مؤسسة الأسرة هي الوحدة الأساس في كلّ المجتمعات بصرف النظر عن الفروق الثقافية، فالأسرة لا تعمل على تلبية الحاجات الأولية للفرد من طعام ومأوى وملبس فحسب، ولكنّها تلبي حاجاته الإنسانية الأخرى كالحاجة للحبِّ والانتماء والعناية بالصحّة والعقل والسلوك. إنّ الأسرة مؤسسة اجتماعية بامتياز، تمارس العمل الاجتماعي من خلال قيام كلّ عنصر منها بواجباته نحو الأطراف الأخرى، فيتجلى بذلك العدل الإلهي، سواء التشريعي من خلال حفظ الحقوق بشكل طوعي، أو الاجتماعي من خلال الموازنة بين الحاجيات الغريزية لكلّ من الذكر والأنثى، وبين النظام الأخلاقي العام للمجتمع.
تلعب الأسرة دوراً مركزياً في المجتمع الإسلامي، حتى أنّ بعضهم ذهب إلى أنّ «الإسلام دين الأسرة»؛ لأنّ البيت المسلم هو نواة الجماعة الإسلامية وهو الخلايا التي يتألف منها. والأسرة هي مجموعة من العلاقات التي تُبنى على نظام دقيق من الحقوق والواجبات، إذا اختلت اختل نظام الأسرة، وبالتالي نظام المجتمع ككلّ، وهذا النظام هو أحد تجليات العدل الإلهي في التشريع، فكانت الأحكام التي شرعتها -الشريعة الإسلامية- للعائلة أعدل الأحكام وأوثقها وأجلها. شرّع الله سبحانه وتعالى لكلّ طرف من أطراف الأسرة حقوقاً وواجبات تتلاءم مع طبيعته البيولوجية ودوره في هذا الكون، فقد قال عزّوجلّ عن حقوق الزوجين: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (البقرة/ 228). أي، وللنساء حقوق على الأزواج، مثل التي عليهنّ، على الوجه المعروف، وللرجال على النساء منزلة زائدة من حُسن الصُّحبة والعشرة بالمعروف والقوامة على البيت وملك الطلاق. والله عزيز له العزة القاهرة، حكيم يضع كلّ شيء في موضعه المناسب، وهذا هو العدل.
إنّ أهم عنصران يجب أن تسودهما العلاقات المتزنة في الأسرة هما الزوج والزوجة، ففي الأسرة المتزنة يكون كلّ من الوالدين مدركاً وواعياً بحاجات الطفل السيكولوجية والعاطفية المرتبطة بنموه، ومن أهم هذه الحاجات حاجة الطفل إلى الشعور بالأمن والطمأنينة، والحاجة إلى التقدير والحبّ والثقة بالنفس، والحاجة إلى الانتماء، وإلى بناء علاقات اجتماعية، والحاجة إلى العطف والتعليم والتوجيه.
إنّ الأسرة في الإسلام هي حاضنة المعاني الأخلاقية والقيم النبيلة، فالأسرة منبع معاني الرحمة والألفة والمودة والتناصح التي تسود بين أفرادها. ولهذا تعتبر الأسرة ركيزه من ركائز المجتمع الذي يصبو إلى التقدّم والرقي والازدهار من أجل تحقيق العدالة بين أفراد الأسرة الواحدة، لذلك يجب عليها العمل على مسايرة التطوّر على كوكبنا فهي أحد الأنظمة الاجتماعية التي يُعتمد عليها في كثير من الواجبات، ومن هذا المنطلق يجب على الأسرة القيام برعاية أفرادها منذ قدومهم إلى الحياة أو بمعنى آخر إلى الوجود. إنّ تربية الأولاد تربية صالحة في دينهم ودنياهم أمانة عند الوالدين، كلّفهما الله بحفظها ورعايتها، لأنّ الأبوين مسؤولين بين يدي الله عن تربية أبنائهم، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «كلّكم راعٍ وكلّكم مسؤولٌ عن رعيته، فالرجل راعٍ فى بيته وهو مسؤول عن رعيّته، والمرأة راعية في بيت زوجها، وهي مسؤولةٌ عن رعيّتها».
وهكذا.. فإنّ الأسرة هي أساس المجتمع، وهي المحضن الذي يتخرج فيه الجيل الصالح، ولذلك يهدف الإسلام من تكوين الأسرة إلى تحقيق أهداف كبرى تشمل كلّ مناحي المجتمع الإسلامي، ولها الأثر العميق في حياة المسلمين وكيان الأُمّة المسلمة. الذي يتحقق به تماسُك المجتمع وترابطه، وتوثيق عُرى الأُخوَّة بين أفراده وجماعاته وشعوبه، قال تعالى: (وَهُوَ الَّذي خَلَقَ منَ الْمَاء بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَديرًا) (الفرقان/ 54).مقالات ذات صلة
ارسال التعليق