شحوب الوجه، التعب، وضعف الشهية إلى الأكل، هي بعض من أعراض فقر الدم الذي كان يُسارع أجدادنا إلى علاجه، عن طريق تناول اللحوم الحمراء، وكبد الخروف أو الدجاج. ما هي ميزات هذه الأطعمة؟ وهل هناك منتجات أخرى مُفيدة لمكافحة فقر الدم؟
فقر الدم هو حالة طبية ينخفض فيها عدد كريات الدم الحمراء لدى الفرد، أو يتراجع تركيز الهيموغلوبين في دمه عن المستويات الطبيعية. والهيموغلوبين هو بروتين موجود داخل خلايا الدم الحمراء، يحتوي على الحديد وينقل الأوكسجين إلى الخلايا في أنحاء الجسم كافّة. وتراجُع عدد كريات الدم الحمراء، يعني أن كمية الأوكسجين التي تصل إلى أنسجة الجسم تكون أقل من المطلوب.
وهناك اضطرابات عديدة قد تسبّب فقر الدم، غير أن نقص الحديد في الدم هو أكثر الأسباب شيوعاً. فالجسم يحتاج إلى الحديد لإنتاج خلايا الدم الحمراء، ويقول المتخصص الأميركي الدكتور آلان جاكوب أرسليف إن نقص الحديد لدى النساء يعود في معظم الأحيان إلى حالات الحيض الغزير والحمل. فالنساء الحائضات يفقدن ضعف كمية الحديد التي يفقدها الرجال أو النساء بعد سن اليأس. كذلك فإنّ المرأة خلال أشهر الحمل التسعة، التي ينمو خلالها الجنين ويشاركها العناصر المغذية التي تتناولها، تفقد المزيد من الحديد.
أما أبرز أعراض فقر الدم فهي: التعب، صعوبة في التنفس، الإحساس بالضعف، آلام الرأس، الدوخة، الإسهال، ضعف الشهية للأكل، آلام في البطن، والاكتئاب. كذلك قد يلاحظ الفرد في كثير من الأحيان شحوباً في بشرته، وفي لون أظافره وجفني العينين السفليين الداخليين. وفي مراحله المتقدمة يمكن لفقر الدم أن يسبب تسارع ضربات القلب، أو عدم انتظامها، وآلاماً في الصدر. وقد تلاحظ النساء اضطرابات في الحيض. أما الرجال فقد يظهر لديهم تراجع في الرغبة الجنسية ومشاكل في الانتصاب.
ومن الضروري أن يلجأ الفرد الذي يشك في أنّه يعاني فقر الدم إلى الطبيب الذي يُخضعه للفحوص الطبية اللازمة وأولها فحص الدم. ففقر الدم ليس مرضاً يمكننا تشخيصه بأنفسنا، وعلاجه غير ممكن من دون استشارة الطبيب. فإكثارنا من الحديد أو تناول أقراص الحديد المكمّلة من دون وصفة طبيب قد تؤدي إلى نتائج سلبية جدّاً.
أما في الحالات التي يتبيّن فيها أن فقر الدم ناتج عن افتقار النظام الغذائي للحديد، فهناك طُرق طبيعية لرفع مستوياته وتتمثل في تناول المنتجات الغذائية الغنية بهذا المعدن، وأبرزها:
1- اللحوم الحمراء:
تُعتبر اللحوم الحمراء، وخاصة كبد الخروف والبقر، واحدة من أكثر الأطعمة غنى بالحديد. لكن هذا النوع من اللحوم يكون عادةً غنياً بالدهون، لذلك يمكن الاستعاضة عنه بلحوم الدواجن وثمار البحر. ويتميز نوع الحديد الموجود في هذه المنتجات الطبيعية الحيوانية بسهولة امتصاصه في الجسم، مقارنة بالحديد نباتي المصدر. وكلما كان لون اللحوم داكنا، ارتفعت نسبة الحديد فيه. إضافةً إلى ذلك، فإنّ اللحوم دكناء اللون تكون أغنى أيضاً بفيتامين (B12) والزنك، وهما عنصران يلعبان دوراً كبيراً في مكافحة فقر الدم.
2- الفاصولياء والفول:
في مقابل اللحوم الحمراء التي تُعتبر من أفضل المصادر الحيوانية للحديد، تصنف الفاصولياء والفول على لائحة أفضل مصادر الحديد النباتية. وهي توفر الحديد من دون الدهون والكوليسترول الموجودين في اللحوم الحمراء والكبد. وبما أن عملية امتصاص الحديد نباتي المصدر تكون أصعب على الجسم، فإنّ الخبراء ينصحون بتناول لحوم الدجاج البيضاء خفيفة الدهون مع البقوليات، مثل الفاصولياء والبازلاء. فقد أظهرت الدراسات أنّ البروتينات الحيوانية الموجودة في الدجاج تساعد الجسم على امتصاص الحديد الموجود في هذه البقوليات.
3- البيض، مشتقات الحليب، الفواكه المجففة:
يُشير الخبراء إلى أنّ عدم تناول اللحم لأسباب مختلفة لا يؤدي بالضرورة إلى فقر الدم. صحيح أنّ الحديد الذي يأتينا من مصادر غير اللحوم يكون أقل تركيزاً ويواجه الجسم صعوبة أكبر في امتصاصه، إلا أنّه يظل قادراً على مساعدتنا على تفادي فقر الدم. وأفضل المصادر الطبيعية البديلة عن اللحوم والغنية بالحديد هي البيض، الحليب ومشتقاته، الحبوب والبقوليات. كذلك فإنّ فول الصويا ومشتقاته، الفواكه المجففة، المكسرات تُعتبر مصادر جيدة أيضاً للحديد.
4- الخضار الورقية الخضراء:
ربما كانت أفضل طريقة لضمان حصولنا على كمية الحديد التي نحتاج إليها، هي الحرص على تناول الخضار الورقية الخضراء بانتظام. صحيح أنّ هذه الخضار لا تحتوي في حد ذاتها على كمية كبيرة من الحديد، لكنها غنية جدّاً بحامض الفوليك والعناصر المغذية الأخرى. وحامض الفوليك يلعب دوراً أساسياً في مساعدة الجسم على امتصاص الحديد وفيتامين (B12) أيضاً.
5- الحمضيات:
إنّ احتساء كوب من عصير البرتقال مع الوجبة، أو إضافة عصير الحامض إليها مفيد جدّاً بسبب غنى هذه الحمضيات بفيتامين (C)، الذي يُسهّل على الجسم عملية امتصاص الحديد. ويؤكد الخبراء أهمية هذا الفيتامين، ويقولون إنّ النقص فيه قد يسبب فقر الدم، وينصحون الجميع بتناول 100 ملغ على الأقل منه يومياً.
وتنصحنا المتخصصة الأميركية في التغذية الين ماكدونيل، كلما تناولنا طعاماً يحتوي على حديد غير ذلك الموجود في اللحوم، بأن نأكل معه طعاماً غنياً بفيتامين (C)، فهو يساعد على تحسين عملية امتصاصه في الجسم.
6- حلفاء الحديد:
قد يكون الحديد عنصراً أساسياً في الحفاظ على صحة خلايا الدم ونشاطها، لكنه لن يتمكن من القيام بوظيفته هذه إلا إذا اعتمدنا نظاماً غذائياً صحياً غنياً بعناصر مهمة أخرى، أبرزها: فيتامينا (A) و(E)، الثيامين (B1)، الريبوفلافين (B2) والنحاس. والأطعمة الغنية بهذه الفيتامينات تساعد الجسم على التمسك بالحديد الذي يصل إليه عن طريق الغذاء. وتُعتبر الخضار الورقية الخضراء ومشتقات الحليب مصدراً مهمّاً للريبوفلافين وفيتامين (A). أما الثيامين والنحاس، فأهم مصادرهما هي أصداف البحر، المكسرات، رقائق الحبوب الكاملة، والبقوليات. ويُعتبر جنين القمح مصدراً ممتازاً لفيتامين (E).
ويقول الخبراء، إنّ الرجال والنساء بعد سن اليأس يحتاجون إلى تناول 10 ملغ من الحديد يومياً، بينما تحتاج النساء قبل سن اليأس إلى 15 ملغ منه يومياً.
ونُورد على سبيل المثال كمية الحديد الموجودة في بعض أبرز الأطعمة الغنية به:
المنتجات الحيوانية:
90 غراماً من التونة المعلَّبة مع الماء (2.72 ملغ من الحديد)، 90 غراماً من الروبيان المطبوخ (2.62 ملغ)، 90 غراماً من لحم الخروف المشوي (2.07 ملغ)، 90 غراماً من لحم البقر المفروم والمطبوخ (2 ملغ من الحديد)، 90 غراماً من فخذ الدجاج المشوي (1.31 ملغ)، 90 غراماً من لحم الديك الرومي المشوي (1.31 ملغ)، 90 غراماً من صدور الدجاج المشوية (1.04 ملغ)، 90 غراماً من سمك السالمون المشوي (0.47 ملغ).
