معظم الأزواج يؤثرون التضحية والاستمرار وآخرون يفضلون الانفصال
يقول الأديب الفرنسي أنطوان دوسان أكزوبيري: "وحده القلب يبصر جيِّداً، فالأمور المهمة لا تراها العين". عبارة تشير إلى أنّ الحب يحمل الحبيب على جناحيه، ويطير به إلى سماء يرسمها بفكره، متخلياً عن تفاصيل كثيرة، يتوهم أنها في منال اليد، وآتية في الطريق إليه لا محال، لكن لسبب أو لآخر، ينكسر به الجناحان ويقع من سمائه، ليجد أن من اختاره قلبه في الحياة، لا يتوافق مع الأحلام والطموحات. عندها يُدرك أنه اختار الشخص الخطأ. ماذا عنك أنت؟ ماذا تفعل حين تكتشف بعد سنوات من الزواج أنك تزوجت الشخص الخطأ؟
هو بنى حبه على افتراضات طبيعية، رأى أن يتزوجها مراهناً على أنها ستكون أماً حنوناً. أما هي، فبنت قصور أوهامها على رمل مشاعرها التواقة للارتباط به، ووعدت نفسها بأن عريسها هو أكثر الرجال طموحاً. بعد سنوات من الزواج، يجد نفسه متزوجاً بامرأة تخلت عن مهام أمومتها لخادمتها، بينما تُصدم هي باستسلام زوجها لوظيفة عادية لا تقدم في حياتهما ولا تؤخر. ماذا حصل للأحلام التي بناها الهوى فطارت في الهواء إلى العدم؟ فماذا يفعل الأزواج بعد سنوات ارتباط، فعل الزواج بهم ما فعل، وكشف عن استحالة ما طمحوا إليه وراهنوا عليه؟ كيف يتصرف أي من الشريكين في لحظة إدراكه أنّه تزوج بالشخص الخطأ؟
- محاسبة:
يأتي ربيع بكرسي، يضعه بقرب الكنبة التي تتمدد عليها زوجته، يواجهها معلناً بدء نقاش بينهما، فتبادر زوجته دانية إلى التعليق: "أرجوك لا أريد شجاراً جديداً". يجيبها ربيع بهدوء: "وأنا أيضاً لا أريد الشجار، ولكن إلى متى أبقى صامتاً عن جريمة ترتكبينها في حق الولدين؟". "جريمة أرتكبها؟ أنت مجنون"، ترد دانية عليه بصوت متحشرج النبرة. "لقد سلمت وظيفتك كأم إلى الخادمة. هي تنظف وتطهو، وتطعم الولدين وتلبسهما ملابسهما، تساعدهما على استقلال باص المدرسة صباحاً، وتستقبلهما بعد الظهر. وأنت.. ماذا تفعلين أنت؟ أي نوع من الأُمّهات أنت؟ أليست عندك ذرة حنان تجاه ولديك؟ ألا تشعرين بالأمومة على غرار غيرك من النساء؟". يصمت ربيع معلقاً نظره في سقف غرفة الجلوس، يشعر بارتجاف يديه، كم يعي في هذه اللحظة غلطته الفادحة، يفكر: "كيف تزوجت بامرأة مجردة من شعور الأمومة، أسمى شعور وهبه الله لها؟ أحقاً كنت بهذا الغباء؟ ولماذا أستمر معها، ما دامت غير موجودة فعلياً لتأسيس عائلة صالحة؟". سؤال يدور في خلد ربيع، بينما تنظر زوجته إليه بحنق، وتفكر بدورها بصوت عالٍ، متجاهلة وجوده بقربها: "أنت أيضاً خالفت توقعاتي، توهمت أنك أكثر الرجال طموحاً على وجه الأرض، وها أنا أجدك سخيفاً ومتواضعاً وخنوعاً، تقبل بالفتات الذي يرميه إليك مديرك. كيف تتجرأ وتحاسبني الآن على دوري كأُم بعد مُضي 8 أعوام على زواجنا؟". يعيد ربيع كرسيه إلى مكانه، يتحاشى النظر إلى زوجته، فتفهم أنّه سمع كل كلمة فكرت فيها. تحني رأسها بانكسار وتتمتم: "كيف تزوجتك؟". في هذه الأثناء يغلق باب البيت على جملة أخيرة، بلا شك وصل صداها إلى آذان الجيران: "لعن الله الساعة التي تعرفت فيها إليك".
- رهان:
"لم يغصبني أحد على الزواج به، لقد أحببته بجنون، وتصورت العالم وردياً في حضوره، ورسمته الشموع كلما اجتمع بي، ويهديني الورود باقات وباقات في مناسبة وغير مناسبة".
تدمع عينا مارلين (مدرسة لغة عربية، متزوجة منذ 7 أعوام ولديها طفلة وحيدة) تحاول أن تجمع شتات تلعثمها، تتفوه بتردد وعصبية: "شهور قليلة بعد الزواج كشفت لي عن حقيقة أردت تجاهلها واللفت من حولها". تضيف: "زوجي عملي بامتياز، لا يأتي بالورود ولا يُضيء الشموع في طريقه إليّ. شعور ظل مع سنوات زواجنا يفترسني إلى أن استسلمت، واقتنعت بأنّ الرومانسية غير حقيقية، ولا يمكنني رؤيتها إلا في مسلسل مكسيكي أو هندي أو تركي". لم تعد مارلين تحاول إخفاء تلعثمها، تتابع كلامها بهدوء قائلة: "لقد اكتشفت أنني تزوجت الرجل الخطأ، ولكن ليس باليد حيلة، فلديّ ابنة جميلة منه، وأنا راضية بأن أعيش معه لأجلها". شرود مارلين الذي أعقب تعليقها، يشير إلى أمر تريد أن تنطق به، تضيف: "لقد عرفت منذ البداية أنه غير رومانسي، لأنّه لطالما سخر من الرومانسيين والرومانسية أمامي، لكنني راهنت على تغييره مستقبلاً. للأسف رهاني سقط، ويبدو أنني أنا التي تغيّرت".
- حب وحيد:
رهان آخر سقط على عتبة سنوات خمس، هي مدة زواج حسين زبيب (مدير تسويق) الذي يقول: "تزوجتها بعد قصة حب طويلة، حلمت خلالها بأنني اخترت فتاة أحلامي، ووعدت نفسي بشهر عسل يدوم الحياة كلها، إلا أنني في المقابل لم أحصل إلا على غياب متتالٍ، وغرفة نوم خالية من الدفء ووسادة باردة". "كان من الأفضل لكلينا أن ننفصل". يقول حسين متابعاً: "لم أحتمل فترات غيابها المستمرة بسبب عملها مضيفة طيران، ولا قبلت هي بترك مهنتها التي اتضح أنها الحب الوحيد في حياتها". يعيد حسين رأسه إلى الخلف، يتكأ بكوعه إلى الكرسي الذي يجلس عليه، ويلقي نظرة إلى البعيد قبل أن يسترسل بالقول: "تطلقنا منذ 4 أشهر وإلى اليوم لا أعي ماذا حدث بيننا، ما أعيه جيِّداً، هو أنني اخترت امرأة لا تصلح لي".
- مسكّن:
وإذا كانت أغلبية القصص تؤكد أنّ الزوجين وبعد سنوات من الزواج، يفيقان في أحد الأيام، ليجدا أنهما لم يصيبا في اختيارهما. فما الحل إذن؟ هل يتابعان المشوار معاً أم ينفصلان؟ بعفوية شديدة تصرح منى سليم (مهندسة مدنية، متزوجة منذ 32 عاماً ولديها 3 أولاد): "من يكتشف أنّه تزوج بالشخص الخطأ، فليتطلق ويريح نفسه ويريحنا". جملة لم تنطق بها منى، إلا لأنّها مقتنعة بالنتيجة الآيلة إليها علاقة مبنية على الندم والإحباط، توضح: "ما دامت المشكلة قائمة بين الزوجين ولا حلّ لها، فذلك يعني أنّ التهدئة ما هي إلا دواء مُسكن لا يفيد إلا في تأجيل المشكلة مؤقتاً".
وبالعودة إلى الزواج وماهيته، تقول منى: "في الغالب، يعيش المقبلون على الزواج رومانسية حالمة، إنما الحالة هذه سرعان ما يفتر بريقها بعد الارتباط، وتظهر الشخصيات على حقيقتها، فيظهر من هو عصبي ولا يقدر على ضبط عصبيته كما كان يفعل في أيام الرومانسية، والمتسلط يبالغ في تسلطه مستمداً دافعه من الاستقرار الذي يعيشه، وهكذا دواليك". "في هذه الظروف على الشريكين أن يتفهمها عيوبهما، ويتكيفا معها، متسلحين بالحب الذي ربط بينهما"، تقول منى. أما عن نفسها فتقول: "سوف أحاول تفهم زوجي إذا ما اكتشفت يوماً أنني أخطأت في اختياره، ولكن إذا فشلت في إكراه نفسي على الاحتمال، سأطلب الانفصال ولن أؤجل الأمر، لأنّه سوف يحصل عاجلاً أم آجلاً".
- تعايش:
في سياق رده على رؤية منى للموضوع، يرفض أبو عمر سويد (مستثمر، متزوج منذ 13 عاماً ولديه 4 أولاد) رفضاً قاطعاً "الندم على الارتباط بالشخص الخطأ"، ويعلق قائلاً: "مادام الحبيبان تزوجا، فيجب أن يكملا حياتهما معاً، مهما ساء الوضع بينهما. وعليهما تحمل مسؤولية خطوتهما ولو كلفهما الأمر معاناة على الصعيدين النفسي والمعنوي، وهذا لمصلحتهما ومصلحة أولادهما في المرتبة الأولى". ويستعرض أبو عمر في حديثه تجربته الخاصة قائلاً: "لم أشعر نهائياً ولا للحظة، أنني تزوجت بامرأة لا تستحق حبي ووفائي". ويضيف: "بعد سنوات من الزواج، لا تزال زوجتي تحتفظ بالصورة التي أحببتها عليها، وعشرتنا لم تغيرها كما توقعت تماماً".
"الصبر هو مفتاح الفرج، للأشخاص الذين ارتبطوا بالأشخاص الخطأ". يتابع أبو عمر ملاحظاً، ويقول: "الحياة ليست سهلة، ولكن في إمكاننا التعايش معها على طريقتنا. المهم ألا نبني آمالاً كاذبة أو خادعة عن شريك الحياة، وأن نقرر قبل أن نربط حياتنا به، أن شخصيته تتوافق وشخصيتنا". ويضيف خاتماً: "لا أظن أن فتاة تكره الرجل الأصلع ترتبط بواحد أصلع، وإذا فعلت فعليها إذن، التكيف مع اختيارها، فلا تشكو من الأمر لاحقاً".
- مبدأ:
"ما كان أوله شرطاً آخره نور"، مبدأ رسا عليه أشرف عدلى (تاجر، متزوج منذ 15 عاماً ولديه ولدان) ليبني مؤسسته الزوجية، يقول: "أنا أكبر من زوجتي بـ15 عاماً. واشترطت عليها، قبل الارتباط بها، أن نسير بزواجنا "على الحلوة والمرة"، بما يتضمن ذلك من تنازلات ومسايرة، مع مراعاة وضع الأولاد وأهمية تنشئتهم في كنف عائلة حقيقية، مؤلفة من أب وأم مجتمعين في كل الظروف".
وإذ يعود ليتحدث عن تجربة زواجه، يؤكد أشرف بعفوية: "لقد أصبت في اختيار زوجتي، فهي زوجة صالحة ومحبة وأم حنون، وأنا لم أحك حولها الأحلام، بل كنت واقعياً ومازلت". ويذهب أشرف إلى وصف الرجل بشكل عام فيقول: "هناك من يجد أن زوجته لا تفي بمتطلباته، لكون طبيعة الرجل تؤجج شعوره، بأنّه مرغوب من النساء، ويسهل عليه الارتباط بأي امرأة يريدها، الأمر الذي يدفع البعض إلى إقامة علاقات غير شرعية".
يأخذ أشرف نفساً عميقاً قبل أن يكمل كلامه قائلاً: "هذا ظلم للمرأة، ولا أعتقد أنني قادر على ظلم زوجتي، أو التقليل من قدرها، مثلما يفعل غيري من الرجال بنسائهم. وفي المقابل، أؤكد أنني لن أكون سعيداً، لو اكتشفت هي أنها اختارت زوجاً يخذلها في الحياة".
- خيبة أمل:
في رأي يحمل الكثير من الرفض لمبدأ الاستسلام لواقع غير مرغوب فيه، تقول سلام حماش (ربة منزل، متزوجة منذ 27 عاماً) إنّه "في مجتمعنا العربي، يُطلب من الزوجة أن تسكت وتصبر، مهما كان كابوسها كبيراً". لكنها تؤكد أنّ "الأمر يختلف بالنسبة إليها، لافتة إلى أنّها إذا راهنت على زوج وخاب أملها فيه، تتركه فوراً".
تسرح سلام بفكرها بعيداً قبل أن تتابع بقولها: "من يدري؟ فلو كنت أحب زوجي بشدة، ربما كنت تابعت مشوار الحياة معه، شرط أن يقدر لي الأمر، ويحاول أن يسايرني في أمور كثيرة أطلبها منه". وتضيف: "في رأيي أنّ الزوجين يكتشفان بعضهما في بداية الزواج، والمسألة لا تتطلب سنوات لاكتشاف العيوب غير القابلة للتحسين". وتختم بصوت جاد: "أنّ المسألة حساسة جدّاً، والنصيحة قد تنفع مع البعض وليس مع الكل. وأنا قلت شخصياً كيف أتصرف لو عشت هذه التجربة، ومن يرى أن كلامي ينفعه في حياته الزوجية، فليأخذ به".
- احتواء:
من ناحيته، يرى دلير كمال خالد (صاحب شركة، ولديه ولدان) أنّه "يجب على الزوجين أن يحاولا إصلاح الأمور في ما بينهما، في حال اصطدما بواقع غير الذي توقعاه". ويضيف: "هذه النصيحة هي التي أعتمدها في حياتي"، ويقول: "لكن، إذا وضعت في رأسي أن زوجتي لا تصلح لي، فسيكون آخر المطاف بالنسبة إلى علاقتنا". لكن دلير لا يبدو متمسكاً بهذا القرار الجازم والحازم، كونه يعقب ناصحاً "بضرورة تناول الزوجين لاحتواء بعضهما". ويقول هنا: "أدعو المرأة بشكل خاص إلى أن تلعب هذا الدور بالتحديد، وأن تتعقل وتستخدم حكمتها لتلحق بزوجها وبشخصيته، لكي تسعده فيسعدا بحياتهما". ويتذكر دلير أن يضيف نصيحة أخرى، فيقول: "من الضروري أيضاً أن يتوقف الزوجان عند لحظات السعادة التي عاشاها خلال علاقتهما، بدل استعادة الذكريات البشعة والمحبطة والمسيئة إلى استقرارهما".
- تضحية:
"الحوار والنقاش هما الوسيلة الأجدى" في رأي تمارا خوروزيان (موظفة تأمين، متزوجة منذ 11 عاماً ولديها ولد وحيد)، حيث تصرّ تمارا على القول: "لو اكتشفت شخصياً أنني تزوجت برجل لا يناسب طموحاتي، لشجعته على التقدم في الحياة والمثابرة ليرضي نفسه ويرضيني، ونكون فخورين به في العائلة، وذلك باستخدام فن الحوار، وحجج الإقناع والمنطق". تبتسم تمارا ابتسامة لم نفهم معناها وهي تمضي في حديثها معلقة: أحاول أن أغيره إلى الأحسن، وإذا عجزت عن تغييره، أحاول أن أتأقلم مع شخصيته من خلال تغيير نفسي". ثمّ تضيف باستسلام: "في النهاية، على المرأة أن تحرص على بيتها فلا تهدمه على رأسها، خصوصاً إذا كان لديها أولاد. التضحية هي المطلوبة دائماً في مثل هذه الظروف، عن نفسي كنت قدمتها بسعادة، ولا أعرف إذا كانت نساء غيري مستعدات لفعل ذلك".
- الحل الأخير:
يختلف الموضوع بالنسبة إلى الدكتورة هناء هندو (طبيبة أطفال، متزوجة منذ 40 عاماً ولديها 3 أولاد) بحسب الأسباب والظروف، تقول: "لو اكتشفت بعد سنوات من الزواج أنني اخترت الرجل الخطأ، عليَّ أن أدرس الوضع والسبب والظروف التي أنا موجودة فيها. بعدها، أصلي لله أن يساعدني على تجاوز هذه المحنة، أي أنني سوف ألجأ إلى تعاليم الدين وما تمليه عليه في هذه المسألة، وأجبر نفسي على الاحتمال قدر المستطاع". من ناحية ثانية، لا تنكر هناء أنها إذا رأت أن الوضع سيئ جدّاً "فربما يكون من الأفضل لي ولزوجي أن يسير كل منا في طريق. وهذا بالتأكيد سوف يكون الحل الأخير لنا، في حال لم يستطع أحدنا التكيف مع ما اكتشفه في الآخر".
- خبرة الأهل:
"اختياري لزوجتي كان صائباً بنسبة مئة في المئة" جواب يختصر به محمد سويد (أستاذ علوم كمبيوتر، متزوج منذ 4 أعوام ولديه ابنة وحيدة) تجربته بالزواج، لافتاً إلى أنّ "الشخص قد يشعر بأن اختيار شريكه غير صائب، حين تبدأ المشكلات بينهما. وفي الواقع أنا لم أشعر بذلك مع زوجتي يوماً".
أهم ما يجب أن يرتكز عليه الزوجان في علاقتهما الزوجية، بحسب محمد "هو أن يمشي كل منهما إلى نقطة وسطية يلتقيان عندها". مؤكداً أن "عليهما تقديم بعض التنازلات، فلا يفرض أحدهما كلمته على الآخر". ويكمل: "كما يجب ألا يبنيا توقعاتهما على الأوهام، يعني يجب ألا تحلم الزوجة بأن زوجها رجل خارق، بل أن تتعامل معه على أساس أنّه من هذه الأرض وليس من كوكب آخر". ويضيف: "في المقابل، عليه هو أن يقبلها على ما هي عليه، من دون أن يرسم في خياله صورة المرأة المثالية كاملة الأوصاف، فنحن بشر وبعيدون عن الكمال بُعد الشمس عن الأرض".
ويختم قائلاً: "يا حبذا لو تدخل الأهل في مسألة اختيار الشريك لولدهم أو ابنتهم، لأنّهم على دراية وخبرة أكثر من الجميع في هذا الشأن، وهم يستندون غالباً في اختيارهم إلى صفات أساسية وضرورية، مثل البيئة والمستوى الثقافي والاقتصادي والاجتماعي".
- قرار مصيري:
كمستشار أسري، يكشف مدير "أكاديمية الفرحة لعلوم الأسرة" راشد المنصوري أنّه غالباً ما يسمع عبارة "اخترت الشخص الخطأ" من الناس. ويقول: "في العادة، يكون المصرح بها، مصاباً بالإحباط ولاسيما النساء. ذلك أنّ المرأة وبمجرد ارتكاب زوجها خطأ واحداً، تنسى كل ماضيهما الجميل معه، وتصرخ أنها أخطأت في اختياره، وأنها لم تر معه يوماً جميلاً واحداً". لا ينكر المنصوري: "أنّ الرجل أيضاً يردد هذه العبارة، ولو اختلفت أسبابه على الأسباب التي تتمسك بها المرأة". لافتاً إلى أنّ "المرأة تقولها حين تقع في مشكلة كبيرة مع زوجها، مثل خيانته لها، أو غيرتها الشديدة عليه، أو تخليه عنها. بينما الرجل يقولها حين يرى تبذيراً من زوجته، أو إهمالاً أو تقصيراً. وعندما تكثر المشكلات ويعجز عن حلّها. ونسمعها منه أيضاً، حين يُقال له أنت أخطأت، فيجيب مبرراً، إنما هو أساء الاختيار". ويشير المنصوري إلى أن "اكتشاف أحد الشريكين أنه أخطأ في اختيار الشخص المناسب له، أمر يحدث أحياناً". ويضيف أنّه "في بداية الزواج، أو بعد سنة أو سنتين. لا نلاحظ هذا الأمر كثيراً في الحقبة الثانية من الزواج، أي بعد مضي 5 أعوام على الارتباط". ويقول: "لابدّ من التنبيه إلى أن كل قرار طويل المدى ينتج عنه ندم في لحظة من اللحظات، مثل قرار الزواج والمهنة والتخصص. ذلك لأنّ مثل هذه القرارات مصيرية في الحياة، ولها تأثير قوي في الإنسان، لا يمكنه، إذا أخطأ في اختيارها، تجاوز تبعاتها بسهولة". وفيما يروي المنصوري قصة امرأة، قصدته للمساعدة بعد اكتشافها أنها تزوجت بالرجل الخطأ، بعد مضي 10 أعوام على زواجها، يقول: "أخبرتني أنها لم توفق في زواجها، وأنها لم تسعد مع زوجها. لذا، هي بصدد طلب الطلاق". ويضيف: "إن ردنا على رسالة هذه المرأة، لم يكن حاسماً كما يأتي في العادة، حين تكون العلاقة في بدايتها، ولم يحصل زواج بعد ولم يتم إنجاب الأطفال. ذلك أنّ العلاج لتجربة زواج عاشت 10 أعوام، يختلف". ويتابع قائلاً: "أولاً، طلبنا من السيدة التحلي بالصبر لأنّه مفتاح الفرج، والبدء في تغيير الجوانب السلبية التي لا تحبها في زوجها، والعمل على مشروعها هذا الخطوة بخطوة، لأنّ المنطق يقول إنها لن تستطيع محو تراكمات سنين طويلة في لحظة. إضافة إلى أنها ربما تكون هي المخطئة، وتقوم برمي عيوبها على شريكها". ويكمل قائلاً: "إنّ هذا ما يحتم عليها أن تراجع حساباتها، وأن تبحث عن نقاط تقصيرها، وتصمم على أن تصلح نفسها قبل أن تصلح شريكها". في ختام حديثه، يتجه المنصوري إلى الشريكين بالقول: "أتمنى ألا يسمح الزوجان بدخول الشيطان بينهما. وألا ينسى أحدهما فضل ومزايا وحسنات شريكه، وأن يتسلحا باللحظات الجميلة لتطييب علاقاتهما، وأن يعودا إلى ألبوم ذكرياتهما الجميلة، ليؤججا العاطفة في قلبيهما. كما أن من المفيد لهما مشاهدة صور زواجهما مجدداً، وزيارة الأماكن التي نشأ حبهما فيها، باختصار، عليهما تفعيل الجوانب الإيجابية في علاقتهما، وقطع الطريق أمام الجوانب السببية".
- أكبر صفقة:
أما في ما يتعلق بالشق النفسي، فيعلّق الطبيب النفسي، الدكتور محمد حسين على الموضوع، مصرحاً بأنّ "عبارة "اخترت الرجل الخطأ"، تخرج من فم المرأة والرجل على حد سواء. وذلك لأن من يقولها يشعر في لحظة ما، بأن آماله وطموحاته وأحلامه ذهبت أدراج الرياح، لأنّ الشريك يتصرف بعكس توقعاته تماماً". ويتطرق د. حسين إلى توقعات كل من الشريكين حول الحياة الزوجية، فيوضح: "إنّ المرأة تحلم بالدفء والحنان والعائلة والاستقرار، فتجد نفسها مرتبطة برجل عملي، لا يقيم وزناً للرومانسية أو لأي من توقعاتها، فتصاب بالإحباط. وفي المقابل أيضاً، نرى الزوج يراهن على عائلة وأطفال وزوجة جميلة وحنون تحبه، وتعتني به وبشؤونه كما تعتني بنفسها، إلا أنّه يراها، بعد سني زواجه بها، امرأة تختلف عن الصورة التي وعد نفسه بها". استناداً إلى هذا الواقع، يؤكد د. حسين: "أنّ الزواج هو أكبر صفقة يجريها الإنسان في حياته، لأنّه من خلالها يبيع ذاته. السر إذن يكمن في حسن اختياره، فإذا كانت صفقة الزواج غير مرتبة بشكل صحيح، فسيخسر كل شيء".
ويتناول د. حسين الصراع النفسي الذي ينشأ بين الشريكين عند اكتشافهما خطأ اختيارهما، يقول: "أوّلاً، إنّ الرهان على تغيير الشريك بعد الزواج، هو رهان غير محمود النتيجة، وقد ينجح أو العكس. ومن راهن وخذلته سنوات الزواج، يجد نفسه ضحية صراع نفسي شديد مع شريكه والعائلة والمجتمع. ومشكلته الأكبر هي أنّه وحده الذي اختار، ولم يغصبه أحد على ذلك، الأمر الذي يحبطه، ويجعله يلوم ذاته بشكل كبير، إلى أن يتملكه نوع من العدوانية تجاه الشريك". وفي هذا الإطار، يضيف د. حسين لافتاً إلى أنّ "الزواج الصحيح، هو حين يُقدّم الشريك شريكه في الحياة على نفسه سراً وعلناً. أما الزواج الفاشل، فسببه الإنسان الأناني الذي تتحكم فيه الأنا، والذي يبدي أولياته هو على أولويات شريكه، ويعامله وكأنّه خادم له". ويختم قائلاً: "هناك أيضاً سبب مهم آخر يلعب دوراً في إفشال الزواج، وهو وجود من يحب حباً غير مشروط، ثمّ يكتشف بعد الزواج عدم تكيّفه مع عيوب الشريك، ويقرر حينها أنه تزوج بالشخص الخطأ".
ارسال التعليق