يتداول المهتمّون بشأن الأولويات من حيث إنصاف كلّ أولوية من أولويات الوقت، تجربة الجرّة الشهيرة...
هي إنّ أُستاذاً في الفلسفة أحضر جرّة زجاجية (إناء) كبير، ووضع فيها عِدّة أحجار حتى امتلأت، وسأل تلامذته: هل الجرّة مَلأى؟ فأجابوا بالإجماع: نعم، ثمّ أدخل في الفجوات التي بين الحجارة الكبيرة كمّية من الحَصى حتى بدت الجرّة مُمتلئة. وسأل ثانية: ماذا تقولون الآن؟ هل الجرّة مَلأى؟ قالوا بلا تردُّد: نعم، إنّها مكتظّة! ثمّ أدخل في الفراغات المُتبقّية كمّية من الرمل، وضحك التلاميذ من تسرُّعهم السابق بالقول إنّها مليئة، واعتقدوا أنّهم إذا أجابوا أُستاذهم هذه المرّة عن سؤاله المتكرِّر: هل الجرّة مَلأى؟ فإنّهم سيكونون أكثر صدقاً وواقعية، فحكموا كما في المرّات السابقة على أنّ الجرّة أصبحت هذه المرّة فعلاً مُمتلئة بعد أن غصّت إلى عُنقها بالأحجار والحصى والرمل، ففاجأهم الأُستاذ بأن سكب إناءً من الماء على محتويات الجرّة ليتغلغل بين مسامات الرمل، وهنا خجل التلاميذُ من جهلهم؛ ولكنّهم حاولوا تغطية ذلك بابتسامات عريضة!
قال أُستاذ الفلسفة: مَثَلُ أعمارنا وحياتنا كمَثَل هذه الجرّة، الأحجار الكبار هي اهتماماتنا الكبيرة، والحصى اهتماماتنا المتوسطة، والرمل اهتماماتنا الصغيرة، وأمّا الماء فهو مُتعنا وملذّاتنا التي تُلطِّف من جهامة الحجارة، وصرامة الحَصى، وتكاثف الرمل.
بعد هذه التجربة، أعاد الأُستاذ ترتيب الأولويات، ملأ الجرّة بالماء فامتلأت، ولمّا أراد وضع الرمل أزاح بعض الماء الذي في الجرّة، وحينما وضع الحَصى، لم تتسع الجرّة إلّا إلى القليل منه، وعندما حاول أن يُدخل فيها الحجارة لم يكن ثمة متسع!
التفت إلى تلامذته، وقد بدا عليهم أنّهم التقطوا الدرس هذه المرّة وأدركوا مغزاه من غير أن يشرح لهم المعنى، لقد فهموا أنّ الأدنى أهميّة، أو الذي لا أهميّة له إذا زاحم المهم ضَيَّق عليه المجال، وإذا زاحم هذا الأهم لم يدع له فرصة أن يأخذ مكانه من جرّة الحياة!
تجربة الجرّة.. تجربة حيويّة ومعاشة وذات إيحاء، ولا نعتقد أنّنا لم نمرّ بها كلٌّ بحسب طريقته لملء جرّته، وقد تتعدَّد طُرقُ الملء؛ لكنّ الطريقة الأُولى في مُراعاة سُلّم الأولويات هي المتفَق عليها بين الأسوياء العقلاء.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق