يتحرك الحمد لله في وجداننا في نظرتنا الشاملة إلى حركة وجودنا ومتطلبات حياتنا وحيوية انسانيتنا لنكتشف أن الله قد شمل كل وجودنا وحياتنا في انسانيتنا بكل حاجاتنا ومتطلباتنا وحركيتنا فكل نعمة نتقلب فيها هبة منه وكل غنى هي مستمدة من قدرته بشكل مباشر أو غير مباشر في شمولية النعمة بكل أبعادها في امتداد عمرنا فلم يحوجنا لى غيره ولم يلجئنا إلى سواه لأن الناس كلهم لا يملكون في ذاتهم أو في عطائهم إلا بما ملكهم من نعمه في كل شيء فكيف نستطيع مواجهة ذلك كله بما لا نحصيه من نعمة وآلائه وكيف نؤدي شكرها بأقوالنا وأعمالنا والحمد نعمة تتجدد في وجودنا والشكر منة تتحرك في حياتنا مما يتوجب فينا حمدا جديدا وشكرا جديدا. والحمد لله على الحركة الارادية التي نملك بها أن نقبض بها ما نريد قبضه من أعضائنا ونبسط بها ما نريد أن نبسطه منها من خلال الآلية التي ركبها فيها فقد جعل لنا ما ندير به حياتنا في حاجاتنا التي تفرض علينا أن نبسط يدا أو نقبضها أو نحرك رجلا أو نوقفها أو نمسك لسانا أو نطلقه أو نغمض عينا أو نفتحها... وهكذا في كل ما ركبه الله في أجسادنا من آلات البسط وأدوات القبض التي هي وسائل الوجود في حركته. والحمد لله على هذه الروح التي متعنا بها فتنوعت في أبعادها وآثارها في روح القدس والايمان وروح القوة والشهوة التي انطلقت لتدفع بالانسان إلى أن يتوازن في حياته ليفتح لنفسه أفق المعرفة وحركة العبادة وجهاد العدو والحصول على المنافع في جهاد العمل وعلى اللذة في الطعام والنكاح ونحوهما هذه الأرواح المتنوعة التي تنطلق من روح الحياة فينا التي نستروح فيها نسيم الراحة وهدوء الطمأنينة واسترخاء الوجود وحيوية السعادة. والحمد لله على هذه الأعضاء الجوارح التي هي وسائلنا الطبيعية للعمل الدنيوي والأخروي مما يتصل بالوعي وحركة الحياة فمنها الحركة وبها الحياة وفي الأجهزة التي تضبط لنا أوضاعها كل انطلاقات الإبداع. والحمد لله على هذا الغذاء المتنوع بعناصره وخصائصه الذي يمنح كل عضو فينا وكل عصب في أجسادنا حاجته التي تصل إليه في نظام دقيق شامل حكيم ينفتح بنا على كل طيبات الرزق. والحمد لله على ما زودنا به من الغنى في الكفاية والسعة فجعل حياتنا هينة رخية في حالةٍ طبيعية وعلى ما أعطانا من مقتنيات الحياة مما نحتاجه في أمورنا وأوضاعنا مما يرضينا في مواقع الرضا من حياتنا العامة والخاصة، ويحقق لنا النتائج الحية في ذلك كله. وهكذا فتح لنا كل أبواب الحياة وأعطانا كل موارد الأمور ومصادرها ومنحنا حرية الحركة وقال لنا أيها الناس إني لم أخلقكم عبثا ولم أجعل الحياة من حولكم وفي ساحتكم في دائرة الفوضى بل جعلت لها نظاما في إبداع القوانين الكونية الثابتة في كل تفاصيل الوجود فكل الوجود مطيع لله بتكوينه وأردت لكم أن تطيعوا أوامري ونواهي في ما يصلح لكم حياتكم من الخير ويبعدها عما يفسدها من الشر ولتكونوا المطيعين في أعمالكم الشاكرين في ثروتكم... وهكذا جعلت التكليف حركة في اختبار الطاعة ووسيلة من وسائل الشكر لينتظم الوجود ويسير نحو أهدافه بطاعتكم الاختيارية كما انتظم بطاعة الظاهر الكونية التكوينية. ولكننا لم نمتثل أوامره ولم ننته عن نواهيه فابتعدنا عن خط الطاعة واقتحمنا مواقع معصيته فابتعدنا عن موارد أمره، واقتربنا من ساحات زجره وكان من حقه أن يعاقبنا وان ينتقم منا من دون إمهال ولا تأخير عدلا من حكمه فينا لأنه أقام الحجة علينا ورغبنا في الطاعة بالاشارة إلى ثوابه وأبعدنا عن المعصية بالتحذير من عقابه. ولكنه لم يبادرنا بما نستحقه من العقوبة ولم يعاجلنا بالنقمة بل أمهلنا تكرما منه وفضلا ورحمة ولطفا وتطولا وامتنانا لنرجع إليه من جديد بالتوبة الصادقة والعمل الصالح وانتظرنا في مواقع رأفته وحلمه ورحمته لنسلك الطريق الموصل إليه من جديد سبيل الطاعة التي هي سر رضاه. { والحمد لله الذي دلنا على التوبة التي لم نفدها إلى من فضله، فلو لم نعتدد من فضله إلا بها لقد حسن بلاؤه عندنا وجل إحسانه إلينا وجسم فضله علينا فما هكذا كانت سنته في التوبة لمن كان قبلنا، لقد وضع عنا (ما لا طاقة لنا به) (البقرة:286) ولم يكلفنا إلا وسعا ولم يجشمنا إلا يسرا، ولم يدع لأحد من حجة ولا عذرا فالهالك منا من هلك عليه، والسعيد منا من رغب إليه }.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق