• ٧ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٥ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

لذّة التسامح

عماد سامي سلمان

لذّة التسامح

◄"في العفو لذَّة لا تجدها في الانتقام".

يقول مايكل روس في (طريق الموت) بأنّ التسامح هو مظهر من مظاهر الواقعية والحكمة. إنّه لا يتنكَّر، يُقلِّل من، أو يعدل مدى الألم أو المعاناة والضرر الذي سبَّبه الغير لنا. إنّه يشجِّعنا على رؤية واقعية لهذه الجروح كما هي. ويساعدنا على معرفة كمية الطاقة المهدورة من قِبَلِنا وكمية الضرر الذي لَحِقَ بنا من خلال عدم قيامنا بمسامحة الغير.

أمّا لازاريف، فيقول في هذا المجال: "إنّ القوانين المدنيّة لا تتطبق في الكثير من الأحيان مع القوانين الكونية. فإذا ضُرِبْتُ من قبل أحد، فأنا أملك الحقُّ (الدفاع عن النفس) في الردِّ بالمِثْلِ".

فالتسامح هو عملية داخلية بحتة لا يمكننا السيطرة عليها أو توجيهها من الخارج، بل تُعطينا رِضاً وشعوراً بالتحرُّر. إنّه مظهر من مظاهر الثقة بالنفس والقوة المعنوية. فلا نرى أنفسنا من خلال جروحنا ولا من خلال الظلم الذي لحق بنا في الماضي، ولا نبقى ضحايا. ويحقُّ لنا المطالبة بوقف الأذى عندما نقول: "تَعِبْتُ من الأذى وأريدُ أن أتعافى". في هذه اللحظة يكون التسامح إمكانيّة للشفاء.

التسامح يساعدنا على مغادرة الماضي. ومع أنّه لا يمحو ما حدث، فإنّه يمنع ماضينا من صياغة أو التأثير على حاضرنا، وبالتالي على مستقبلنا. وهو يعني أيضاً أنّنا لن نستخدم الغضب والكُرْهَ كسلاحٍ لنا لمعاقبة مصدر الألم الذي لحق بنا، أو كدرع لحماية أنفُسنا من تكرار ما حدث لنا من مظالم.

يجب أنّ لا يُشكِّل الحقد والغضب حقيقة لنا. فبذلك نكون قابعين في الماضي ونبقى ضحاياه الدائمين.

إنّ التسامح هو إلغاء فكرة معاقبة الذين سبَّبوا لنا الألم. إنّه معرفة الحقيقة التي تقول بأنّ الحقد والبُغض والعدوانية التي نبثُّها على الذين أساءوا إلينا، تؤذينا أكثر ممّا تؤذيهم. إنّه رؤية واقعية لكيفية إخفاء أنفُسنا خلف الغضب والحقد ولكيفيّة تَمَكُّن هذا الشُّعور من مَنْعِنا من تجاوز الألم. إنّه اكتشاف السلام الداخلي من خلال تجاوز الماضي ومنع تأثيراته على حاضرنا. فالطاقة الكبيرة التي نخسرها في الحقد والغضب من تأثير الماضي علينا، يمكن تجييرها لحساب تطوُّرنا في الحاضر.

كلُّنا تأذَّينا في الماضي، وكلُّنا ارتكبنا أخطاءً عديدة في محاولاتنا اليائسة للهروب منه. فمهما حاولنا الهروب منه، فإنّه سوف يتبعنا كظلنا. فالطريقة الوحيدة لتجاوزه هي مواجهته بالتسامح والمغفرة وعندها لا لزوم للهرب.

وهذا القول رائع للسيِّد المَسيح (إنجيل لوقا 29-31) "مَنْ ضَرَبَكَ عَلى خَدِّكَ فاعْرِضْ لَهُ الآخَرَ أيضاً.

ومَن أخَذَ رداءَك فَلا تَمْنَعْهُ ثَوْبَكَ أيضاً.

وكُلُّ مَنْ سَأَلَكَ فَاَعْطِهِ.

ومَن أخّذَ الَّذي لَكَ فلا تُطالِبْهُ.

وكَما تُريدونَ أنْ يَفْعَلَ النَّاسُ بِكُمْ افعَلوا أنْتُمْ أيضاً بِهِمْ هكَذا".►

 

المصدر: كتاب مِن مُسَيَّر... إلى مُخَيَّر/ كيف ننتصر في معركة الحياة

ارسال التعليق

Top