إنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عملية حيوية ترمي إلى الحفاظ على بقاء القيم حية في نفوس الناس وإبقاء جميلها جميلاً وقبيحها قبيحاً. وبالتالي فهي تشكل ممارسة عملية لحماية منظومة القيم التي يتبناها الإسلام في وجه ما قد يعتريها من تشوه أو إندثار تحت ضغط عجلات الزمن والأفكار والدعاية المروجة للإنحراف. فهي تتعلق بحماية العقيدة من خلال مواجهة الأفكار المضادة ورد إشكالاتها. وكذلك تتعلق بالشريعة أحكاماً وأخلاقاً من حيث حفظ جمالها بنظر أبناء الأُمّة.
1- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عملية تنموية:
إنّ فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إضافة إلى كونها حامية للقيم وصائنة لها، تشكل عملية تنموية للجوانب الثقافي والتربوية وغيرها حيث تعمل على رفع مستوى الفهم للشرع والعقيدة والمفاهيم الإسلامية. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فهي باعث على تطوير وتنمية أساليب التثقيف والتبليغ. مما يغني الفكر والممارسة التثقيفية والتبليغية بالأبحاث التي تشكل عملية تطويرية دائمة لأنها كما سيأتي تفترض عملية إجتهاد دائمة في إستنباط المفاهيم والأحكام والأساليب حيث إن مساحة الإبداع مفتوحة غير مقيدة إلا بقيد مشروعية الأساليب والوسائل ومؤثريتها. فالغاية منها هي الوصول إلى إقتلاع جذور المنكر وبث وتوسيع دائرة الإلتزام بالمعروف.
2- تعزيز روح المسؤولية:
إنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة تفترض حالة من الشعور بالمسؤولية لكل فرد من أفراد الأُمّة تجاه صلاح أبناء الأُمّة ومجتمع المؤمنين ودولة الإيمان، لأنّه يرتب على كل فرد أن يتحرك لتغيير ما هو مخالف للدين في سير الأفراد والمجتمعات ولو بالإشارة إلى هذا الإنحراف، وبالتالي فهو يمثل حالة عالية من الشعور الاجتماعي لدى الأفراد.
ويمكن القول إن فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هي العنصر الأساس ووالمقوي لجهاز المناعة لدى الفرد والأُمّة المسلمة لأنها عملية تطهير ائمة وتدعيم دائمة للقيم والعقيدة والشريعة الإسلامية.
3- تقويم مناعة الأُمّة:
لا شك في أنّ الإنحرافات السلوكية والثقافية والفكرية في بنية الفرد والأُمّة الإسلامية تشكل مواطن هشة في البنيان الفردي وكذلك في بنيان الأُمّة. وبالتالي فإنّ هذه الإنحرافات تشكل نقاط ضعف وثغرات يمكن تسلل الأعداء من خلالها. حيث إنّ الإنكباب على الدنيا ومغرياتها سيشكل وسيلة يمكن جر الأفراد والمجتمعات من خلالها إلى السقوط والإستعباد. فتأتي عملية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لتعزز مناعة الفرد والأُمّة من خلال الحفاظ على تماسك البنيان الإيماني للفرد والأُمّة بما يشكل قوة للأفراد والأمة في وجه هجوم الإاراءات التي تريد إستدراج أبناء الأُمّة والأُمّة من خلال إفرادها إلى مستنقع التبعية والإذلال.
فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يعملان على تحرر الأفراد وكذلك المجتمع الإسلامي من عبودية الأهواء إلى فضاء حرية الإرادة.
عن أمير المؤمنين (ع) "من أمر بالمعروف شد ظهور المؤمنين.."، وبالتالي فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يعملان على تقوية وتثبيت البنى التحتية للأفراد، والمجتمع فهما يشكلان عملية صيانة وحماية للجبهة الداخلية للأُمّة والفرد.
وإذا كان المقياس الأساسي لحياة الأفراد والأُمم هو قدرتها على الفعل ومواجهة الفعل برد فعل قوي يدفع الأخطار وإذا صح التعبير "الميكروبات والجراثيم"، فإنّ الأجسام التي لا تبدي ردة فعل تجاه الطارئ من الملوثات هي أجسام ميتة.
وعليه ففرضية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مؤشر حياة الأفراد والأمم ودورها تحويل الأفراد والمجتمع من محل لفعل الآخرين إلى فاعلين وبالتالي إحياؤهم.
عن أمير المؤمنين (ع): "من ترك إنكار المنكر بقلبه ويده ولسانه فهو ميت بين الأحياء".
فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يشكلان عاملاً أساسياً في الحفاظ على شخصية الأمة وتماسك هذه الشخصية وقوتها ومؤثريتها وفاعليتها.
توحيد المجتمع الإسلامي: إنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يشكلان فقط عاملاً في الحفاظ على شخصية الأُمّة، بل يشكلان إضافة إلى ذلك العنصر الأساسي في وحدة المجتمع والأُمّة الإسلامية.
وقد أشرنا سابقاً إلى كونهما يشكلان حافظاً لمنظومة القيم التي تشكل البنية التحتية لشخصية الفرد والأُمّة التي بها تمتاز وتتميز عن غيرها وهو ما يؤثر في بناء وصيانة الوحدة.
فوحدة الخلفية الثقافية والفكرية والعقائدية تشكل أساساً ومدماكاً حوله يبتني الاجتماع بين أبناء الأُمّة. هذا من جهة، ومن جهة ثانية فهي رابط وثيق يصعب حلّ عراه لتفكيك هذا البنيان، قال تعالى: (فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا) (البقرة/ 256).
فهذه الفريضة تعمل على تمكين هذا الإيمان في النفوس. وللأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دور في صياغة وصناعة شخصية الأُمذة، كما أن هلما دوراً في الحفاظ على تماسك هذا البنيان، ولأنّ الوحدة تحتاج إلى أكثر من وحدة الخلفية الثقافية والعقائدية بل تحتاج إلى تعزيز الروابط الإنسانية، وقد أشار تعالى إلى هذا الأمر بالقول: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) (التوبة/ 71).
فالآية إشارة إلى نوع العلاقة التي تشد أواصر مجتمع المؤمنين وأسماها الولاية "بعضهم أولياء بعض" ثمّ أشار إلى الخلفيات التي تشكل عناصر بناء هذا اللون من العلاقة بأمرين: أحدهما الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والثاني الإيمان.
4- حماية إنجازات الإسلام العظيمة:
كما تتعرض الأُمم ومنها الأمّة الإسلامية إلى غزوات خارجية تسقطها وتجعلها تحت سلطان الآخرين فتخرب بنيان حضارتها العمراني وربما بنيانها الثقافي والإنساني والديني، كذلك قد يتخذ الغزو شكلاً آخر غير الغزو العسكري المباشر كأن يكون غزواً ثقافياً عبر بث الدعايات المروجة لفكر ما أو التشكيك بعقائد وقيم ودين الأُمّة لتحل محلها قيم الغازين أو لتقود إلى انحلال الأُمّة، وبالتالي فإنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وسيلة لها دور في مواجهة الغزوات بكل أنواعها وتحفيز الأُمّة لمواجهتها ونظم طاقاتها في صراعها مع مخربي حضارتها.
- خُلاصة:
خلاصة ما يمكن أن يقال: إنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لهما دور حيوي في بناء وحفظ وصيانة جمال الأُمّة الإسلامية وجلالها، ولهما دور في تكوين شخصية الأُمّة ورسم ملامحها الجميلة والحفاظ على هذا الجمال، ولهما دور في حفظ جلال الأُمّة وقوتها ووحدتها وصناعة منعتها وعزتها.
فهي عملية بناء دائمة لشخصية الفرد والأُمّة، وهي عملية عناية دائمة بالفرد والأُمّة وهي عملية ترميم دائمة لما يصيب بناء الفرد والأُمّة من تشوهات وغير ذلك ولذا علق الله خيرية الأُمّة الإسلامية وصدارتها للأمم وكونها قبلة وقدوة الأُمم بجملة من الأمور منها بقاء هذه الفريضة حيّة.
(كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) (آل عمران/ 110).
فجمال هذه الأُمّة وجلالها هما ببقائها خير الأُمم آمرة بالمعروف ناهية عن المنكر في داخلها ومع نفسها وأبنائها ولغيرها من الأمم لا لتكون آية الجمال والجلال، بل لتكون مصدر الإشعاع بين الأُمم يفيض النور ويمنح الجمال للبشرية كافة، فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر له أثر يعم الإنسانية، وهذا ما نفهمه من قوله تعالى: "أخْرِجَتْ لِلنَّاسِ".
إنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عملية حيوية ترمي إلى الحفاظ على بقاء القيم حية في نفوس الناس وإبقاء جميلها جميلاً وقبيحها قبيحاً. وبالتالي فهي تشكل ممارسة عملية لحماية منظومة القيم التي يتبناها الإسلام في وجه ما قد يعتريها من تشوه أو إندثار.
إنّ فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إضافة إلى كونها حامية للقيم وصائنة لها، تشكل عملية تنموية للجوانب الثقافية والتربوية وغيرها حيث تعمل على رفع مستوى الفهم للشرع والعقيدة والمفاهيم الإسلامية هذا من جهة ومن جهة أخرى فهي باعث على تطوير وتنمية أساليب التثقيف والتبليغ.
إنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة تفترض حالة من الشعور بالمسؤولية لكل فرد من أفراد الأُمّة تجاه صلاح أبناء الأُمّة ومجتمع المؤمنين ودولة الإيمان، فوحدة الخلفية الثقافية والفكرية والعقائدية تشكل أساساً ومدماكاً حوله يبتني الإجتماع بين أبناء الأُمّة. هذا من جهة ومن جهة أخرى هي رابط وثيق يصعب حلّ عراه لتفكيك هذا البنيان، قال تعالى: (فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا).►
المصدر: كتاب (حياة المجتمع/ سلسلة الدروس الثقافية)
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق