◄من الأسس الهامة التي تقوم عليها الأخلاق الإسلامية مسألة التكافل في التعامل مع الثروة والإنفاق، وفي موقفي السّراء والضرّاء. فالمجتمع في الإسلام يقوم على أساس من تكامل أبنائه في بوتقة تصهر طاقاتهم، وتوحّد أهدافهم وحتى مشاعرهم قدر المستطاع، فيصبحون كالجسد الواحد، أو كالبنيان يشدّ بعضه بعضاً، فلا فردية ولا حب للذات ولا أثرة.
وإذا كان توزيع الثروة هو من مظاهر تطبيق هذه القاعدة حيث يطغى في بعض المجتمعات أحياناً قانون الاستئثار بالمال دون الآخرين، فإنّ الأخلاق الإسلامية في التعامل مع الثروة تقوم على موضوع التكافل وعدالة توزيع الثروة، ولهذا فرض الله تعالى على أغنياء المسلمين بالقدر الذي يسع فقراءهم، فوصفهم: (وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) (المعارج/ 24-25).
إنّ تطبيق قاعدة التكافل بالإنفاق تحتاج إلى إعداد الأفراد في المجتمع إعداداً سليماً يحملهم على تطبيقها دون عناء كبير؛ أي بحيث ينطلق الإلزام الخلقي فيها من الذات دون السلطة وهذا لا يتحقق إلّا بتربية الناشئة على الأخلاق الدينية التي تربط هذا التكافل بالسبيل إلى الفوز بالسعادة الأخروية وتتوعد من لم ينفذه بالعقاب. فلقد جاء عن الإمام عليّ (ع): "إنّ الله فرض على الأغنياء في أموالهم بقدر ما يكفي فقراءهم، فإن جاعوا أو عروا وجهدوا فبمنع الأغنياء. وحقّ على الله تعالى أن يحاسبهم يوم القيامة ويعذّبهم عليه".
إنّ الضرورة العصرية تفرض علينا أن نركز في بنائنا المجتمعي العربي والإسلامي على هذه القاعدة لأنّ المستوردات الثقافية من مشرق العالم ومغربه، ومن كلّ الأفكار الدخيلة تقوم على أساس مادي يكاد يفسد على المسلم دينه وأخلاقه وروابطه مع الجماعة، لا بل تكاد تفسد علاقته مع ذاته حيث نلاحظ التناقض بين معتقده وعمله، وبين مفهومه وسلوكه. ولذلك من المفيد أن نعلم بأن أيّة عملية بناء لا تقوم إلّا عندما نبدأ من الإنسان الذي يعدّ الثروة الحقيقية التي تساعد على النهوض والتقدم، فالمادة مهما نمت تبقى تكديساً كمياً أما التشكيل الثقافي للإنسان، وإخضاع الاقتصاد لهذا التشكيل وفق قاعدة التكافل التي فرضها الدين فهو مفتاح الحضارة الحقيقية.
إنّ الحل لمشكلة طغيان المفهوم المادي المستورد في أمتنا العربية وعالمنا الإسلامي: "هو من خلال الروح الإسلامية – الاقتصادية، روح تعمير الأرض، والعدالة بين الجميع، وتوفير الحياة الكريمة للجميع، وذلك يقتضي فتح باب الاجتهاد لوضع الأفكار الأصيلة المراعية للقدرات المتوفرة، وللقيم التي تشكل عناصر الثقافة في المجتمع، وإذا ما تهيأ الجو الثقافي – الاقتصادي سيحدث ذلك حشداً منظماً من الجهود البشرية التي تجعل كلّ الأفراد في حركة مستمرة، كلّ في مجاله يستفيد كلّ ما في يده في مسيرة البناء التقدمي".
نخلص إلى القول: إنّ تطبيق قاعدة التكافل الاجتماعي في توزيع الثروة بما يضمن تطبيق قاعدة الاستخلاف في الأرض تولد مفهوماً أخلاقياً إنساني الطابع والتوجهات يلفظ التعلق بالمادة على حساب تكريم الإنسان وهذا يقود إلى النهضة المرجوة في عصرنا الحاضر.►
المصدر: كتاب الأخلاق في الإسلام والفلسفة القديمة
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق