• ٢٥ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٢٣ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

السمات الأساسية للمنظمات القائمة على الإبداع

السمات الأساسية للمنظمات القائمة على الإبداع
◄كلّ منظمة من المنظمات التي تعتمد على التفكير الإبداعي حققت هذا بطريقة مختلفة عن المنظمات الأخرى. يطول الحديث في مناقشة الاختلافات بين هذه المنظمات. ولذلك، سوف نتناول بالتحليل السمات التي تستطيع شرحها للمنظمة التي تعمل بها عزيزي القارئ. يمكن تحقيق هذه السمات كلّها أو يمكن تعديل بعض من هذه الأفكار لتناسب واقع العمل لديك بشكل تام. وهذه السمات هي:

 

توفير المناخ اللازم لإثارة الإبداع:

إذا دعيت لذكر صفات الفريق المثالي، فسوف تذكر صفات مثالية يستحيل توافرها جميعاً: حيث ينسجم كلّ أعضاء الفريق مع بعضهم البعض ويستمتع كلّ منهم بعمله ويسدي كلّ منهم النصح لزملائه بأمانة. ولكن هذه البيئة نادرة الوجود؛ وبالتالي فهي ليست مساعدة على الإبداع. فكثيراً ما يأتي الابتكار عندما تربط فكرتين معاً في لحظة صفاء فكري وإبداع. يمكن أن يحدث الشيء نفسه بين الأفراد عندما يحدث الاحتكاك بين وجهات النظر المختلفة. وإذا تم استخدام هذا الاحتكاك بشكل جيد، فلن تسود أي من وجهات النظر المتعارضة وإنّما تظهر بوادر فكر إبداعي لحل المشكلات.

إنّ المنظمات القائمة على الإبداع لا تخشى هذا النوع من الاختلاف، بل تعمل على إثرائه وتشجيعه. ففي شركة "نيسان" العالمية، وضع "هيرشبرج" المصممين في فرق مكونة من اثنين تختلف رؤية كلّ منهما للأمور: فمثلاً ألّف فريقاً من عضو يفضل البحث في التفاصيل وآخر يبحث في الموضوع كجزء واحد (بشكل مشابه لفريق المساعدة ولكن الغرض هنا هو عمل توازن بين ميولهما الطبيعية وكذلك زيادة الاحتكاك بينهما).

يضيف هذا الاحتكاك قوة بشكل خاص عندما يعمل الأفراد في نفس التخصص وتكون آراؤهم متباينة، حيث يثق كلّ منهم في قدرات الآخر لأنّه زميل مؤهل وكفء، وهذا يقلل من معارضتهم لنقد الآخر والطرق الأخرى لحل المشكلات.

وبرغم ذلك، فإنّ تكوين فريق من تخصصات مختلفة لمواجهة تحدٍ ما يمكن أن يضيف قوة للفريق أيضاً. فإذا تضمن الفريق أعضاءً من قسم التسويق وآخرين من قسم التصميم، فسوف يساهمون في توجيه التصميم حسب رغبات السوق مما يعمل على تلبية رغبات المستهلكين وزيادة المبيعات. ويحدث الشيء نفسه عندما يعمل أعضاء من قسم تكنولوجيا المعلومات مع رجال الإدارة المالية لزيادة النمو المتوقع للأعمال الجارية. وبرغم أنّ لكلّ قسم أولوياته وجدول أعماله الخاص، فسوف يحفز هذا المناخ جميع الأفراد للابتكار مما يؤدي إلى ظهور أفكار جديدة ووسائل مبتكرة لحل المشكلات المستعصية.

بالطبع قد يؤدي الاحتكاك والصراع إلى تعطل العمل أحياناً. وتؤيد الكثير من الشواهد في الحياة اليومية ذلك الرأي، لكنّها تعتبر ظاهرة غير صحية. ولذلك، لابدّ من وجود قواعد للعمل المشترك لكي نطوّر ثقافة تجعل من الاختلاف والاحتكاك فرصة لتنمية الإبداع.

لابدّ من وجود رؤية مشتركة للأهداف الواجب إنجازها. فعندما يتم الاتفاق على أهداف ونتائج مشتركة، فإنّ أي صراع ينشأ بعد ذلك يكون بغرض تحقيق الأهداف نفسها. وبذلك، يصبح كلّ عضو في الفريق متأكداً أنّ رفاقه يحاولون بلوغ النقطة نفسها. فالصراع حينئذ يكون على طريقة تحقيق هذه الأهداف وليس على أهداف متعارضة.

قد يثور الخلاف عند تحديد الرؤى والأهداف المشتركة في بداية الأمر. وفي هذه الحالة، ينبغي أن تتراجع المنظمة أو الفريق خطوة وذلك لتحديد قواعد مشتركة ينبغي الاتفاق عليها. يمكن البدء بالاتفاق على قيم المنظمة وثقافتها أو بتحديد بعض القواعد المشتركة بشأن معالجة الصراع المحتوم بين الأعضاء.

وتعتبر مرحلة الإعداد بمثابة طوق النجاة عندما يحتدم الصراع بين وجهات النظر المختلفة. فقد يوجد تعارض على كيفية التعامل مع الزملاء وأسلوب العمل، ولكن لن يختلف الفريق على القواعد المشتركة التي تم الاتفاق عليها.

ولسوف يمنع هذا النوع من الصراع بزوغ ما أسميه متلازمة "جزر جالاباجوس"... تشتهر هذه الجزر بالحياة البرية الفريدة والطبيعة الخلابة؛ حيث إنّ الإنسان لم يتدخل فيها مطلقاً. كما أنّ بها أنواعها من النباتات والحيوانات غير المتواجدة في أي مكان آخر بالعالم. تطورت هذه المخلوقات داخل الجزيرة بشكل متوافق تماماً مع البيئة بعيداً عن أي مؤثرات خارجية حيث لم يكن للإنسان أي تأثير. ومع ذلك، فعندما وصل الإنسان إلى تلك الجزر، لم تكن هذه المخلوقات قد تكيفت بشكل مناسب للتعامل مع هذا التهديد المفاجئ، فانقرضت بعض الأنواع في وقت قصير وبقي البعض الآخر في انتظار الدمار الوشيك لهذه البيئة الفريدة.

يمكن أن يحدث الشيء نفسه بالنسبة للشركات. فعندما تتجانس مكونات الشركة وينسجم أعضاؤها مع بعضهم ولا تعمل على زيادة الاحتكاك مع البيئة الخارجية، تصبح هشة التكوين وغير قادرة على التعامل مع المتغيرات الطارئة. حيث يطوّر الموظفون في الشركة ثقافة خاصة بهم وقيماً وأساليب معينة من التفكير، ظانين أنّهم بذلك يعكسون نبض الشارع والرأي العام، ولكنهم يصبحون معزولين عن العالم الحقيقي وبذلك تتكون لديهم ثقافة ثانوية. تتجاهل هذه الثقافة التهديدات الوشيكة وتكون غير قادرة على التعامل مع العالم المتغير أو حتى إدراك حقيقة التغير المستمر.

دون الاحتكاك والتحدي ووجود قدر معيّن من الصراع المحمود، تصبح الشركات مثل "جزر جالاباجوس" غير المهيأة للتعامل مع الظروف المتغيرة وتعيش حلماً كاذباً بأنّ الأمور تسير على ما يرام. أمّا المنظمات القائمة على الإفادة من الإبداع، فلا تشعر أبداً بالرضا عن النفس، فهي دائماً تثير المناقشات وتتحدى المسلمات والافتراضات وتخوض المخاطرات. وبهذه العملية، تشارك البيئة المحيطة وتتعامل مع معطياتها وتقود عملية التطوير بدلاً من انتظار الغزو من الآخرين.

لا يعني ذلك أنّه ينبغي تشجيع التباري في الإبداع فقط والابتعاد عن الصراعات الأصيلة في تكوين الشخصية.كما أنّ المنافسة لا تقود بالضرورة إلى الإبداع، بل قد تقود إلى التكتم والإخفاء. ووجود الكثير من الصراعات في العمل لا يلزم عنه وجود بيئة مواتية للابتكار والإبداع.

ولكن عند وجود أفكار متصارعة بشكل طبيعي في موقف ما أو عند إثارة هذا الصراع بشكل مقصود في بيئة مناسبة وآمنة، تكون هناك فرصة للإبداع وظهور أفكار مبتكرة للتطوير وحل المشكلات. وبعد، فالمثيرات هي التي تجعل المحرك يدور، وهي الصائغ الذي يشكل الحلية الثمينة.

 

السماح بالفشل والاستفادة منه:

قد نتعجب عندما نرى شخصاً ما يحوز على اهتمام الآخرين برغم سطحية رأيه وضحالة تفكيره. وإذا ما سألته عن سر ذلك، وكان يجيب بأمانة، فسيقول إنّه يقوم بالكثير من المحاولات لجذب انتباه الآخرين وعمل صداقات معهم. وإذا لم يحالفه الكثير من النجاح، فسوف يحوز على صداقة نسبة عالية من الأفراد. وكلما تجاذب أطراف الحديث مع الآخرين، حاز على نسبة أعلى من الصداقات.

والأمثلة الدالة على قيمة المحاولات الفاشلة كثيرة. وخير دليل على ذلك ما ذكره المخترع الشهير "توماس واتسون": "أسرع طريقة للنجاح هي أن تضاعف معدل الفشل".

ليست كلّ الأفكار صالحة، فبعضها كريه بالنسبة للآخرين بشدة. ولكن إذا قمت بإجراء الاختبارات بشكل ناجح طوال حياتك، فسوف تفقد حاستك الإبداعية. وكذلك، فأنت لا تستطيع أن تراقب نفسك وتعرف الخطأ من الصواب بشكل فطري.

عندما تكون الأخطاء غير المقصودة مسموحاً بها في بيئة العمل – بل ويتم تشجيعها – فإنّ ذلك سوف يحفّز الأفراد على القيام بالمخاطرة والتجريب واستنباط الحلول المبتكرة. وعندما يقومون بالمخاطرات، نجدهم يصلون إلى الاكتشافات. لم يخترع "توماس إديسون" المصباح الكهربي من أوّل محاولة، بل توصل إليه في آخر المحاولات التي كان يفترضها. (والحقيقة أنّه لم يخترع إديسون المصباح الكهربي نفسه، بل كان يعمل على التحقق من افتراض علمي معين وهو إمكانية مرور تيار كهربي خلال مقاومة عالية في وسط مفرغ تماماً من الهواء واستمراره لساعات طويلة). وبينما استطاع المخترعون السابقون لـ"إديسون" إنتاج تيار كهربي ضوئي تحت ظروف خاصة في المعمل، ركز "إديسون" على التطبيق التجاري لهذا الكشف وتوصيل الإضاءة إلى البيوت والمصانع وابتكار نظام جديد لإنتاج وتوزيع الكهرباء. يبيّن هذا أنّه يمكن العمل على تطوير اختراع موجود بالفعل وأنّ الإبداع ليس فقط الإتيان بالمخترعات الجديدة.

في المنظمات التي تسمح بالتجريب، يعامل الفشل كأنّه خطوة في طريق النجاح. فأحياناً توجد دروس مستفادة من النجاح ويوجد ما هو أكثر لنتعلمه من تجارب الفشل. قد يبدو لنا شيء ما صالحاً ومفيداً ولكنه في حقيقة الأمر غير ذي جدوى. وقد يعمل الشيء بصورة جيدة، ولكن ينبغي أن نعرف طريقة عمله حتى نستطيع الاستفادة من الفكرة وتطبيقها بشكل تجاري. قد يحتاج الشيء العامل بشكل جيّد إلى التطوير والتحسين. ولذلك، فالمنظمات التي تتجاهل التجريب والمغامرة هي منظمات تتجاهل النجاح.

وعندما عملت في هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، كنا نناقش كلّ البرامج التي تمت إذاعتها بعدها مباشرة. كنا دائماً نبحث عن أوجه القصور والخلل ونبحث فوراً عن المتسبب في هذا الخلل. ومع ذلك، فلم أسمع يوماً في هيئة الإذاعة استحساناً لعمل قمنا به؛ حيث كان رؤساء العمل يقولون دائماً إنّ المديح المعتاد يقلل من حماس الأفراد. لكننا إذا أعقبنا ذلك المديح بمناقشة العمل وبحث أوجه القوة ونقاط الضعف وإضافة التعديلات التي يجب مراعاتها في المرات القادمة، فإنّ ذلك يكون أكثر فاعلية في زيادة الحماس لدى الأفراد. ولذلك، يجب تحديد عوامل النجاح بالإضافة إلى عوامل الفشل ومناقشتها بشكل متساوٍ.

قد يكون الفشل مكلفاً. لذا، فإنّنا لا ندعوك لأن تخطئ بشكل مقصود ولكن نشجعك على دراسة هذا الفشل لكي تتوفر لديك أسباب النجاح. عندما تتعامل مع الفشل باستراتيجية مختلفة (جنباً إلى جنب مع التعامل مع النجاح بمفاهيم أخرى)، تتكون لديك فكرة عن الثقافة السائدة في المنظمات الإبداعية.

 

إتاحة الفرصة للتسلية وتجديد النشاط:

نعلم جميعاً أنّ الإبداع لا يتأتى أثناء العمل الشاق. ومع ذلك، تصر الشركات على دوام الموظفين يومياً وانخراطهم في العمل لمدة ثمان ساعات متواصلة.

إنّ الاستراحة ومزاولة بعض الأنشطة الترفيهية وسيلة جيدة لتخفيف الضغوط. من الصعب أن تعبر عن إبداعك أثناء تعرضك للضغوط القاسية. قد توجد بعض الأمثلة القليلة على النجاح رغم الضغط الشديد. فقد ابتكر مهندسو وكالة الفضاء الأمريكية "ناسا" بعض الأساليب البسيطة في مشروع "أبوللو" الذي تضمن إرسال أوّل إنسان إلى القمر. ولكن وجد العلماء بالبحث والتجريب أنّ الضغط يقضي على الإبداع بوجه عام.

في دراسة حديثة أجرتها جامعتان أمريكيتان عن الإبداع، وجد الباحثون أنّه بينما يعتقد الأفراد أنّهم يعبّرون عن إبداعهم أثناء تعرضهم للضغوط، فإنّ نتائجهم الفعلية تكون أقل إبداعاً من المرات التي يتاح لهم فيها الوقت الكافي الخالي من الضغوط. وقد طلب من المشاركين تدوين مدى تأثرهم بالضغط الواقع عليهم وما إذا كان تأثيره يستمر لعدة أيام ولا يقتصر على اليوم المكبل بالأثقال والأعباء فحسب، وتقدير مدى تأثيرها على قدراتهم الإبداعية. وبيّنت النتائج أنّه كلما زاد الضغط، تقل القدرة على التفكير الإبداعي. وبالإضافة إلى ذلك، لاحظ المشاركون ظاهرة أطلقوا عليها "التأثير المزمن للضغط"، ويعني ذلك أنّه كلما زاد الضغط في يوم معيّن من أيام العمل، فهذا لا يعني فقط ندرة الإبداع في ذلك اليوم، وإنّما يمتد التأثير السلبي إلى اليوم وقد يستمر ذلك لمدة يومين على الأقل.

ولتوضيح سبب حدوث ذلك، يشير العالم العبقري "أينشتين" إلى الإبداع على أنّه "لعبة الجمع بين الأفكار". فقد كان يبحث في الأفكار المختلفة ويرى الكيفية التي تتلاقى بها هذه الأفكار وكان يجد إثارة كبيرة في البحث عن أوجه التعارض بينها، وكان ذلك بمثابة اللعب بالنسبة له. يستغرق هذا التفكير في المفاهيم المختلفة وتقليب الأفكار وقتاً لاستنباط الجديد، كما أنّ هناك شيئاً عشوائياً في هذه الأفكار. ولذلك، فعندما لا يتاح الوقت الكافي (لوجود ضيق وقتي كبير)، فلا يمكن أن تتلاقى الأفكار ومن ثمّ لا يظهر الإبداع الفكري إلى الوجود. فتلاقي الأفكار بشكل مثالي يستغرق ثلاثين ثانية، ولكن تزداد فرص هذا التلاقي والتناظر عندما يتوفر الوقت الكافي لتجديد النشاط.

لا يعني ذلك أنّ الضغوط النفسية وضغط الوقت كلّها غير مستحبة أو ذات أثر سيئ. فوجود قدر معيّن من الضغط المثير للتفكير هو أمر مطلوب لنا. فـ"الباعث" هو الاسم المناسب للضغط المناسب الذي يبقينا متحمسين ويرفع درجة تركيزنا وتأهبنا للعمل الإبداعي. فالهرمونات التي يتم إفرازها أثناء الظروف الطارئة مثل هرمون "الأدرينالين" والناشئة عن الإحساس بضغط العمل هي الباعث الرئيسي على إنجاز الأعمال عندما يحين وقت إنهاء مشروع معين. يظهر ذلك جلياً عندما تذاكر جيداً استعداداً للامتحان أو أثناء التدريب الشاق لسباق ماراثوني أو عند الشعور بالخطر.

 

الاستماع لآراء الموظفين واقتراحاتهم:

كما تدرك المنظمة أهمية الاستراحة والترويح وغيرها من العوامل التي تثري الإبداع والابتكار لدى موظفيها، فلابدّ أن تكون لديها ثقافة جيدة عن الاهتمام بآراء الآخرين. يمكنها أن تستمع لمصادر متعددة مثل الموظفين الحاليين والسابقين والموظفين المرشحين لشغل الوظائف الجديدة ورجال الإدارة وصغار العاملين وكلّ من لديه القدرة على العطاء وإثراء الفكر الإنتاجي. بل إنّ المنظمات التي تهتم بآراء الآخرين تمتد إلى خارج نطاق الموظفين العاملين بها، فتجدها تهتم بآراء العملاء سواء العملاء السابقين أو العملاء الحاليين أو العملاء الذين يرغبون في التعامل مع الشركة وحاملي الأسهم وحتى منافسيهم لكي تحصل على مفاهيم جديدة ومبتكرة للعمل ولتطوير أساليبها.

إنّ التطورات المستقبلية لا تأتي من فراغ. ولكنّها تأتي من الواقع الذي نعيشه الآن فتمكننا من إيجاد حلول للمشكلات التي تواجهنا في الوقت الحاضر. ودائماً تتساءل المنظمات الناجحة عن أوجه الضعف والمشاكل التي تعاني منها والمشاكل التي يعاني منها عملاؤها، بل ومشاكل المجتمع ككلّ. تنشأ المنتجات الجديدة الناجحة من التكنولوجيا المتوفرة والأنظمة الحالية، ولكن قلّ من يدرك أنّ هناك ما يمكن إضافته إلى المنتج السابق لسد احتياجات الناس الحالية.

ومن ثمّ، فنحن لا نستخدم المنتجات التي نعتقد أنّها ستكون شائعة في المستقبل لأنّه لا حاجة لنا بها في الوقت الحاضر؛ فما من تحديات تدفعنا إلى ابتكار مثل هذه المنتجات الآن.

إنّنا ندرك وجود المشاكل عن طريق الاستبيانات واستطلاعات الرأي والاستماع للآخرين.

قد يكون السؤال المهم بسيطاً جدّاً ومباشراً مثل: ما هو الخلل؟ ولدى معظم الشركات إجراءات جاهزة للتعامل مع شكاوي العملاء لأنّها تدرك أنّ جودة الخدمة هي العامل الرئيسي في قرار شراء ومنتجاتها. تعالج بعض الشركات شكاوى العملاء بسرعة. ومع ذلك، فالشركات التي تهتم بآراء الآخرين وتُحسن الإصغاء والأخذ بها إلى أقصى درجة تصل إلى مصدر الشكاوى وتستخدمها لمعرفة كيفية تحسين الأنظمة العامة للشركة ككلّ بدلاً من معالجة كلّ مشكلة في معزل عن الأخرى.

في شركة "إس إيه إس" لبرامج الكمبيوتر، يتم تجميع شكاوى واقتراحات العملاء عبر موقعها الإلكتروني وعن طريق الهاتف. وإضافة إلى ذلك، تطلب الشركة آراء واقتراحات العملاء بشأن المزايا والخدمات التي ينبغي إضافتها في المنتج الجديد وذلك عن طريق طرح الاستبيانات والقيام باستطلاع الرأي بشكل دوري سنوياً. يبحث الخبير المختص الشكاوى والتعليقات على المنتج ويحدد أسبابها بدقة ثم يصنّفها ويضعها في قاعدة البيانات. وعندما يتم تطوير منتج جديد من برامج "إس إيه إس"، يراعى تضمين الملاحظات والاقتراحات المسجلة في قاعدة البيانات في المنتج قبل صدوره.

وبذلك، يلعب العميل دوراً محورياً في العملية الإبداعية، حيث تنفذ شركة "إس إيه إس" 80% من الاقتراحات الواردة إليها في منتجاتها الجديدة.

يعرف "إندرول بيرسون" – رئيس شركة بيبسي كولا السابق – السمات المميزة للشركة الناجحة في مجال الابتكار. عند تحديد وسائل الإبداع، يرشح "إندرول" ثلاث نقاط للتساؤل والاستماع للأجوبة، وهي:

·      ما المنتج الرائج في السوق والذي يمكن تطويره وزيادة انتشاره؟

·      كيف يمكنك أن تكون مختلفاً في السوق، ومن ثمّ تكتسب ميزة تنافسية في هذا الإنتاج؟

·      كيف يمكنك المقارنة بين نظام العمل في مؤسستك والمؤسسات المنافسة والاستفادة من خبرات الآخرين؟

إنّ هذه الأسئلة وإجاباتها تعد أكثر اعتماداً على التحليل المنطقي من اعتمادها على الحدس والتخمين. فالعبقري الذي يعتمد على الحدس لا يميل إلى تحليل البيانات ودراستها بشكل متأنٍ. وفي أية منظمة، يوجد الكثير من العباقرة وغير العباقرة الذين يميلون إلى تحليل البيانات والبحث في تفاصيل الأمور. وهؤلاء لهم دور هام في هذه العملية وهذا يبيّن بوضوح إمكانية مشاركة كلّ فرد في الابتكار والإبداع. يقول "بيتر دروكر" إنّ الإبداع الحقيقي خاضع لمفاهيم معنوية وكذلك لإدراكات حسية. ومن ثمّ، يجب على المبتكر أن يعرف آراء ومقترحات الآخرين ويتساءل ويستمع. وبذلك، فالعبقري الناجح يستخدم الجانب الأيمن والجانب الأيسر من المخ. فإذا كان المبتكر عبارة عن فريق أو منظمة وليس فرداً، يمكن لكلّ عضو في الفريق أن يقوم بوظيفة ما في هذا الصدد – وهذه وسيلة أخرى تمكنك من التركيز على ميولك ورغباتك بينما يركّز الآخرون على ميولهم.

 

تجنب الأخطاء:

إنّه من المثير جدّاً أن نتخيل الشركات التي تعمل وفق هذه المبادئ، أليس كذلك؟ كيف سيكون الحال إذا عملت في شركة ترحب بالفشل وتسمح للموظفين بمشاهدة الأفلام الترفيهية أثناء فترة الاستراحة وترى في شكاوى العملاء فرصة لتحسين الأداء وليست فرصة للوم وتوبيخ الزملاء؟

يمكن للشركة التي تعمل بها – عزيزي القارئ – أن تسلك هذا الاتجاه. فالمنظمات التي أشرنا إليها بدأت عملها بأفكار أحد المبدعين أو مجموعة من المبتكرين الذين أدركوا أنّ الشركة لن تحتفظ بمميزاتها التنافسية إلّا إذا حفزت عملية الإبداع والابتكار.

لكنّك عزيزي القارئ لا تحتاج إلى دعم الشركة التي تعمل بها بالكامل لكي تستخدم قدراتك الإبداعية لتؤثر في طرق العمل المتبعة. يمكنك أن تبدأ بالأقربين لك وبأصدقائك المخلصين. ►

 

المصدر: كتاب الشخصيية العبقرية/ كيف تهتم بأفكارك وتنميها لتصبح من أنجح الأشخاص

ارسال التعليق

Top