تعتبر الاستقامة الجانب التطبيقي للإيمان بالعقيدة الإسلامية، فالإيمان هو الجانب النظري ولا يصحّ إلّا باقترانه مع الاستقامة. ومعنى الاستقامة اتّباع مبادئ الدين الحنيف في الحياة الدنيا، من قول وعمل، فيقوم المسلم بكلّ ما أمره الله تعالى، وينتهي عن كلّ ما نهى عنه، كالبحّار الذي يقود سفينته إلى شاطئ الأمان معتمداً البوصلة التي ترشده إلى الطريق الصحيح. وميزان العمل في الإسلام هو ما جاء به القرآن الكريم من أحكام وشرائع، وما جاء به الرسول من حديث شريف وسُنّة مطهّرة، ومن هنا يمكننا اعتبار الاستقامة أنّها التمسك بكتاب الله تعالى وبسنّة نبيّه محمّد (ص) وآله الأخيار، والتمسك بكتاب الله يعني العمل بمقتضاه وبكلّ ما جاء فيه من عقيدة وعبادات وشرائع وأحكام وأخلاق فاضلة، وتصبح كلّ الأعمال التي يقوم بها المسلم في سبيل الله، لنَيْل مرضاته، فيحبّ في الله ويكره في الله، ويفكِّر في الله. لا يضر ولا يؤذي أحداً، بل يعامل النّاس بالحسنى وينفعهم ويخدمهم، ولا يخاف في الله لومة لائم. ويحقّ للإنسان المسلم أن يتساءل: ما هي النتيجة التي أحصل عليها من جراء هذا التمسّك بكتاب الله وسنّة رسوله وآله؟ أو بمعنى آخر ما هي نتيجة الاستقامة التي نطالب بها؟ وللإجابة على هذا السؤال نعود إلى كتاب الله تعالى ذاته فهو الذي يجيبنا الإجابة الصادقة الصحيحة. يقول الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (الأحقاف/ 13-14)، وهذا يعني أنّ المسلم يؤمن أنّ الله تعالى هو ربّه الذي يعبده وليس المال أو الجاه أو أيّ مخلوق من المخلوقات، وأنّه لا يُشرك بربّه أحداً في عبادته. هذا المسلم عندما يستقيمُ، ويسير على خُطى الإسلام، لا خوف عليه من أن يضِل أو يذلَّ أو يجهل أو أن يغويه الشيطان ويزيّن له متاع الحياة الدنيا وبهرجها، لا خوف عليه لأنّه يهتدي بنور الله الذي لا يضل من اهتدى به، ولا هو يحزن أبداً، وكيف يحزن من كان الإيمان يغمر قلبه ويملأ عليه حركاته وسكناته، كيف يحزن من يؤمن بالقضاء والقدر ويرضى بحكم الله العادل!؟ كيف يحزن من إذا أصابته حسنة شكر وإذا أصابته مصيبة صبر؟ كيف يحزن من يرى أنّ هذه الحياة الدنيا ليست سوى دار عبور، دار تزوّد بالتقوى أي بما يتقي به الإنسان نار جهنهم ويبعده عنها، وبما يؤهّله لدخول جنّة عرضها السماوات والأرض أعدّت للمُتّقين؟ أنّ النتيجة الحتمية التي بشّر بها ربّ العالمين عباده المخلصين المؤمنين هي الخلود في الجنّة جزاء بما كانوا يعملون، هذا ما وعد الله به عباده عندما قال لهم: (وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) (فصّلت/ 30).
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق