في مواقفها المشرّفة شرفاً للإسلام وعزّاً للمسلمين على امتداد التأريخ. لقد تجسّدت فيها (عليها السلام) جميع الصفات الكريمة والنزعات الشريفة، فكانت أروع مثلٍ للشرف والعفاف والكرامة ولكلّ ما تعتز به المرأة وتسمو به في دنيا الإسلام. من خلال السيِّدة زينب (عليها السلام)، نستطيع أن نعرف دور المرأة المسلمة في ساحة الصراع التي امتزج فيها جانب المأساة إلى جانب الجهاد، وامتدّ الجهاد بعد كربلاء من خلالها، فاستطاعت أن تتحدّث مع الذين صنعوا مأساة كربلاء بما لم تأتِ الفرصة بنظيرٍ له..
هذه هي زينب (عليها السلام) في كبريائها الإسلامي، وهذه هي زينب (عليها السلام) في عظمتها الروحية الإيمانية، وهذه هي زينب (عليها السلام) في ثقافتها القرآنية، وهذه هي زينب (عليها السلام) في بلاغتها الأدبية، وهذه هي زينب (عليها السلام) في مواقفها البطولية. لقد ورثت من جدّها الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ومن أبيها الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) جميع ما امتازوا به من المُثل الكريمة، والذي كان من أبرزها الإيمان العميق بالله تعالى. وكان من عظيم إيمانها وإنابتها إلى الله تعالى، كلماتها الخالدة: «الّلهمّ تقبّل هذا القربان، وأثبه على عمله».
نهضت زينب (عليها السلام) بدورها التاريخي، فقد استنهضت الهمم وأيقظت العزائم، فانتفضت الأُمّة تطالب بكرامتها وتستعيد عزتها، وبذلك تواصلت حركة التاريخ الإسلامي التي أوشكت أن تقف وتنتكس، وقدّمت عطاءها على مرّ الزمن، ولا يزال هذا العطاء متواصلاً إلى يومنا هذا يؤتي أكله كلّ حين. غير أنّ المسيرة يعتريها دائماً وبشكل طبيعي الضعف بسبب العوامل المضادة، بل قد يعتريها الركود والخمود، لذلك فإنّها بحاجة دائماً إلى نهج زينب وصوت زينب ليدفع بالمسيرة إلى أهدافها المنشودة.
ففي ذكرى ولادتها الشريفة، علينا أن نفهم السيِّدة زينب (عليها السلام) في فكرها، وفي ثقافتها، وفي حركتها، وأن ندرس خُطبها وكلماتها، فلعلّنا نرتوي ونغدق من علمها ومواقفها المشرّفة، في دفاعها عن الحقّ مع الحسين (عليه السلام). إنّها (عليها السلام)، بمواقفها البطولية وكفاحها المشرّف ضد الظلم والطغيان يجب أن تكون قدوة لمقارعة الظلم، ونشر العدل في الأرض. لقد تجرّعت المصائب التي تذوب من هولها الجبال، كلُّ ذلك من أجل الإسلام والحفاظ على مبادئه وقيمه.
إنّ أي رزية من رزايا سيِّدة النساء زينب (عليها السلام) لو اُبتلي بها أي إنسان مهما تذرع بالصبر وقوّة النفس لأوهنت قواه، واستسلم للضعف النفس، وما تمكن على مقارعة الأحداث، ولكنّها صمدت أمام ذلك البلاء الكبير، وقاومت الأحداث بنفس آمنة مطمئنة راضية بقضاء الله تعالى، وصابرة على بلائه، فكانت من أبرز المعنيين.. بقوله تعالى: (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) (البقرة/ 155-157). وقال تعالى: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) (الزمر/ 10).
لقد صبرت حفيدة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأظهرت التجلّد، وقوّة النفس، أمام أعداء الله، وقاومتهم بصلابة وشموخ، فلم يشاهد في جميع فترات التاريخ سيِّدة مثلها في قوّة عزيمتها وصمودها أمام الكوارث. كانت الصابرة كأعمق وأرحب ما يكون الصبر، وكانت البطلة أمام المأساة، وهي القائلة: «اللّهمّ تقبّل منّا هذا القربان»، هكذا كانت القدوة في البطولة والوعي والمنطق.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق