• ٢١ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٩ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

الاستفادة من دروس عاشوراء

الاستفادة من دروس عاشوراء
◄ادرسوا كلّ الواقع، ولا تحسبوا أني أريد أدينه كلّه، لكنّني أتكلَّم عن الظّاهرة، والظاهرة تصبح مشكلةً وكارثةً عندما تتحوّل إلى حالة من الإدمان لدى الكثيرين. ولذلك فلنفكّر، ما هو المردود الثقافي، هل استطاعت هذه الجماهير من النساء والرجال أن تعيش ثقافة عاشوراء في امتدادها الإسلاميّ وامتدادها الإنسانيّ؟ لا أنكر أنّ عاشوراء في خطابها الحماسي وفي خطابها الولائي استطاعت أن تعبّئ الناس بحبّ أهل البيت (عليهم السلام)، ولكن ما هو مضمون هذا الحبّ؛ هل يكفي أن نقول إنّ الحق لهم، أو إنّ علينا أن نفهم ما هو الحقّ عندهم، ما هو فكرهم، ما هو خطّهم، ما هي القضايا التي أثاروها في مرحلتهم، ما هي القضايا التي تبقى لتعالج مشاكلنا، لا يكفي أن تحبّ أهل البيت (عليهم السلام) أو تحبّ رسول الله إذا لم تعرف ما معنى رسول الله (ص) في حركة الإنسان، وما معنى أهل البيت في حركة الإنسان.

إنّ الحبّ الضبابيّ سرعان ما يزول عندما يزول الضّباب، ولكنّ الحب المرتكز على قواعد فكرية وعقليّة، هو حبّ يبقى مهما انطلقت العواصف من أجل أن تجتثّ جذورها، لأنّها كالشجرة الطيبة (أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ) (إبراهيم/ 24). لقد استطاعت عاشوراء من خلال كلّ هذا الحبّ للحسين (ع)، في كلّ هذا الحماس ضدّ الأعداء، أن تحرّك شيئاً في الجهاد، ولكنّنا لم نستطع أن نخطّط للمستقبل، فانحصرت القضايا في دائرةٍ هنا ودائرةٍ هناك، ولكنّ النّجاح في موقعٍ، يدفعك إلى أن تخطّط للنجاح في مواقع أخرى، لأنّ الظروف التي ربّما قد تساعدك في مرحلةٍ، قد لا تساعدك في مرحلةٍ أخرى.

ولذلك، نحن بحاجة إلى أن نخطّط للمستقبل بطريقةٍ تختلف عمّا هو سائدٌ الآن، لأنّ المسألة كما يقول المثل: "ليس كلّ مرّة تسلم الجرّة"، ولا سيّما أنّنا نعيش في عالمٍ استكباريّ يمثّل الأخطبوط الذي يمدّ أذرعه إلى كلّ مفاصل الحياة العامّة للإنسان وللمسلمين بالذات.

لذلك، فإنّ النجاح هو عمليّة تخطيطٍ مستمرّ، ما إن تنتهي حلقة منه، حتى يفترض أن يتم التخطيط للمرحلة القادمة، وهكذا دواليك، للاستفادة من عناصر النجاح للمستقبل، والبحث عن العناصر الجديدة التي تخطّط له، ليقفز من نجاحٍ إلى آخر، وما إلى ذلك. وبعبارةٍ أخرى، أن لا نهزم أمام القضايا، بل أن نفكّر في النصر على أنقاض الهزيمة، والاستفادة من دروس الهزيمة.

 

واجبنا تحريك الأبعاد الإنسانيّة في الواقع:

أنا أخشى أننا نزرع في مجتمعاتنا الشخصية البكائية التي تبكي في الهزيمة، وتبكي في المأساة، وحتى إننا جعلنا للسّرور بكاءً، وأصبحنا لا نطيق البسمات والفرح، بل نبكي من الفرح، لأنّ الشخصية البكائيّة قد تبكي في حالات الفرح، كمن تخاف على الفرح أن يموت.

أيّها الأحبّة، إنّنا نبذل جهداً كبيراً في عاشوراء، ولكنني أتساءل: ما هي امتدادات عاشوراء في العالم، التي أُريد لها أن تكون المأساة التي تهز الضمير الإنساني؟! إنها لا تزال في الدائرة الشيعيّة الخاصّة، حتى إنها لم تنفذ بقوّة في الدّائرة الشيعية المثقفة المعاصرة إلا قليلاً، قد يحدّثك بعض الناس أنّ الأديب الفلانيّ في الغرب قال كذا، وأنّ الفيلسوف الفلاني قال كذا، ولكن كم هي الكلمات التي لا نستهلكها حتى نحن.

إنّ العالم يعيش الآن بالكذب مأساة المحرقة التي انطلق بها النازي بالنسبة إلى اليهود، ونحن نعرف أنّ اليهود تعرّضوا لهذه المحرقة كما تعرض لها كثير من الشعوب، ولكنّ اليهود عملوا بما عندهم من إمكاناتٍ، حتى يقنعوا العالم على أساس "اكذب.. اكذب حتى تصدّق نفسك، واكذب.. اكذب حتى يصدّقك الناس"، وأصبحت المحرقة تمثّل هذه المأساة الإنسانيّة، وانطلقت القصص والروايات والأفلام لتنفذ إلى كلّ جيلٍ حتى جيل الأطفال، ليشبّ عليها الصغار، ويهرم عليها الكبار. ونحن لم نستطع أن نحرّك عاشوراء في الضمير الإنساني في أبعادها الإنسانية والثورية والفكرية في واقعنا، لم نستطع ذلك، أتعرفون كيف تُقدّم عاشوراء إلى العالم؟ نقدم النبض الإنساني العاطفي الذي يعيش في نفوس الناس؟!►

 

المصدر: مجلة ثقافة التقريب/ العدد 45 لسنة 2011م

ارسال التعليق

Top