةً لي في كلِّ خير"!!
ارسال التعليق