زكاة الفطرة تشريع مالي له صفة تعبّدية واجتماعية، وهي تساهم في بناء علاقات الودّ والسلام بين أفراد المجتمع الإسلامي، وتعمل على مكافحة الفقر والحاجة، وتمنح شهر رمضان وعيده المبارك صفة خاصّة، وهي صفة التعاطف، والتعاون، والسرور الذي يملأ قلوب المحتاجين والفقراء. قال تعالى: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا) (التوبة/ 103). حيث لا يأخذ الإسلام شيئاً منك إلا ويعطيك بدله أضعافاً مضاعفة، فأخذ الصدقات يقابله (تطهير) من الأنانية والبخل والاستئثار والقسوة، و(تزكية) في كلّ معاني النماء المالي والنفسي والروحي والاجتماعي. وإنّما سُمِّيت الصدقة صدقةً؛ لأنّها تعبير صادق وحي عن الإيمان الحقيقي. فكما أراد المشرِّع أن تحنّ في الصوم على الفقير والضعيف والمسكين فترحمهم، أراك في الصدقات (الزكاة) كذلك. يقول الإمام الصادق (ع): "إنّ الله عزّ وجلّ فرضَ للفُقراءِ في أموال الأغنياء ممّا يكتفون به، ولو علم الله أنّ الذي فرض لهم لم يكفهم لزادهم، فإنّما يؤتى الفقراء فما أوتوا مِن منعِ مَن منعهم حقوقهم، لا من الفريضة". ويقول الإمام الرضا (ع): "إنّ علّة الزكاة من أجل قوت الفقراء، وتحصين أموال الأغنياء، لأنّ الله عزّ وجلّ كلف أهل الصحة القيام بشأن أهل الزمانة (المرض) والبلوى، كما قال تعالى: (لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ) (آل عمران/ 186)، في أموالكم: إخراج الزكاة، وفي أنفسكم: توطين الأنفس على الصبر". هنا في الزكاة، كما هناك في الصوم، يريد المشرِّع الإسلامي أن يُعلِّمك ويُساعدك على تجسيد روحيّة العطاء والشعور بالآخر، والتخلِّي عن التقوقع في دائرة الذات الضيِّقة الغارقة في أنانيّتها. أنت قد تسعد بالإنفاق على نفسك، لكن عطاءك للآخر يوسِّع دائرة مشاعرك فتسعد أكثر بإسعادك غيرك: سعادتك بإعانته وسعادته برحمتك، يجعل عالم السعادة أرحب، والشعور بها أعمق، ولذّة العطاء لا يشعر بها أن يستشعرها إلا أصحاب العطاء، لذلك كانت اليد العُليا خيرٌ من اليد السّفلي.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق