• ٢١ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٩ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

انفعالات المراهق

انفعالات المراهق

◄هل تظهر موجات الغضب عند المراهقين أكثر من غيرهم؟ ولماذا يتم التعبير عنها بالانفعالات الشديدة، أو المباشرة، كالمصادمة، والمضاربة، والتحدي، والتراشق اللفظي، والاستعراض الجسمي؟ ولماذا يتسرع المراهق في اتخاذ القرارات، وفي الحصول على المطلوبات؟ لماذا العجلة والسرعة في ممارسة الأعمال، واقتناء الحاجات، وتنفيذ المهمات؟ هل يحزن المراهق ويغتم؟ وهل تصيبه الكآبة؟ وهل يلجأ إلى العزلة، والانطواء؟

وهل يُحِسُّ بالغربة، والهامشية، والدونية – أحياناً؟ ولماذا؟.

لماذا يفرح المراهقون بشدة عندما يفرحون؟ ولماذا يتشنجون عندما يُشَجِّعون؟ ولماذا يسرفون عندما يمدحون؟ ويقْذِعون؟ عندما يهجون؟ هل صحيح أنّ الحب والغرام إنّما يغلب على فترة المراهقة؟ وأنّ الحب والهيام، والتعلق بالجنس الآخر هو ظاهرة المراهقة، وقلَّ من لا يمر بها – من الناس – فمُقِلٌ ومكثر؟ لماذا يجد انفعال الحب والتعلق عند المراهق تمكيناً، ويستولي على لبه ومشاعره، ويستولي على فكره ومخيلته؟ ولماذا أحلام اليقظة؟ والجنوح إلى الخيال؟ لماذا يسرح المراهق كثيراً على مقعده وفي السيارة وعلى فراشه وبين الناس أو منفرداً لماذا الاعجاب والتعلق بالنماذج الاجتماعية الشائعة، كنجوم الفن، والرياضة، والمغامرات؟ ولماذا القتداء بها، والدفاع عنها، والمعاداة والمؤاخاة من أجلها؟

أسئلة كثيرة جدّاً تلك التي تتناول انفعالات المراهقين، وقد لا تتوفر الإجابة عليها كلها في الدراسات، والأبحاث النفسية الحالية، ويمكن تلخيص أبرز المعالم في انفعالات المراهقة، وما تتميز به عن غيرها من المراحل التي يمر بها الفرد – فيما يأتي:

1-    غلبة الخوف والقلق: فالمراهق غالباً يخاف على ذاته، ومستقبله، ويخشى من احتمالات الفشل والنجاح، ويشعر بعدم الاستقرار نظراً لعدم الثبات على شيء، ولفقد الرؤية الواضحة، وللغموض الذي يكتنف طريقه الجديد عليه. يشعر بمشاعر الرجال، ويملك بعض صفاتهم، لكنه لم يسلك طريقهم من قبل، فهو في بداية الطريق الطويل يقلق ويتساءل: ما هو العمل؟ وما هي الوظيفة؟ وما هو الدخل؟ من سيشاركه حياته؟ ما موقعه ومهمته؟ هل سيفشل أم سينجح؟ وما هي الضمانات؟ ماذا سيقول عنه الناس إذا عَجِزَ أو فشل؟ وكيف سيواجه الحياة مع البطالة والهامشية؟ وقد يخاف المراهق ولا يعرف مم يخاف، حيث يدركه القلق: القلق من المجهول. ويتوقع أن شيئاً مؤذياً سيحدث له، ولا يدري ما هو هذا الشيء. وقد لا يكون لهذا الشيء وجود أصلاً، فهو مجرد توهم، سببه الافراط في الحساسية، والعاطفة لديهم.

2-    قوة الانفعال: فالمراهق بسبب تكامله العضوي والعقلي – اللذين سبق الحديث عنهما – يملك ما يملكه الكبار من أنواع الانفعالات، ويدركه ما يدرك الكبار من الاستثارة العاطفية والشعورية، فهو يحب ويكره، ويهدأ ويغضب، ويتأنى ويعجل، ويجرؤ ويخاف، وهكذا صفات الرحمة، والشفقة، والشجاعة، والأنفة، والإخلاص، والمودة، والعطف، والبر... إلخ.

