◄تنشط كل الدول في الشرق والغرب لوضع الخطط والبراج والنشرات والندوات للإحتفاء بالشباب ورعايتهم..
وفي العالم العربي والإسلامي يجري العمل في أكثر من قطاع للمساهمة في هذه الرعاية.
ويبرز سؤال: ما هي البرامج التي وضعت في العالم العربي والإسلامي للمساهمة في توجيه الشباب ورعاية شؤونهم؟ وماذا قدمت هذه الدول وتقدم للمساهمة في أنشطة الشباب المختلفة؟
والإجابة واضحة نطالعها فيما تعلنه كل هذه الدول من برامج في مختلف الأجهزة الإعلامية. فالبرامج هي الأخرى مستوردة، ندوات عن دور الشباب في المجتمع.. لقاءات عن كيفية رعاية الشباب وفقاً لما حددته المدارس الاجتماعية في الغرب، حسب موقع الدولة من خارطة السياسة الدولية، كم هائل من النشاطات من كل شكل ونوع على المستوى المحلي والاقليمي والدولي.. وفي المقابل يبقى النظام الكامل والرائع الذي وضعه الإسلام لرعاية الشباب.
لقد قدم الشرق والغرب ما عنده من نظريات وتجارب ومحاولات وإقتراحات، وتوجهت الدول الإسلامية وكالعادة لإقتباس هذه البرامج والخطط حتى في مثل هذا الموضوع المتعلق بمستقبل الشباب المسلم، كان بامكان هذه الدول أن تقدم في هذا المجال المنظور الإسلامي، إضافة للفكر العالمي من حولها، وإسهاماً عظيماً – لو أرادت – في الجهود المبذولة لرعاية هذا القطاع الهام من قطاعات المجتمع الإنساني.. لقد رسم الإسلام العظيم، نظاماً عظيماً لرعاية الشباب منذ أربعة عشر قرناً.. رعايته بدنياً ونفسياً.. جسدياً ومعنوياً.. قلباً وقالباً.. مادةً وروحاً.. وإستطاع المنهج الإسلامي في تربية الشباب أن يقدم نماذج متوازنة من أبطال، حفرت أسماءها على صفحات التأريخ العالمي.
من الممكن توجيه المؤسسات التي تنشأ من أجل وضع برامج الشباب إلى النظام الإسلامي لإستخراج المنهج الكامل لتربية الشباب وتحويلهم إلى أفراد مثاليين يسهمون بكل ما لديهم خدمةً للمجتمع من حولهم.. فالإسلام رسم معالم السلوك السوي للشباب وحدد الطريق السليم لتجنيبهم موجات القلق والتوتر والإنحراف.
لقد قدم الغرب كل ما لديه من نظريات هشة، ولم يقدم المسلمون مما لديهم وهو كثير، وإكتفى أكثرهم بالسير وراء الغرب، وكانت النتيجة، شباب متسكع يقضي وقته في أمور تافهة جدّاً، وجموع تحتشد في الملاعب أثناء المباريات وهي على إستعداد لقتل بعضها بعضاً لأن فريقها خسر هدفاً أو كسب هدفاً، بينما فصّل الإسلام كثيراً في موضوع رعاية الشباب في مقابل نظريات مستوردة تتمخض عن جموع من الشباب الضائع والقلق والمريض والمدمن، وإن بقايا الإيمان التي ما تزال موجودة في العالم الإسلامي، حمت شبابه من هذا الإنحراف والإنحدار المهلك.
ومن المعلوم إنّ الله تعالى جعل الآباء رعاة لإبنائهم، وأخبرهم على لسان رسوله إنّه سائلهم عما إسترعاهم فقال (ص): "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته"، كما إنّ الله جعل الرجل ذا سلطة على أهل بيته ومسؤولاً عنهم وراعياً لهم، يحوطهم بعنايته، ويرشدهم إلى ما فيه صلاحهم، ويسعى في الأرض ويكدح لتأمين معيشتهم، ويرشد فتيانهم وفتياتهم لما يجب أن يكونوا عليه في مختلف مراحل حياتهم، ولا يألوا جهداً في توجيههم الوجهة الرشيدة، ويحذرهم من الإنزلاق والإنحراف في دروب شياطين الإنس، وهذا الجانب أعني به الجانب الديني والأخلاقي أهم من جانب المأكل والملبس والمسكن لأنّه تقوم عليه تصورات الشباب وتبنى عليه عقليته ويمتلئ منه ذهنه الخالي وفطرته السليمة المستعدة لإستقبال ما يوجه إليها غير أن هناك فئة من الناس أهملوا أولادهم لاسيما الذكور منهم، وهم في سن الشباب، ولم يستمروا في رعايتهم حتى يبلغوا سناً يميزون فيها ما ينفع وما يضر حتى وردوا موارد من لا نصيب لهم من صلاح، الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون، والذين مثلهم كأجساد لا أرواح فيها، فيشيروا على الشباب النقي لينتهج نهجاً خبيثاً. واذا بالشاب الناجح في دراسته، المحافظ على واجباته الدينية، المستقيم في أخلاقه، قد إستجاب إلى نداء الأشرار، ودب فيه الفساد، وأخذ بواسطته يتعاطى الممنوعات ويصاحب جلساء السوء وشيئاً فشيئاً يجد نفسه بين عشية وضحاها قد هوى نجمه، وإنتكس وضعه، فصار بدلاً من أن ينجح في دراسته كل عام، إذا به يرسب فيها، وبعدما كان يتقدم إلى المسجد لأداء الصلوات والعبادات، إذا به يستسلم للكسل، ويتقاعس في أداء الواجبات، ويؤثر الخمول والإنصياع لهواه وشهواته.
ومن الأمثلة على ذلك ما يلي: إنّ الشاب اليافع يدخل المنزل ويخرج منه الساعات الطوال التي تمتد أحياناً إلى آخر ساعة من الليل، ولا يسأله أبوه إلى أين ذهب ومن أين أتى ومع من كان، إنّ الولد المراهق يسافر في رحلات تستغرق أياماً بل أسابيع ولا يسأله عن أسباب ذلك ولا يناقشه، بل إن بعض الآباء يبذلون الأموال لأولادهم من أجل إنفاقها في الخارج وممارسة الرذائل والأمور الشائنة وإفساد الأخلاق من حيث يشعرون أو لا يشعرون.
فالأب الذي كان هذا وضعه، يوجه إليه السؤال التالي: ما معنى الأبوه في نظرك؟ وما معنى المسؤولية والأمانة المنوطة بك تجاه أولادك وأهلك؟ إنّ الواجب عليك عدم التساهل في رعاية الأبناء ومراقبتهم لاسيما من هم في سن المراهقة؟
إنّ على الآباء أن لا يغفلوا عن أبنائهم اليافعين، لاسيما الذكور سنهم، الذين قد يغشون كثيراً من التجمعات الغامضة والغاصة بمختلف العناصر ذات المشارب الشائنة والمشبوهة، الميالة إلى الشهوات والرغبات الخبيثة التي لا تأبه بالأخلاق والمثل النبيلة.. هؤلاء يكرسون جهودهم المادية والمعنوية لجر الشباب إلى نواديهم الموبوءة، وإيقاعهم في الشباك الغاوية وإغراقهم في المستنقعات المنتنة حيث الضلال والإنغماس في الرذيلة. إنّ إهتمام المسلمين بأولادهم اليافعين، أمر لازم عليهم، وتوجيههم الوجهة الصالحة، ودعمهم في تحصيل دروسهم، وزيارة مدارسهم وسؤال القائمين عليها عن سير دراستهم والعمل على إزالة ما يعترضهم من عقبات، والإستفسار عن مشاكلهم، ومحاولة حلها وتهيئة الجو المناسب لهم لإجتياز كل العراقيل والصعوبات.
وليعلم الآباء إن أولادهم هم أهم إنتاج لديهم، فعليهم العمل ما في وسعهم لإصلاحهم لأنهم جزء من صلاحهم وكذلك فإن فسادهم ينسب إليهم أيضاً، والآباء مسؤولون أمام الله وأمام المجتمع الإسلامي، فليحذروا من إهمالهم، وليجهدوا لأن يحذو الأبناء والشباب في سيرتهم حذو وسيرة الآباء السليمة، وإرشادهم إلى ما فيه صلاحهم، حتى يكونوا خير سلف لخير خلف..
وحيث إنّ الشباب هم الذين سيخلفون الآباء ويتسلمون قيادة المجتمع، فعليهم أن يكونوا شباباً صالحين مؤهلين لمسؤوليات ضخمة لا يمكن أن يقوم بها إلا رجال نشأوا على أساس من خلق قويم مستمد من التراث الإسلامي العظيم.
كما إنّ الحديث عن مسؤوليات الآباء تجاه أبنائهم الشباب واليافعين، حديث يطول ويتشعب لأنّ المسؤولية في ذلك جسيمة، والأمانة عظيمة، ومع ذلك فإنّ الكثيرين منهم قد أبدوا تقصيراً واضحاً في مسؤولياتهم تجاه أولادهم وأهل بيتهم، مما أدى إلى تمادي بعض الأبناء في العصيان وطاعة النفس والهوى والسير مع المارقين عن القيم والأخلاق، فإذا بهم يهون في مستنقع الجريمة والفساد والانحطاط الأخلاقي في جميع المستويات.
وأخيراً.. انّ المتأمل لهذا الموضوع الحساس، يلاحظ إنّ الدين الإسلامي الحنيف هو أول الأديان، الذي نادى ومنذ أكثر من أربعة عشر قرناً من الزمان بضرورة الإهتمام بصحة الشباب، ليست صحته الجسدية فقط، ولكن صحته النفسية والعقلية والبدنية.. بل ووضعت الأسس والقوانين لتربية الشباب، لكي يتحمل مسؤولية في الإعداد والبناء وليكون اللبنة الأساسي في بناء الأوطان والمجتمعات.
والإسلام حرص كل الحرص على وقاية شبابنا من الأمراض التي تتسبب عن المخدرات والخمور والجنس والأمراض النفسية وغيرها.►
المصدر: (مجلة الطاهرة/ العدد 167 لسنة 2006م)
ارسال التعليق