• ٢١ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٩ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

الخبز والذهب!

محمد الحسين

الخبز والذهب!

حكى: أنّ فلاحاً فقيراً، كان يشتغل طول النهار، محتملاً أشد العناء ليكسب قوته وقوت عائلته.

وكم كان يمني النفس بالعثور على ركيزة ذهب تغنيه عن أتعاب الفلاحة، وتريحه من شقائها.

فبينما كان يشتغل في يوم شديد الحر، تحت أشعة الشمس المحرقة شعر بتعب شديد كاد ينهك قواه، فاستلقى تحت شجرة وارفة الظلال، وأخذ يندب حظه متأوهاً متحسرا.

ثم خاطب نفسه قائلاً:

"آه، لو وهبني الله قوة سحرية تحوّل كلّ ما تلمسه يداي إلى ذهب، إذاً لتخلصت من هذه الحيات التعسة، وعشت عيشة راضية".

وما هي إلّا بضع ثوان حتى سمع هاتفاً: إن قر عيناً واطمأن بالاً، فإنّ لك ما تشاء منذ الساعة، ضع يدك على كلّ ما تريد فسينقلب ذهباً وهاجاً

بهت، ولم يصدق ما سمعه، غير إنّه مد يده نحو الأرض وتناول حجراً صغيراً، ما كان يلمسه حتى أصبح ذهباً خالصاً.

اقتلع حشيشة، فإذا بها تنقلب من فورها إلى ذهب سبيك.

كاد الفلاح هذا يطير فرحاً!!

فاسترسل في خياله، ثم انشأ يقول: سأذهب إلى المدينة فأحوّل التراب والحجارة إلى ذهب، وساشتري أرضاً واسعة أبني عليها قصراً فخماً تحف به الجنائن، وتجري من حوله الأنهار... وسأشتري سيارة أنيقة، و... و... و... إلخ.

ثم هم بالقيام للسير ولكنه أحس بتعب شديد، وجوع أليم لا يستطيع معها سيراً، ولا حركة.

فقال لنفسه: "لأتغذ الآن".

ثم مد يده إلى الزاد الموضوع بجانب الشجرة وتناول قطعة من الخبز ولكنه، ما كاد يضعها في فمه حتى شعر بقطة من المعدن اعترضت أسنانه.

فإنّ الخبز قد أصبح ذهباً:

وكانت بجانبه بصلة فتناولها بيده ولكن ما كان أشد دهشة حينما رآها صارت كتلة ذهبية تخطف الأبصار بلمعانها، وتفتن الأنظار بجمالها، غير إنّه من المستحيل أن يستطيع أكلها.

ذعر الفلاح المسكين من المصيبة التي ألمت به على هذه الصورة ماذا يأكل؟

وماذا يشرب؟

وكيف يتسنى له أن يعيش؟

لم يبقَ لديه شك في أنّه سوف يقضي بعد قليل جوعاً وعطشاً غير أن يستفيد من هذه القوة السحرية التي اكتسبها، ولا من التلال الذهبية التي يستطيع أن يجمعها.

فكّر ملياً في عاقبة أمره، فعلم أنّه صائر إلى القبر بين آلام الجوع، والظمأ.

فاقشعر بدنه، وكاد يختنق من هول ما أحدق به من صور الموت المختلفة.

في هذه الساعة الرهيبة فتح عينيه، فإذا به لا يزال مستلقياً في الظل!!

فتنفس عندئذ الصعداء وقال:

"الحمد لله على أنّ ذلك كلّه لم يكن إلّا حلماً مخيفاً".

وبحقّ قالت الحكماء:

"القناعة كنز لا يفنى".

 

المصدر: كتاب المنتخبات من أحسن القصص (في الوعظ والارشاد والآداب والأخلاق)

ارسال التعليق

Top