المنتجات النباتية:
حبة بطاطا مخبوزة مع القشور (2.75 ملغ)، نصف كوب من الفوصولياء المسلوقة (2.28 ملغ)، نصف كوب من الحمص بالطحينة (1.94 ملغ)، حبة خرشوف مطبوخة (1.62 ملغ)، نصف كوب من الشوفان المطبوخ (1.59 ملغ)، نصف كوب من البازلاء (1.58 ملغ)، 3 حبات تين مجفف (1.25 ملغ)، 5 حبات خوخ مجفف (1.04 ملغ)، شريحة من خبز القمح الكامل (1 ملغ)، ربع كوب من الزبيب (0.93 ملغ) نصف كوب من البروكولي المطبوخ (0.89 ملغ)، نصف كوب من الأرز البني المطبوخ (0.52 ملغ).
وفي الوقت الذي يساعدنا فيه تناول بعض الأطعمة على الحصول على كمية الحديد التي نحتاج إليها، وتعزيز عملية امتصاصه في الجسم، توجد في المقابل منتجات أخرى قد يُعيق موعد تناولها، أو كمية ما نتناوله منها، عملية امتصاص الحديد في الجسم. وينصح الخبراء بالتالي:
- تنظيم مواعيد احتساء القهوة والشاي: إذا أردنا احتساء القهوة أو الشاي، يُستحسن أن نفعل ذلك قبل الوجبات. فقد أظهرت الأبحاث أن تناول هذين المشروبين أثناء أو بعد وجبة الطعام، يُضعف قدرة الجسم على امتصاص بعض أنواع الحديد، بينما لا يؤثر احتساؤهما قبل الوجبة في ذلك. وقد تبيّن أنّ القهوة والشاي لا يُضعفان قدرة الجسم على امتصاص الحديد الموجود في اللحوم، بل ذلك الموجود في الخضار ومشتقات الحليب. كذلك فإنهما يُضعفان قدرة الجسم على امتصاص نوع الحديد الموجود في أقراص الحديد المكمّلة كافّة. وإذا أردنا أن نتناول القهوة أو الشاي بعد الوجبات، فتنصحنا ماكدونيل باحتسائهما بعد مرور ساعة على انتهائنا من الأكل.
- عدم الإفراط في تناول الألياف الغذائية: على الرغم من كون الألياف الغذائية عنصراً مهماً في النظام الغذائي، إلا أنّه لا يجب الإكثار من تناولها، لأن ذلك قد يؤثر سلباً في عملية امتصاص الجسم للحديد الموجود في الأطعمة الأخرى. فضلاً عن ذلك فإنّ الإفراط في تناول الألياف الغذائية قد يسبب الغازات والإمساك.
- تفادي تناول بعض أنواع مضادات الحموضة: يشكل تناول بعض أنواع الأدوية المضادة للحموضة مشكلة لدى الأشخاص الذين يحاولون زيادة كمية الحديد التي يتناولونها. الأطباء يشيرون إلى أن نقص حامض الهايدروكلوريك في المعدة، هو سبب رئيس من أسباب الافتقار إلى الحديد. فهذا الحامض يساعد الجهاز الهضمي على تحليل وامتصاص العناصر الغذائية مثل الحديد.
- الامتناع عن تناول الكحول والمشروبات الغازية: إضافةً إلى أضرارها الكثيرة فإنّ الكحول يستنزف مخزون الجسم من مجموعة فيتامينات (B)، وبعض المعادن الأخرى، ما يزيد من تفاقُم حالات فقر الدم. كذلك فإنّ المشروبات الغازية تُعيق امتصاص الحديد في الجسم.
- التخفيف من تناول السكر: مثله مثل الكحول يُسهم السكر في استنزاف مخزون الجسم من مجموعة فيتامينات (B)، لذلك ينصح الخبراء بالتخفيف من السكر المضاف إلى أقصى حد ممكن.
· ماذا بشأن أقراص الحديد المكمّلة؟
في بعض الأحيان قد يقرر الطبيب أنّ التغييرات في النظام الغذائي غير كافية لعلاج فقر الدم، وهنا قد يصف للشخص المعني أقراصاً مُكمّلة من الحديد. ومعظم هذه الأخيرة تحتوي على 325 ملغ من الحديد، وتؤخذ ما بين مرة وثلاث مرات في اليوم، وغالباً ما يفضل تناولها مع الوجبات، على الرغم من أن ذلك يُبطئ من سرعة العلاج، إلا أنّه يساعد على التخفيف من التأثيرات الجانبية.
وفي جميع الأحوال لا يجب أبداً الإقدام على تناول أقراص الحبوب المكمّلة من دون استشارة الطبيب، ومن دون وصفة يضعها هو حسب الحالة.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق