كلّ الأولاد بل بالأحرى كلّ البشر يرتكبون أخطاءً وهذا أمرٌ طبيعي ودائماً متوقع فليس كلّ مَن يخطئ يكون سيئاً سواءٌ كان صغيراً أو كبيراً، فإذا ارتكب الولد خطأ ما على الأهل أن لا يقلقوا كثيراً وأن لا يتعنّتوا في التركيز على الخطأ ولكن باعتماد الوسائل اللينة والمحببة يستطيعون وضعه على الطريق الصحيح، وعندما يتصرف الأهل بتعقل وحكمة فإنّ الولد يفهم أنّه أخطأ ويتعلم كيف يعتذر وبالنهاية كيف يتراجع عن خطأه ومن خلال مراقبته لأهله ومع رغبته في التقليد فإذا رأى أنّهم يقومون بعمل يستدعي إعادة النظر يتعلم كيف يصحح أخطاءه ويعيد النظر بما صدر عنه، لذلك يقال أنّ التجربة العملية تفيد غالباً أكثر من الأمور النظرية.
إنّ الكلمة الطيبة هي مفتاح التفاهم بين البشر وقد أوصى الله سبحانه وتعالى بذلك في محكم آياته (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ) (إبراهيم/24). فعندما نطلب من الولد أن يفعل شيئاً أو أن يتراجع عن خطأ بالكلمة الطيبة نصل إلى كلّ ما نريد خصوصاً إنّه بالغريزة يحب والديه وهم دائماً مثله الأعلى، حتى عندما يسيئون معاملته يبقى لهم في قلبه شيء من المحبّة والاحترام.
إنّ للولد الحقّ بالتعبير عن مشاعره السلبية سواء كانت غضباً أو حزناً أو خوفاً أو إحباطاً أو يأساً أو قلقاً أو غيرة أو ألماً أو خجلاً فكلّ هذه الحالات ليست فقط طبيعية ومنتظرة ولكن تشكل جزءاً من تقييم وضع الولد ولا يجب أن تكون موضع تجاهل أو إتهام أو أن نتركه يعيشها لوحده دون اهتمام من الآخرين.
وهنا يبرز دور الأهل وما له من أهمية عندما يعبّر الأولاد عن هذه الحالات النفسية، فإذا لاحظوا حالة من الغضب عند الولد فهذا أمرٌ طبيعي عندما يعترضه شيءٌ لا يحبه أو عندما يريد الوصول إلى رغبة لا يستطيع تحقيقها وبالحسنى والأسلوب الهادئ نُفهم الولد أنّ هذا الغضب لا يجب أن ينفجر بسبب وبلا سبب وفي أوضاع لا تستدعي منه ذلك، وهنا ليس بالتوبيخ عندما نكون غير جاهزين للتجاوب مع هذه الحالة من الغضب، ودائماً على الأهل أن يتّبعوا كلّ الوسائل الممكنة لدرجة أن يستطيع هو نفسه تفهم وتحليل انفعالاته.
إنّ تحليلات متعددة للتربية الحديثة تقول إنّ الولد يجب أن لا نخضعه لمزاجية الأهل، فعندما يشعر ويوجد عنده الإحساس بأنّ مشاعره وانفعالاته تتساوى مع الحاجة إلى الاستماع إليه وتفهمه مما يشكل أهمية لدى الأهل الواعين الذين يتجاوبون مع هذا الوضع فيخلقون لديه نوعاً من الاستقرار النفسي والقدرة على التخفيف من حدّة هذه الانفعالات وحتى لا يشعرون الولد بأنّه مخطئ فلا يدري كيف يخرج من هذا فينطوي على نفسه وتقلّ عنده الثقة بنفسه وبغيره.
فما الذي يمنع الأهل من أن يناقشوا مع الولد حقيقة مشاعره. ما الذي يثيره؟ ماذا يرغب؟ إلى أين يريد أن يصل من خلال هذا التصرّف؟ إنّهم عندما يفعلون ذلك يشعرونه بالثقة ويُفهمونه بطريقة مباشرة وغير مباشرة أنّ أولئك الذين يراقبون تصرفاته إنما يحبونه ويتمنون له الخير ولا يريدون له أن يقع فيما لا تُحمد عقباه وبذلك يشعر أنّه مختلف عنهم ويلجأ إليهم في الظروف الصعبة التي يمر بها فتتكون عنده الثقة ويبدأ باكتساب الإبداعية وقوّة الحدس والمحبة والثقة والفرح والحنان وكلّ ذلك يخلق عنده القدرة على التعلّم واستخلاص العبر من أخطائه وهذا ما يجعله يسير بخطى ثابتة ليكون له المكان اللائق في هذه الحياة وذلك عن طريق المعرفة والخبرة المدروسة والتخلّص من كثير من الأمور السلبية، ويصبح سهلاً عليه كلّما زادت خبرته أن يحقق أحلامه التي تكبر وتكبر كلما تقدمت به السنوات.
الكاتب: عصام فضل الله
المصدر: كتاب أبناؤنا من الطفولة المبكّرة إلى سن الرشد
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق