• ١٨ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١٦ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

الالتزام الديني.. حقيقته وثمرته

الالتزام الديني.. حقيقته وثمرته

◄الالتزام مصطلح إسلامي صار يتردد في الآونة الأخيرة على آلسنة كثير من المسلمين، ولاسيّما أولئك المستمسكين بمنهج الله، العاملين على تطبيقه، والتمكين له في الأرض.. ولما كان هذا المصطلح مظنّة لأن يخطئ البعض فيتصور حقيقته ومضمونه، أو أن يحمله على غير وجهه، نظراً لعدم شيوعه في الماضي، لزم أن نتحدث عنه بشيء من التحليل والبيان.

 

تعريف الالتزام:

1-    لغة: يُطلق الالتزام في اللغة على معانٍ عدّة منها:

أ‌-       الاستمساك أو الاعتناق والالتصاق بالشيء، تقول التزم بشيء وبالشيء تعني استمسك به، أو اعتنقه، والتصق به، وفي لسان العرب "الالتزام: الاعتناق".

ومنه في الحديث الشريف: "أنّه (ص) مازال يهتف بربه يوم بدر مادّاً يديه مستقبل القبلة حتى سقط رداؤه، وقال: يا نبي الله كذاك أو كفاك مناشدتك ربِّك..".

ومنه أيضاً قول عبدالله بن مغفّل، في الحديث: "أصبتُ جراباً من شحم يوم خيبر، قال: فالتزمتُه فقلتُ: لا أعطي اليوم أحداً من هذا شيئاً، قال: فالتفت فإذا رسول الله (ص) مبتسماً".

ب‌-  الفرض أو الإيجاب على النفس، تقول: التزم الشيء أو الأمر: أوجبه على نفسه، والتزم فلان للدولة: تعهد أن يؤدي قدراً من المال لقاء استغلاله أرضاً من أملاكها فهو ملتزم.

ت‌-  المداومة والمواظبة على الشيء أو المصاحبة له تقول: لزم الشيء يلزمه لزْماً ولُزُوماً. ولازَمه ملازمةً، ولزاماً، والتزمه، وألزمه إيّاه فالتزم، ورجل لُزَمَةٌ: يلزم الشيء فلا يفارقه.

ومنه في الحديث قوله (ص): "من لزم الاستغفار جعل الله له من كلِّ ضيقٍ مخرجاً، ومن كلِّ همٍّ فرجاً، ورزقه من حيث لا يحتسب"، أي من صاحب أو داوم الاستغفار وواظب عليه.. إلخ.

ث‌-  الانفصال أو التمايز بصورة واضحة، قال في اللسان: "وهو في اللغة: الملازمة للشيء، والدوام عليه، وهو أيضاً الفصل في القضي، كأنه من الأضداد، ومنه قوله تعالى: (قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ) (الفرقان/ 77)، أي ما يصنع بكم ربي لولا دعاؤكم إياكم إلى الإسلام (فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا) (الفرقان/ 77)، أي عذاباً لازماً لكم، قال الزجاج: قال أبو عبيدة: فيصلا.

وعندي أنّه لا تعارض بين هذه المعاني جميعاً، وإنما هي من قبيل الشيء ولازمه على معنى أنّه يلزم من إيجاب الشيء على النفس الالتصاق والاستمساك به لا يكون حقيقته إلا إذا كانت معه مداومة أو مواظبة تؤدي إلى الانفصال والتمايز.

2-    شرعاً: الالتزام هو الاستمساك بمنهج الله عزّ وجلّ على طريق الفرض والإيجاب مع المداومة أو المواظبة على ذلك بصورة تؤدي إلى الانفصال والتمايز، وتحقق السعادة والفوز والنجاة في الدنيا والآخرة.

والالتزام بهذا المعنى يساوي "الطاعة"، و"الاستقامة" و"الصدق"، و"إسلام الوجه لله"، و"التحاكم إلى شرع الله"، "والتوفيق"، و"التقوى"، ونحو ذلك.

 

بعض النصوص الواردة في فضل الالتزام:

لما كان الالتزام هو الهدف والغاية من بعثة الأنبياء والمرسلين، كما قال سبحانه: (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) (الشورى/ 13)، لما كان كذلك جاءت النصوص تشرح فضله، وتبين منزلته، ونذكر منها قوله تعالى: (فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (البقرة/ 38)، (بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (البقرة/ 112)، (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) (آل عمران/ 31)، (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ) (النساء/ 113-114)، (وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ) (الأعراف/ 170)، (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ * وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ * وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) (هود/ 112-115).

ومن الحديث: قوله (ص): "إنّ الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة سبعين سنة، فإذا أوصى وحاف في وصيته فيختم له بشرّ عمله، فيدخل النار، وإنّ الرجل ليعمل بعمل أهل الشرِّ سبعين سنة، فيعدل في وصيته فيختم له بخير عمله فيدخل الجنة، قال: ثمّ يقول أبو هريرة: اقرأوا إن شئتم (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ – إلى قوله – وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ) (النساء/ 13-14).

حكم الالتزام، الالتزام واجب في الجملة وجوباً عينياً، لعموم الخطاب بذلك في الكتاب والسنة، ففي الكتاب قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا...) (آل عمران/ 102-103)، ونحوها من الآيات، وهي كثيرة.

أنواع الالتزام: يتفرع إلى نوعين:

أ‌-       التزام عام، وهو ما يكون خارج حدود الحركة.

ب‌-  التزام خاص: هو ما يكون داخل حدود الحركة.

والالتزام العام يتنوع ما بين:

1-    التزام المسلم نحو الله عزّ وجلّ، والرسول (ص) بطاعة الله، وأداء الفرائض، واتباع السنن.

2-    التزام المسلم نحو نفسه وشخصه: بتحقيق التوازن في العناية بجسمه وعقله وروحه.

3-    التزام المسلم نحو أهله وأولاده وأقاربه وذوي رحمه: بالقيام بمسؤولياته نحوهم، والإنفاق عليهم، والإحسان إليهم.

4-    التزام المسلم نحو مجتمعه، وأمته، والناس أجمعين: باتصافه بالأخلاق الإسلامية الكريمة، ونبذه للأخلاق السيئة، وكونه قدوة في سلوكه ومعاملاته.

أما الالتزام الخاص فينقسم إلى:

1-    التزام مشترك بين الجندية والقيادة.

2-    التزام الجندية.

3-    التزام القيادة.►

 

المصدر: مجلة المجتمع/ العدد 1401 لسنة 2000م

ارسال التعليق

Top