◄إنّ تربية المراهقين أمرٌ متعب ويشكّل تحدِّياً كبيراً. المراهقة مرحلة صعبة يحاول الشاب أو الشابة فيها الحصول على الاستقلالية وعلى شخصية منفردة بعيداً عن تأثير الوالدين. يؤدي ذلك إلى نزاعات مع الأهالي، حيث إنّ المراهقين يحاولون عدم التقيّد بالقوانين والحدود التي قام ذوو الأمور برسمها. بالرغم من ذلك، فإنّ المراهقين هم بأمس الحاجة إلى عدم أهاليهم وإرشاداتهم. يكمن التحدي الذي يواجهه الأهالي في التصرف بقسوة في بعض الأحيان، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بالقوانين والحدود. إلّا أنّهم مضطرون أيضاً إلى دعم الأولاد وتشجيعهم في أثناء تفاعلهم مع ما يجري في حياة هؤلاء المراهقين. الهدف الأساسي هو مساعدة المراهقين على النضوج والتحلي بالمسؤولية وتوعيتهم حيال أهمية توثيق علاقاتهم مع الآخرين.
يزداد التحدي عندما يكون على المرء تربية مراهق مصاب بالاكتئاب، إذ إنّ ذلك أمرٌ مربك، ويتساءل الوالدان عن طريقة التجاوب المثلى. هل بإمكانهما أن يطلبا من المراهق القيام بالأمور التي ينفذها أيّ ولد في هذا العمر؟ هل عليهما تقبّل الاكتئاب والسماح له بالتأثير على ابنهما أو ابنتهما؟ يشعر الوالدان بضياع ويخشيان توقع ما يفوق طاقات المراهق. الواقع هو أنّ المراهقين المصابين بالاكتئاب هم بحاجة إلى توازن الأهالي في طريقة تربيتهم، تماماً كأيّ مراهق طبيعي. يحتاج هؤلاء الأولاد إلى أهالٍ يقدمون لهم الدعم والتشجيع، مع عدم ترددهم حيال التصرف معهم بقسوة عند الحاجة وحثهم على تحمّل المسؤولية.
في الأقسام الأربعة التالية شرح موجز لأربعة مبادئ خاصة بحلّ النزاعات والتخلص من السلوك السيئ عند المراهقين:
1- تهدئة النفس.
2- الإصغاء بتفاعل.
3- التعبير عن الرأي بشكل جازم.
4- التفاوض وتقديم الاحتمالات.
تهدئة النفس:
قد يتصرف المراهق بطريقة فظة وعدائية وقد لا يحترم القوانين ويتسبب بمشكلات عديدة. عندها، يسهل حدوث النزاعات التي يغلب عليها الصراخ أو العنف أو التفوّه بكلمات قد يندم عليها المرء في ما بعد. في هذه الحالات، من المهم تهدئة النفس ليصبح الأهالي قادرين على التحكم بزمام الأمور وليتجنبوا تعريض علاقاتهم مع الأولاد للخطر. ما يجدر بالوالدين فعله عندها هو التنفس بعمق والابتعاد عن المراهق وعن مكان الشجار. من الضروري القيام بذلك حيث إنهما يكونان بحالة غضب شديد، ممّا يحول دون التوصل إلى حلّ المشكلة. من الأفضل تأجيل ذلك إلى وقت لاحق يغلب عليه جو من الهدوء.
الإصغاء بتفاعل:
يشير ذلك إلى تخصيص بعض الوقت للإصغاء إلى المراهق ومحاولة فهمه واستيعاب آرائه. على الأهالي فهم مختلف المسائل من منظور هؤلاء الشباب ووفقاً لطريقة تفكيرهم. من المهم عدم اعتبار الاكتئاب أمراً سخيفاً، وأهم ما في المسألة هو استيعاب صعوبة الوضع والصراعات التي يواجهونها. عوضاً عن التعبير عن امتعاض من جراء حدة طبعهم، على الأهالي العمل بجهد لفهم مسببات هذا المزاج (على سبيل المثال، لربّما كان يومهم المدرسي سيئاً).
تزداد أهمية الإصغاء بتفاعل عندما يتعلق الأمر بالاضطرابات السلوكية. يجب عدم مواجهة المراهق عند عودته إلى المنزل بشكل متأخر أو بسبب غرفته غير المرتبة أو درجاته المدرسية السيئة. عوضاً على ذلك، على الأهل محاولة الإصغاء إلى المراهق وفهم وجهة نظره. هذا الأسلوب أكثر فاعلية. يشمل الإصغاء بتفاعل تخصيص الوقت لمناقشة المشكلات المختلفة مع المراهق وتهدئة النفس في أثناء ذلك ومحاولة فهم المسائل من منظوره.
التعبير عن الرأي بشكل جازم:
إضافة إلى الإصغاء بتفاعل، على الأهالي مواجهة المراهقين بشكل محترم وتحديهم بطريقة جازمة. إنّ الأهل يجب أن لا يتجنبون التحدث مع ابنتهم عن أدائها الأكاديمي. فمن المهم أن يعبّر الأهالي عن آرائهم بشكل جازم. إنّ الإصغاء بتفاعل والتعبير عن الآراء يشكلان أساس حلّ مختلف النزاعات. من المهم الانتباه إلى أسلوب التعبير عن الرأي. إن حصل ذلك بلكنة لومٍ قاسية وغاضبة، فإنّ المراهقين لا يصغون إلى أهاليهم. كما أنّ عدم التعبير عن ذلك خشية إثارة استياء المراهق أو السماح له بإنهاء النقاش لمصلحته أمرٌ غير مقبول. الهدف هو التحدث إلى المراهق بشكل جازم، حيث يتم التعبير عن الرأي باحترام وهدوء، وحيث يعبّر الأهل عن مشاعرهم وأفكارهم، مع التشديد على لفت النظر إلى نواياهم الحسنة. على سبيل المثال: عوضاً عن لوم المراهق بشكل غاضب بسبب عودته المتأخرة إلى المنزل، قد يكون من الأفضل تعبير الأهل عن أنّ ذلك يثير قلقهم خصوصاً في أثناء الليل. هذا، يفهم المراهق أنّ والديه يكترثون لأمره ويؤدّون الحفاظ على الأمان في حياته.
التفاوض وتقديم الاحتمالات:
إنّ أساس تهذيب المراهقين هو التفاوض، عوضاً عن فرض القوانين، من المهم مناقشتها مع المراهقين والتوصل إلى المساومة حين يسمح الأمر بذلك. يؤدي التفاوض إلى أفضل الحلول التي يستطيع المراهقون احترامها. إضافةً إلى ذلك، يتعلم هؤلاء الشباب، ومن خلال التفاوض، التواصل مع الآخرين باحترام. أخيراً، تعزّز المفاوضات العلاقات الطيبة بين المراهقين وأهاليهم.
تقديم الاحتمالات والعواقب إلى المراهق وسيلة فاعلة تعلّمه تحمل المسؤولية. عوضاً عن التشاجر مع المراهق المكتئب عند عدم رغبته في تنفيذ أمرٍ ما، بإمكان والديه تقديم عدّة خيارات. على سبيل المثال: إن كان المراهق لا يود الذهاب إلى المدرسة ويفضل البقاء في المنزل في أثناء وجود والديه في العمل، بإمكانهما أن يعرضا عليه احتمالين. الخيار الأوّل هو الذهاب إلى المدرسة، والخيار الثاني هو تمضية النهار في منزل عمته. إن كان المراهق يمضي معظم وقته في غرفته المظلمة وغير المرتبة، فيستطيع والداه أن يطلبا منه إمّا تنظيف الغرفة أو تحمّل قيام الوالدين بذلك ورمي كلّ ما يعتبرانه دون أهمية. من المهم أن يتم تقديم خيارات يسهل تطبيقها، بحيث تكون بسيطة وواضحة. يواجه المراهقون المصابون بالاكتئاب صعوبة في اتخاذ القرارات؛ لذلك فإنّ تقديم الخيارات لهم هو فرصة لتشجيعهم ومدحهم.
تجربة شيلا:
تبلغ شيلا الرابعة عشرة من العمر، وبات والدها شديدي القلق حيال تقلباتها المزاجية وعزلتها الدائمة. بدأت شيلا تمضي مزيداً من الساعات في غرفتها وأصبحت تتجنب الخروج أو الاتصال بأصدقائها. كما تأثّر أداؤها المدرسي. إلى غرفتها أو محاولة إيقاظها كلّ صباح. تفاقمت المسألة بسبب تجاهل شيلا المستمر لهم. لجأ الوالدان إلى معالج نفسي في مدرسة شيلا، وعبّر لهما هذا المعالج عن احتمال معاناة ابنتهما من الاكتئاب.
تمت مناقشة الاستراتيجيات التي قد تساعد شيلا. أوّلاً، قرر الوالدان أنّ على أحدهما التحدث إليها، وتوصلا إلى أنّ الوالدة أكثر قدرة على التواصل مع شيلا. اختارت الأُم أن تتكلم مع ابنتها بعد تناول العشاء، حيث إنّه الوقت الذي تظهر شيلا فيها أعلى درجة من الإيجابية في أثناء النهار. تحدثت الوالدة مع ابنتها بنبرة هادئة ولكن صارمة في الوقت نفسه. شرحت لشيلا مدى قلقها والوالد وعدم قدرتهما على السماح لها بعد الآن بعدم الذهاب إلى المدرسة وبالبقاء في غرفتها. غضبت شيلا في بادئ الأمر وعبرت عن رغبتها بأن تُترك وشأنها. حافظت الوالدة على هدوئها وقالت لابنتها: إنّها تفهم ذلك ولكنها أُمها ولا تستطيع عدم التدخل لوضع حدّ لما يحصل. لم تتفاعل شيلا مع والدتها، ولكن ذلك لم يجعل الأُم تفقد صبرها. انتظرت إلى وقت لاحق وقالت لابنتها إنّ عليهما التحدث. عندها، بدأت شيلا بالبوح بما في داخلها وعبّرت عن وحدتها وانزعاجها. كان ذلك إنجازاً مهماً دفع الوالدة إلى الإصغاء إلى ابنتها بحذر شديد.
لجأت العائلة إلى التفاوض بعد ذلك لإيجاد أفضل الخطوات التي عليها اتباعها لحلّ المشكلة. كان القرار ألّا تمضي شيلا الأمسية بأكملها في غرفتها وأنّ عليها تناول العشاء مع الجميع والخروج مرةً كلّ يوم. تحدّثوا عن كيفية مساعدتها على العودة إلى المدرسة والجو الأكاديمي الطبيعي، ودفعهم ذلك للجوء إلى المعالج النفسي الخاص بالمدرسة. أدّى هذا الأسلوب الجديد القائم على الاحترام والصرامة إلى تحسن الوضع وبدا ذلك واضحاً في حياة شيلا.►
المصدر: كتاب التغلب على اكتئاب المراهقين
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق