• ٢٦ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ٢٤ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

الحسد في القرآن الكريم

د. جليل علي

الحسد في القرآن الكريم

◄(أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) (النساء/ 54).

(وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ) (البقرة/ 109).

وقال رسول الله (ص):

"الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب".

وقال أيضاً:

"كان الحسد أن يغلب القدر".

وقال الإمام الباقر (ع):

"إنّ المؤمن ليغبط ولا يحسد، والمنافق يحسد ولا يغبط، والغبطة هي ان تتمنّى لنفسك مثل ما لأخيك من دون أن تتمنّى زوال نعمته".

وقال الإمام الباقر (ع):

"إنّ الحاسد مضرّ بنفسه قبل أن يضر بالمحسود، كابليس أورد بحسده لنفسه اللعنة، ولآدم الإجتباء والهدى والرفع إلى محل حقائق العهد والإصطفاء".

والحسد هو تمنّي زوال نعمة الغير، هذا هو الحسد، وذمّه والنهي عنه، وترفّع النفس عن مثل هذه الأعمال الشيطانية، أمر واجب عقلاً وشرعاً.

وقد ورد عن الرسول الأكرم (ص) انّه قال:

"ثلاثة لا ينفك المؤمن عنهن: الحسد، والظن، والطيرة".

ثمّ قال:

"وله منهنّ مخرج. إذا حسدت فلا تبغ، وإذا ظننت فلا تحقق، وإذا تطيرت فامض".

والمقصود بعدم البغي عند حصول حالة الحسد هو الّا يصدر من الحاسد أي عمل أو قول يراد منه الضرر بالمحسود وإزالة نعمته التي حسد عليها.

"الصحيح ان تحمّل أمثال هذه الأخبار على ما يكون فيه ارتياح النفس بزوال النعمة، طبعاً مع كراهة له من جهة العقل والدين، حتى تكون هذه الكراهة في مقابلة حب الطبع إذ أخبار ذم الحسد تدل بظاهرها على ان كّل حاسد آثم.

والحسد عبارة عن صفة القلب، لا عن الأفعال الظاهرة، وعلى هذا المذهب لا يكون آثم على صفة القلب بل انما يكون على مجرد الأفعال الظاهرة على الجوارح، ثمّ أنّ الأحوال المتصورة لكل أحد بالنسبة إلى أعدائه ثلاثة:

الأولى: أن يحب مساءتهم ويظهر الفرح بلسانه وجوارحه، أو يظهر ما يؤذيهم قولاً أو فعلاً، وهذا محظور ومحرّم قطعاً وصاحبه عاص آثم جزماً.

الثانية: أنْ يحب مساءتهم طبعاً ولكن يكره حبه لذلك بعقله، ويمقت نفسه عليه، ولو كانت له حيلة في إزالة ذلك الميل لأزاله، وهذا معفو عنه وفاقاً وفاعله غير آثم اجماعاً.

الثالثة: وهي ما بين الأوليين أن يحسد بالقلب من غير مقته لنفسه على حسده ومن غير انكار منه على قلبه، ولكن يحفظ جوارحه عن صدور آثار الحسد عنها، وهذا محل الخلاف".

وتتجلى سماحة الشريعة الإسلامية في رفع الحسد عن الأُمّة، أي رفع الإثم، على الحالة النفسية التي تحصل في نفوس أكثر الناس دون أنْ يصدر منهم شيء من الأفعال المترتّبة على انفعالاتهم النفسية، فلو لم يكن رفع الإثم هذا لكان أكثر الناس معاقبين على الحالات النفسية التي لا حيلة لهم على ردّها، وعدم حصولها في نفوسهم، وانّ الرواية الشريفة التي ذكرت عدم انفكاك الحسد عن المؤمن، وكونه حالة تكاد تكون ملازمة للنفس، ذكرت المخرج من وزر الحسد واثمه بالّا يصدر من المؤمن أي بغي ضد المحسود، ولا أي عمل أو قول يريد به إزالة النعمة عنه.►

 

المصدر: كتاب الشريعة السمحاء

ارسال التعليق

Top