لكن المراهق تنقصه الخبرة والتجربة، ويستولي عليه التغير السريع المتتابع، فهو من حيث النمو والنضج يعيش في أوضاع وسمات جديدة عليه كلّ الجدة، ومن حيث البيئة والاكتساب بعد لم تعركه التجارب، ولم تصقله الخبرة، فبضاعته في هذا الشأن قليلة مزجاة، وزاده محدود جدّاً إن كان له من زاد. ومن هنا فإن من أصعب الأشياء عليه أن يضع الشيء في موضعه، أو أن يعطي كلّ ذي حق حقه، أو أن يمسك إذا اقتضى الحال الإمساك، ويطلق إذا اقتضى الحال الإطلاق، وشأنه كمن يملك الوسيلة والمادة لكنه لا يجيد استعمالهما بحسب المقتضى والحال. ولهذا فإنّ المراهق لا يستقر في انفعالاته، ولا يكون واقعياً في التعبير عنها؛ فهو يغضب كثيراً، وسريعاً، ولأسباب حقيرة.

وقد لا يستطيع التحكم في المظاهر الخارجية لحالته الانفعالية، فقد يلقى أو يحطم ما في يده، وقد يمزق ثيابه، ويتلف مقتنياته، وقد يضرب ويسب ويشتم ويهدد. وهو عندما يرغب في شيء يسرع إليه، ويسعى حثيثاً في طلبه، ويتعجل اتخاذ القرارات الخطيرة. بل هو إذا أحب أسرف وبالغ، يتعلق بمن يحب، ويهيم به، ويضحي من أجله، يملك عليه لبه، ويستولي على حاله ومخيلته، وهو حديثه وشغله الشاغل، وهذا سر شيوع الحب والغرام في سن المراهقة. والمراهق إذا أُعْجِبَ بشخص، أو جماعة، أو نموذج – سعي إليه، وجمع الناس عليه، وبذل في سبيله، وبالغ في مدحه، ودافع عنه ونافخ، ووضعه في أوّل مهماته التي لا يساوم عليها، وهذا من أسرار تعلق المراهقين الشديد بالرياضيين، وبالفرق الرياضية، وبأصحاب الفن، والتمثيل، وبأصحاب المغامرات، والسرك، وبأبطال التاريخ أحياناً. ومما يهيئ المراهق لذلك ما يتمتع به هؤلاء من الشهرة والظهور، ومن مكانة اجتماعية واعتبارية، بحيث تمثل نماذج مقربة وموثقة يتم الاحتذاء بها والتوحد معها، ويترتب على الضعف في المراهقين، واللمعان في المشتهرين – الميل والتعلق، والإعجاب الشديد، والمبالغة في التأييد والمناصرة، والتشنج. والعكس أيضاً صحيح؛ فالمراهقون يبالغون في الكراهية عندما يكرهون، ويظهرون من المقت والسخرية ما ينبيء عن هذه المبالغة، وانظر في مواقفهم من الفرق الرياضية التي لا يحبونها، أو من الأأشخاص الذين يكرهونهم، كبعض مدرسيهم – مثلاً –.

كذلك المراهقون يُغرِقُون في خيالاتهم وأحلامهم، ويبالغون – أحياناً – في تصور الحياة ومتاعها، ويضعون خططاً مثالية، وهم يجنحون إلى ذلك بسبب استعداداتهم التصورية، وقلة خبرتهم في الوقت نفسه. وقد يقرض المراهق الشعر، أو يكتب في النثر، ويصور عواطفه وأحاسيسه، ويسطر خياله وسرحاته، فتحس منها العاطفة الجياشة، والحساسية المرهفة، بل وترى الجري وراء عاطفته، والثقة بها، والبناء عليها.

هذه الميزة لدى المراهقين من الاستعداد للاستهواء، وسرعة الاستثارة، وهشاشة الانفعال، والفراغ النفسي المستعد للامتلاء – وبعبارة أخرى: مثل هذه الغزارة في الانفعال، والعاطفة، يمكن أن توجه الوجهة الصحيحة السليمة، وأن تضبط عن طريق محيط تربوي شامل متزن، لتخرج الشاب القوي، الطموح، المنضبط، المتعلق بالمثل العليا، والنماذج الرائعة في تاريخ أمته، وحاضرها. ويمكن أن تستثمر في تربية انفعالاته، ووضعها في الاتجاه الصحيح، ليعرف المراهق: كيف يرحم؟ ومتى يرحم؟ ولماذا؟ كيف يحب؟ ومتى يحب؟ ولماذا؟ كيف يُعْجَب؟ ومتى يُعْجَب؟ ولماذا؟ وهكذا...

وهذه الغزارة يمكن أن تمهد لبناء شاب ذي عواطف فياضة، متفاعلة مع الحياة، متجهة للخير والاصلاح، مؤثرة في علاقته بالأُمّة في شتى مستوياتها.

3-    الذاتية: وتعنى إعجاب المراهق بنفسه، واعتداده بها، والاعتقاد بأنّه محط أنظار الناس، وبؤرة اهتمامهم. ويسيطر على بعض المراهقين الاعتقاد بأنّ الناس ينظرون إليهم، كما ينظرون هم إلى أنفسهم، فالمنظار الذي ينظر به إلى نفسه هو المنظار الذي يجب أن ينظر منه الآخرون إليه، أو هكذا يجب أن يكون رأى الآخرين فيه، ويجب أن تكون صورته عندهم كما هي صورته عند نفسه. وهذا ناتج عن فقد التوازن الانفعالي والعاطفي لديه، وعن التحولات الفجائية والسريعة المؤدية للرجولة والأنوثة، مما يشعره بالاكتمال والتمام، وعن قلة الخبرة والتجربة اللتين تساعدان – إذا وجدتا – على الواقعية، وتحجِّمان من جموح المراهق وخياله.

ولوجود هذه الظاهرة في المراهَقة نجد المراهق ذا حساسية مرهفة لنقد الآخرين، يتألم من ذلك، ويتوجع، وقد يطوي حسراته وآلامه تلك عن الآخرين. وهذه الحساسية للنقد والرهافة في مواجهة مشاعر الآخرين إنما نتجت بسبب ما يشعر به من خسارة، وخيبة أمل، فيما كان يعتقده عن رأي الآخرين فيه، حيث يجد الذم عوضاً عن المديح، وذكر مثالبة بدلاً من مزاياه، وتسفيه حاله بدلاً من الأإشادة بها، وتشويه صورته وسيماه بدلاً من تلميعها والثناء عليها، إنّ أحلام المراهق وخيالاته وغلبة عواطفه وانفعالاته – تضفي عليه قوة وكمالاً، وفتوة وجمالاً، وتصوره عند نفسه على درجة من الأهمية، والقيمة لا حقيقة لها في الواقع، ولا وجود لها عند الناس، بل إن عكس الصورة هو ما يعتقده الناس عنه؛ فهو مازال صغيراً حقيراً. وهو غير قادر على تحمل المسؤولية وممارسة المهمات الصعبة. كما أنّ الجنس الآخر قد لا يهتم به، ولا يلقى له بالاً بالدرجة التي يعتقدها أو يظنها، ولهذا السبب يصير المراهق – في بعض الأحيان – ناقماً على والديه، ناقماً على الناس، ناقماً على مجتمعه، وتبدأ العبارات تترى على لسانه، مثل: "لا أحد يفهمي"، "ما يدريكم عني؟"، "أنا أفْهَم منكم"، "أنا أعْرَف بحالي"، "أريد أن لا أجلس إلّا مع أصحابي؛ فهم الذين يفهمونني"، وتبدأ موجات الغضب والاشمئزاز من مجتمع الكبار، ويشرع المراهق في الممارسات الدالة على هروبه من قضاء الوقت مع والديه، ومن الجلوس في منتديات الكبار، ومناسباتهم، والضيق والتبرم من تلك المجالس.

هذه الذاتية تعد من الاعتبارات المهمة التي يجب أن تُلْحَظَ عند التعامل مع المراهق، وتربيته، أو عند حلِّ مشكلاته، ومعالجة انحرافاته، فقد تكون هي منبع الحساسية والرهافة، أو الرفض والمواجهة، أو الخيبة والإحباط، ومن ثمّ العزلة والانطواء، أو الارتماء في أحضان رفقة السوء، والانقطاع إليهم. وقد تكون هي أيضاً سبب الغرور والعجب، والمثالية، أو الطموح الزائد، أو الإغراق في العناية بشكله وهندامه... إلخ.►

 

المصدر: كتاب المراهقون/ دراسة نفسية إسلامية للآباء والمعلمين والدُّعاة

ارسال التعليق

Top