ذكرى الإسراء والمعراج في السابع والعشرين من شهر رجب المبارك. وهي مناسبة عظمية القدر، جليلة المعنى والمقام عند المؤمينن جميعاً، فهي تبرز وجهاً من وجوه الإعجاز في شخصية الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم)، وتؤكّد وحدة الرسالات وعالمية الدعوة الإسلامية. ولقد أشار الله تعالى إلى ذلك، حيث قال في كتابه العزيز: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) (الإسراء/ 1). كمجتمع إيماني لابدّ وأن يعيش الإيمان وعياً وتمثلاً عملياً وفعلياً لمحطاته التاريخية والروحية، بما ينعكس مزيداً من التقوى والمسؤولية والإخلاص في كلّ جوانب الحياة كما في هذه الذكرى العظيمة وهي رحلة الإسراء والمعراج.
ففي رحلة الرسول الأكرم محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) حيث عرِّج به إلى السماء لينظر في ملكوت الله، ويشاهد مظاهر قدرته، حتى يعلّمنا دائماً النظر إلى السماء، وتلمس أفقها الواسع والرحب، بعيداً من النظرات الأرضية المحدودة، كما أراد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بإسرائه، تأكيد الترابط بين الإنسان والأرض التي عليه أن يعمرها بدعوته الواعية إلى الله على المستوى العالمي ككلّ، فينبذ كلَّ ضيِّق أفق وكلّ عنصرية وشعور بالذاتية والقومية والعرقية، لأنّه يتنافى مع مشاعر الوحدة بين الناس.
إنّ اختيار الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) للإسراء والمعراج، هو تكريم له وتشريف من ربّ العالمين كفضل عليه ورحمة وبركات، كونه يمثِّل في شخصيته كلّ إعجاز قولي وسلوكي. والإعجاز السلوكي لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) واضح بيّن، لا يحتاج إلى كثير عناية، بل نلمسه في كلّ محطات سيرته المباركة الخاصّة والعامّة، بحيث لم يظهر في سلوكه سوى كلّ انعكاسٍ سلسٍ وواضحٍ وقويٍّ على مدى توازنه وثبات شخصيّته في سلوكياتها وتعاملياتها مع الناس جميعاً، بحيث كان (صلى الله عليه وآله وسلم) زوجاً كأفضل ما يكون الأزواج، وأباً حنوناً عطوفاً كأفضل الآباء، وقائداً وحاكماً كأفضل ما يكون القادة والحكَّام، وواعظاً وداعياً إلى الله. كان في كلِّ قواه الظاهرة والباطنية النفسية والخلقية، واحداً متجانساً في زهده وشجاعته وصبره وجهاده وتواضعه وعلمه وأخلاقه، بحيث جمع كلّ كمالٍ وجلالٍ بفضلٍ من الله ورحمته، حتى امتدحه تعالى: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (القلم/ 4).. رحلة الإسراء والمعراج وقصّة المبعث هي رحلة العقل والروح، وقصّة الوجدان والفكر والحركة، في سبيل معايشة التوحيد العملي لله في كلّ الظروف والأوضاع.
في ذكرى إسراء رسول البشرية ومعراجه ومبعثه المبارك، لنتعلّم من سلوك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي شكّل معجزة تستحقّ التأمّل والدراسة والاتعاظ، ولنحيا برسالته، ونتجمّل بأخلاقه، ونبتعد عن كلّ ما يسيء إلى إنسانيتنا وكرامتنا وحضورنا ومصيرنا.. الإسراء والمعراج والمبعث محطات تلهمنا كلّ روحانية تحفّزنا على السموّ والارتفاع والنظر في ملكوت الله السماوي والأرضي، كي نكون من العباد الذين يعيشون الوجود الحقيقي، ويتمثّلونه وعياً ونضجاً واستقامة وفضيلة.
فإنّنا لابدّ من مواكبة هذه المناسبات بروح منفتحة وعقول منفتحة، لنستلهم منها الدروس والعِبَر، لكونها مناسبةً لتثبيت الرسالة في قلوب المؤمنين، في تجلّياتها وأبعادها الروحية والأخلاقية، وتأكيداً للرحمة الإلهيّة التي نزلت على رسول الرحمة محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم). إنّ هذه المناسبة تدفعنا إلى التوقّف قليلاً أمام تفاعلنا مع مفاهيم رسالتنا وقيم ديننا، فالمطلوب هو الارتقاء والصعود الروحي والأخلاقي والحضاري للفرد والجماعة باتجاه الأعلى، باتجاه الله تعالى ومرضاته.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق