• ٢١ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٩ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

أطفالنا.. بعيداً عن الأنانية

أطفالنا.. بعيداً عن الأنانية

الغذاء المرغوب عند الولد، هو الحلوى ولها عنده جاذبية خاصة، وأحياناً نوع من الشّره، فإذا كنا أحياناً نراه يكذب أو يسرق بعض النقود إنما ليرضي هذه الشيطانية التي تفرضها عليه بطنه، فإذا أعطيت بعض الأولاد قطعتين أو ثلاثة من الشوكولا فقد يأكلها مرةً واحدة، وكم من الشجارات التي تحصل بين الأخوة والأخوات، وكم من الدموع تُذرف أحياناً بسبب الاعتقاد أنّ التوزيع لم يكن متساوياً بين الأخوة وهنا يكون دور الأهل بالغاً وحسّاساً بتعويد الولد على عدم التهام كلّ ما يحبّ دون نظام، فعندما تكون الحلوى متوفّرة أمامه يجب أن لا يأكلها مرةً واحدة، ويجب تعويده أن يترك قسماً منها للمساء أو لليوم التالي، ويجب تعويده أنّه ليس كلّ ما يراه من الحلوى أو أيّ نوع من الأكل الذي يحبّه يأكله كلّه أو حتى جزءاً منه بشراهه، فلا مانع هنا من تعويده على التعفّف والتفكير بإخوته أو بأحد المحتاجين، وهكذا تصبح غرفة الطعام المكان المناسب لتعليم الولد كيفية السيطرة على الذات بدل أن تكون مكاناً للصراخ وللشجار.

غالباً ما يتجاهل الولد صوت الأهل في الصباح يتظاهر كأنّه يغطّ في نوم عميق فيضطرون لتكرار الإنذار مرات ومرات كي ينهض ويجهّز نفسه للذهاب إلى المدرسة، فيترك السرير متثاقلاً وأحياناً يتناول الطعام بغير شهية، يتثاءب ويبقى طيلة نهاره والكسل بارزٌ في تصرفاته، وفي المساء عندما يعود يلعب قليلاً، وعندما يحلّ الظلام يعمل ما بوسعه ليكسب ساعةً قبل أن ينام، فيشاهد التلفزيون أو يتعارك مع إخوته، وهنا يجب مساعدته وإرشاده ليغيّر من هذه العادات لأنّه إذا استمرّ على هذه الحال يصبح ولداً فاسداً وفي مستقبل أيامه سيصعب عليه اتخاذ القرار المناسب والقيام بالعمل الذي يفيده ويجعل له مكانةً بين الآخرين، لذلك يُعتبر دور الأهل مهماً جدّاً بتحديد ساعات النوم وقد يلاقون صعوبة لفترة ولكن الولد يتعوّد فيما بعد، ويستيقظ في الصباح.. يغتسل ويتناول فطوره ثمّ يلبس ثيابه ويتهيّأ للخروج.

النقاش الهادئ والابتسامة الحلوة والكلمة الطيبة تساعد الولد في السيطرة على نفسه. وهناك وسائل أخرى للسيطرة على الذات بالابتعاد عن بعض الحالات المنفّرة والتي تسبّب حساسيةً معيّنة، فعلى سبيل المثال بعض الأولاد يخافون من العتمة، فيجب مساعدتهم بالتغلب على هذه الحالة دون اللجوء إلى السخرية أو ما شابه ذلك، وأيضاً بالنسبة للأمور الأخرى إذا كنا على شاطئ بحر أو على ضفاف بحيرة أو نهر، نعلّمه وسائل السلامة والحذر بالإقناع والتجربة الحيّة.

وهناك أشياء كثيرة نلاحظها في الحياة كلّ يوم أمامنا، فكم من رجال ونساء يتركون العنان لنزواتهم بعدم قدرتهم على التحمّل، مزاجهم المتقلّب عند كلّ هبّة ريح.. أصغر الأمور وأتفهها يسوّد مزاجهم على سبيل المثال: انتظار رسالة لم تصل يثير أعصابهم، أحد يدقّ الباب بقوّة يخرجهم عن طورهم، وهكذا تراهم غير متماسكين، مشوّشين، مغتاظين بينهم وبين أنفسهم وتجاه الآخرين، كلّ هذه الأمور تأصّلت في نفوسهم لأنّهم لم يتعلّموا منذ الصغر كيف يحقّقون الأمن بينهم وبين أنفسهم وبينهم وبين الآخرين دون أن يسمّموا الأجواء حولهم بما يترك هذه النتائج البغيضة.

وهذه بعض الأمور التي تلعب دوراً في توجيه الولد بين السابعة والثانية عشرة:

- عندما أجلس لآكل قطعةً من الحلوى مع أحد الأولاد أعمل جاهداً أن أتقاسم هذه القطعة معه وأن أشعره أنّ المشاركة شيءٌ جميل في الحياة.

- إذا كنّا نمشي معاً ورأيت فقيراً، أحاول أن أعطيه بعض النقود على مرأى ومسمع من الولد.

- إذا كان عندما صحن من أية فاكهة محبّبة نعمل على قسمته بين الموجودين ليتعلّم الولد أنّ "لذيذ العيش أن نشترك".

- أحد الأهل يقوم بلعبة تسلية، تدعوه زوجته إلى مائدة الطعام، يترك اللعبة ويحضر فوراً ليتعلّم الولد أنّ النظام واجب اتّباعه ولكلّ شيء وقته فهناك وقت للّعب وهناك وقت محدّد للطعام.

- يجب تعويد الولد على التخلّي عن بعض الأمور على سبيل المثال نطلب منه عدم تناول الشوكولا وبعض الحلويات لمدة أسبوع، فإذا عُرض عليه شيءٌ من هذا يتعلّم أن يقول شكراً لا أريد، وبذلك نقوّي عنده إرادة الرفض، فإذا كان مع الأهل في زيارة بعض الأصدقاء، بدل أن يُظهر شراهةً وعدم احترام لنفسه إذا عرض عليه شيءٌ من هذا يتصرّف بشكل واعٍ ومقبول، نلاحظ كم من الرجال والنساء لا يستطيعون ترك السيجارة أو النرجيلة بالرغم من كلّ التحذيرات الخطيرة من عواقب التدخين.

- عندما نصوم ونتعرّض للجوع يجب أن نَفهم وأن نُفهّم الولد أنّ في هذا الكون أناسٌ يصومون فترات طويلة من حياتهم ولا يأخذون ما يلزمهم من الغذاء فيقعون ضحية المرض نتيجة سوء التغذية وهكذا نعلّم الولد كيف يفكّر بغيره.

- إذا ذهبت برفقة الولد إلى المستشفى لسبب ما ستجد أُناساً يعانون الويل نتيجة أمراض خطيرة أو مستعصية لذلك يجب أن نشكر الله على ما نحن فيه من صحّة جيدة.

- يتعرّض الإنسان أحياناً لبعض الإهانات من سفهاء، فهل يرد عليهم بنفس المستوى، عندها كيف تقيّم الفرق بينك وبينهم.

- أحياناً نحسّ بالغيرة أو الحسد من إنسان آخر، كيف تتصرّف؟ تشعل الأمور بينك وبينه أم تحاول بكلّ جهدك أن تريه أنّك متسامح وأنّك محبّ وتتجاوز هذه الأمور بالرغم من كراهتها، فتعلّمه درساً في حسن التعامل بحسن تصرّفك وقد يبتعد عن هذه الموبقات.

كلّ هذه الأمور تعلّم الولد كيف يتصرّف بكرم أخلاق، وإذا لم يتعلّمها الشخص في طفولته تراه عندما يكبر يشكّل خطراً على نفسه وعلى المجتمع.

يقول بعض التربوييّن.. إنّ الألعاب هي المدرسة الحقيقية لتكوين الذات ويحمل المتباعون للولد هموماً كبيرة في اختيارها أو مراقبتها أو توجيهها، ولتكون لها فاعلية تربوية، يجب أن تتطلّب هذه الألعاب من الولد جهداً شخصياً وغالباً ما يجب أن يكون عملاً خلاقاً، وعلى الأهل أن يحظروا الألعاب التي تأتي صدفة دون أن تتطلّب من الولد أي مجهود لأنّها تزرع في نفسه نوعاً من الحتمية والتي تهدّد على المدى البعيد كلّ نشاط يتطلّب تعبئةً نفسية، فيشلّ نشاطه وقابليته على العطاء لذلك يجب منع هذه الحالة التي لا تؤدي إلى ما هو جيد ومشكور، لأنّها تهدّد الإبداع الجمالي والفني وتعلّم الولد كيف يأخذ الأمور بالسهل دون اللّجوء إلى استعمال طاقاته للخلق والإبداع، وبذلك تكون الألعاب المختارة جيداً والموجّهة بعناية لها نتائج جدّ سعيدة، فهي تثيرهم وتصقل مزاياهم وتجعلهم يسيرون في الاتّجاه الصّحيح، إنّها تستنهض الذكاء والخيال الواسع خصوصاً تلك التي تتطلّب استعمال العقل لإعادة تركيبها وتنظيمها، فعندما يستعمل الولد كلّ طاقاته ويكون جدّياً فإنّه يتعلّم كيف يشحذ همّته، فيتغلّب على الصعوبات ويحسّ بلذّة الانتصار، ويتعلّم المثابرة والصبر للتغلّب على الصعوبات فيصل إلى ما يريد دون أن يشعر بالخيلاء، فلا غلّ ولا حقد ولا تعال، وبهذه الروح العالية يتعلّم ليمدّ يده كي يساعد الآخرين ويقدّر أنّ القوّة المودعة فيه من قبل الباري عزّ وجلّ ما خُلقت إلّا ليستعملها عند اللزوم في كلّ ما هو خير له ولغيره، إرادته تصبح قوية وحازمة، ويصبح أكثر صدقاً وأشدّ استقامة، ويكون بهذه الألعاب تعلّم كيف يصبح رابط الجأش، مسيطراً على كلّ انفعالاته ويكون مهيّئاً على المدى القريب والبعيد بكلّ ما تحمله معاني القوّة والجمال وحسن التدبير ليكون الرجل ذا القيمة العالية في المجتمع.

 

الكاتب: عصام فضل­ الله

المصدر: كتاب أبناؤنا من الطفولة المبكّرة إلى سن الرشد

ارسال التعليق

Top