◄يقول تعالى: (.. وجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وقَبَائِلَ لِتَعارَفُوا...) (الحجرات/ 13)، دين الإسلام هو دين الناس كافة، وهو الدين الذي يُراعي مصالح الإنسان، مادامت متوافقة مع ضوابط الشرع الحنيف. ولذا عاش الناس في ظله في سلام وأمان لعقود طويلة، بقي فيها التعايش السلمي بين الناس هو المظلة التي تجمع المسلمين وغير المسلمين، وفق ضوابط وقيم تدور في ظل نظام يحترم الإنسان ويقدّره.
الإسلام هو دين التعايش السلمي بين الشعوب، وهو الذي يحث على حفظ كرامة الإنسان، ويحرص على احترام حقوق المسلم وغير المسلم، في منهجية قائمة على العدالة والمساواة، واستيعاب جميع البشر ضمن مبادئ إسلامية رفيعة. وفي بيان نظرة الإسلام إلى التعايش بين الشعوب، وجانب من المبادئ الرفيعة التي يحث على التحلي بها، وصولاً إلى تحقيق تلك الغاية الإنسانية النبيلة، يتحدث الدكتور سيف بن راشد الجابري.
ويستهل حديثه موضحاً أن رسالة الإسلام تقوم على نشر ثقافة وسطية، قائمة على الحكمة والموعظة الحسنة، وذلك من خلال المحافظة على الوصايا الربانية الداعية إلى إيضاح حقيقة دين الإسلام الذي يحث على تحقيق الحياة الكريمة، من خلال المحافظة على الحرِّية العامة للناس كافة بلا إضرار ولا إثارة للشهوات، وعلى التعايش السلمي بين سائر فئات المجتمع خضوعاً لقول الحق سبحانه وتعالى في (سورة الحجرات الآية 13): (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)، وفي شرح الآية الكريمة نجد أن قوله تعالى (يا أيها الناس) هو نداء بصيغة العموم للبشر كافة دون النظر إلى ما هم عليه من دين، وقد خاطب فيه الواقع الحقيقي للناس دون تمييز. وأما قوله تعالى (إنّا) أي نحن الله القادر الخالق الواجد المُحيي المُميت، الذي بيده مقاليد السماوات والأرض. (خلقناكم من ذكر وأنثى) أي نفخنا فيكم الروح من بعد اكتمال فترة التخليق، وهذا الخلق أنا الذي اخترته لكم، وأجعل منكم ذكراً وأنثى، وأنا المتصرف في هذا التكوين والتخليق. (وجعناكم شعوباً وقبائل) أي بشراً لكم عاداتكم وتقاليدكم وأحوالكم وأشكالكم وألوانكم. وهذه الفروق وهذا التنوع في الثقافة والخلق يؤديان معنىً لابدّ منه وهو قوله تعالى (لتعارفوا) أي لتتعايشوا وتتزاوجوا وتعملوا معاً. والفاصل في التفاضل يوم القيامة، يوم يرجع الناس كلهم لرب العالمين، فهذا التفاضل أشار إليه الله تعالى بقوله (إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم) أي خيركم يوم القيامة مَن اتقى الله عزّ وجلّ، أي خاف الله تعالى في القيام بحقه وبحقوق العباد، ورحم أخاه الإنسان فلم يظلمه ولم يحقره، ولم ينصب له العداء أو يظلمه في حقه، ولم يقع في ماله أو أرضه أو عِرضه.
*حفظ كرامة الإنسان:
هناك الكثير من الشواهد التي تدل على أنّ الإسلام هو دين العدالة والمساواة والتعايش السلمي بين الشعوب، وهو الذي يحث على حفظ كرامة الإنسان، وأن يكرم أبناء الإنسانية بعضهم بعضاً، قال رسول الله (ص): "الناس بنو آدم، وآدم من تراب". ويقول سيدنا محمد (ص): "لا فضل لعربي على عجمي، ولا عجمي على عربي، ولا أحمر على أسود، ولا أسود على أحمر إلا بالتقوى". وعلى هذا الأساس فإنّ الإسلام، ديناً ومبادئ، له سياسته الداخلية والخارجية التي يعيش في ظلالها الناس جميعاً، لاسيما وهي تركز في تعاملاتها على حفظ كرامة الإنسان، واحترام حقوق المسلم وغيره، وهذه السياسة مبنية على العدالة والمساواة.
*أصل الفطرة:
بناء على ما تقدم يمكن القول إنّ الناظر في قاموس الحياة بعين الحقيقة ونفي الذات، وبالرجوع إلى أصل الفطرة يجد مسألة مهمة للغاية، وهي أن فطرة الناس السوية التي خُلقوا عليها لا تخلق المشاكل أو التباعد بين الشعوب، لأنّها نداء الوجدان إلى المحبة والراحة والسعادة التي لا تتم إلا بالتعايش السلمي بين الناس. إنما تأتي العداوة من طغيان الهوى، قال تعالى في (الآية 26 من سورة ص): (يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ...). أما إذا بقي الإنسان على الفطرة فهو يحب التعايش السلمي، والفطرة كلها خير. لذلك يقول الحق سبحانه في (الآية 30 من سورة الروم): (.. فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ).
وعن هذه الفطرة يقول رسول الإسلام والسلام، سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين وسيد الأولين والآخرين (ص): "كل مولود يولد على الفطرة.."، أي أن دين الإسلام هو دين البشر كافة منذ أن خلق الله تعالى آدم (ع) حتى قيام الساعة. ولهذا الحديث دلالة عظيمة، وحقيقة واقعة موجودة في أصل الإنسان، ألا وهي أنّ الإنسان إذا تُرك لفطرته من دون مؤثرات خارجية وثقافات تُملى عليه، فإنّه سيختار الطريق الذي يوصله إلى الله تعالى الذي خلقه وأوجده، وأمره بأن يعيش في سلام مع غيره من الناس دون فروق أو تعديات. ولذلك علّم النبي الكريم (ص) الأُمّة مَن هو المسلم الحق، ومن هو المؤمن بالله تعالى، فقال: "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم".
*سلام وأمان:
بما أنّ الإنسان همه أن يعيش سعيداً، فإن رسالة السلام والإسلام كفيلة بتحقيق هذه السعادة، وقد جسّد سيدنا محمد (ص) مفهوم الحياة السعيدة، وأفهمه للبشرية، فقال (ص): "من أصبح آمناً في سربه، معافى في بدنه، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها".
لقد أسس سيدنا محمد (ص) قيم السعادة والسلام النفسي للناس كافة، فكل إنسان في حاجة إلى هذه الأصول الثلاثة، وهي الصحة، والأمان، والغذاء، فيُخبر (ص) أنه من حاز هذه القيم كأنما حاز الدنيا كلها، لأنه مهما مَلك من الدنيا لا يستغني عن هذه الثلاثة، ولكن إذا فقد واحداً منها فقد السعادة وراحة البال اللتين تعكسان حياته تجاه الآخرين، وتنعكس عليهما معاملاتهم التي تتسم بالسلام والأمان، الذي يسمى التعايش السلمي بين الشعوب.
*تبسُّمك في وجه أخيك:
نظراً لأهمية هذا التعايش من منظور الإسلام، أشاع رسول الله (ص) لغة الحب والوئام والألفة والود بين الناس، والتي تتمثل في قوله (ص): "تبسّمك في وجه أخيك صدقة".
يقول العلماء إن كل وجه يحمل خلفه متاعب الحياة، والإنسان إذا نظر إلى أخيه في الإنسانية والدين، وتبسّم في وجهه، أدخل عليه السرور وأذهب عنه الحزن، ولو لفترة قصيرة. المهم أنه تبسّم وأنه كان السبب في إظهاره الفرح، لذلك ينال الأجر والثواب، لأنه خفف من أحزان الآخر الذي هو أخوه في الإنسانية وأظهر له الود. فينتج عن ذلك التعايش السلمي بين الشعوب، الذي هو أصل التنمية البشرية، التي ينبغي أن نحافظ عليها لتنعم الشعوب كافة بالأمن والأمان، من خلال التراحم والتكافل الاجتماعي العام، تحقيقاً لقول الرسول (ص): "ارحموا مَن في الأرض يرحمكم مَن في السماء".►
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق