• ٢١ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٩ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

إقبال العبد نحو ربّه بالدُّعاء

عمار كاظم

إقبال العبد نحو ربّه بالدُّعاء

الدُّعاء حلقة الوصل بين العبد وربّه، فهو توجه من العبد نحو ربّه وإقبال من ربّ العزة نحو عبده. قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «أحبّ الأعمال إلى الله في الأرض الدُّعاء». فالدُّعاء فعل الجميع بلسان وقلب، عالم وجاهل، أسود وأبيض لا ينحصر في مكان ولا زمان ولا مذهب وقومية، ولا بصغير وكبير: (هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (الحشر/ 24). هو صلة الوصل بين العبد والمعبود، هو شعار الحرّية والسيادة، وهو لب الإيمان وأساس التقوى ونهج العبادة. فكلّ ما يكتب عن الدُّعاء هو قطرة في بحر عطائه ولا يمكن لنا إلّا الغور في أعماق هذا البحر واستخلاص درة ثمينة من جوفة لنزيِّن قلوبنا وعقولنا بها، نجعلها مناراً لحياتنا في الدُّنيا ومزرعة لآخرتنا. إنّ للدُّعاء شروط يجب الالتزام بها لتحقيق المراد، حيث إنّ الدُّعاء يرد القضاء، فيجب على المسلم التزام أوامر الله عزّوجلّ والبعد عن المعاصي، وحسن الظن بالله عزّوجلّ والتيقّن من الإجابة، والإلحاح في الدعاء، وتحرّي أوقات استجابة الدعاء، رغم أنّ الدعاء لا يقتصر على وقت أو زمن، ويستطيع العبد أن يدعو ربّه باللغة التي يريدها ويطلب منه ما يشاء ويتذلل ويخشع ليستجب الله له الدُّعاء. وكلما تكون حاجة الإنسان إلى الله أعظم، وفقره إليه تعالى أشد، واضطراره إليه أكثر، يكون إقباله في الدُّعاء على الله أكثر. فإنّ الحاجة والإضطرار يلجئان الإنسان إلى الله، وبقدر ما يشعر بهذه الحاجة يكون إقباله على الله سبحانه وتعالى. فالدُّعاء إقبال على الله، ومن أبرز مصاديقه الإنشداد والإرتباط بالله.. ولا يوجد في العبادات عبادة تُقرِّب الإنسان إلى الله أكثر من الدُّعاء.

وهذا الإقبال هو حقيقة الدُّعاء وجوهره وقيمته ورمضان المبارك هو شهر الدُّعاء، حيث جاءت في سياق آيات الصيام لفتة عجيبة تخاطب أعماق النفس، وتلامس شغاف القلب، وتسرِّي عن الصائم ما يجده من مشقة، وتجعله يتطلع إلى العوض الكامل والجزاء المعجل، هذا العوض وذلك الجزاء الذي يجده في القرب من المولى جلّ وعلاّ، والتلذذ بمناجاته، والوعد بإجابة دعائه وتضرعه، حين ختم الله آيات فرضية الصيام بقوله سبحانه: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (البقرة/ 186)، فهذه الآية تسكب في نفس الصائم أعظم معاني الرضا والقرب، والثقة واليقين، ليعيش معها في جنبات هذا الملاذ الأمين والركن الركين.

إنّ الأدعية التي نقرأها هي في الواقع مدرسة لتعليم ولتربية المجتمع الإسلامي، حيث تقوده إلى تطهير القلب والرغبة نحو المعبود وقصده والاعتماد عليه والانقطاع عمن سواه، وتجعله يعيش روح الأمل في غفران ذنوبه وتجديد ثوب الحياة بقبول توبته والاستعانة والاستغاثة بربّ العزة. ما يقرأه الإنسان مُقَولبٌ بالدُّعاء لكنه يحمل السُبل المتنوعة التربوية لإيجاد مجتمع موحّد ونموذجي.

وللدُّعاء في حياة المسلم أهمية منها:

- يعتبر عبادة عظيمة يحصل المسلم من أدائها على الأجر والثواب.

- يقرّب العبد من ربّه ويفتح الأبواب المغلقة، ويحقق للعبد ما يتمنى.

- يردّ المصائب والشرّ الذي من الممكن أن يحل بالمسلم، فالدُّعاء يرد القضاء.

- يرفع غضب الله عزّوجلّ، فالله سبحانه وتعالى يحب أن يسمع صوت عبده وهو يناجيه.

- يحمي المسلم من التكبر، حيث أنّ الله سبحانه وتعالى نهانا عن هذا الخلق السيء.

- يعتبرمن أهم خطوات التوكل على الله عزّوجلّ، حيث أنّ المسلم حين يدعو ربّه يكون متوكلاً عليه.

نقرأ في جانبٍ من دُّعاء أبي حمزة الثمالي: «أعوذُ بِكَ من نَفسٍ لا تقنعُ ومِن بَطنٍ لا يَشبعُ وقَلبٍ لا يَخشعُ ودُعاءٍ لا يسمعُ وعملٍ لا ينفعُ وصلاةٍ لا تُرفعُ. وأعوذُ بك يا ربِّ على نفسي وديني ومالي وجميع ما رزقتني من الشيطان الرجيم».

فالعبد المتضرِّع يشعر بلذّةٍ وطراوةٍ في مناجاته لا يُدركها أحدٌ سواه، لأنّ الدُّعاء يسحر قلبه ويأسره بحيث لا يبقى فيه مجالٌ لملذّات الدُّنيا الزائلة وشهوات نفسه الحيوانية التي لا تتغلغل إلّا في النفوس الخاوية البعيدة عن حقيقة الذِّكر: «مَنْ ذا الذي ذاقَ حَلاوةَ ذِكرِكَ فَرامَ مِنكَ بدلاً».

وعن الإمام جعفر الصادق (علیه السلام): «إنّ الله تعالى أوحى إلى نبيّه داود (علیه السلام): إنّ أدنى ما أنا صانعٌ بهم أن أنزع حلاوة مناجاتي عن قلوبهم». فيا أيُّها العبد المسكين الذي خدعته الدُّنيا بغرورها وغرق في وحل شهواتها، التحق بركب الصُّلحاء والصِّدِّيقين وتضرَّع إلى بارئك وانقطع إليه متوسلاً به وبأفضل خلقه محمّد وأهل بيته الكرام وناجه: «إلهي أذِقني حَلاوَةَ ذِكرِكَ».

ارسال التعليق

Top