تعتبر الضغوط النفسية المالية من أهم الضغوط النفسية التي يتعرض لها عديد من الناس حول العالم، بوعي أو دون وعي. وكثيراً ما تتسبب هذه الضغوط بتبعات سلبية، وربما أضراراً جسيمة تنال من الصحة العقلية.
وفقاً لدراسة أجرتها الكلية الملكية للأطباء النفسيين، فإنّ نصف البالغين المديونين يعانون من مشكلات صحة عقلية تتراوح بين الشعور بتعكر المزاج والقلق، والإصابة بأمراض عقلية متقدمة.
يرى المتخصصون أن أضرار الديون يمكن أن تأخذ أشكالاً متباينة، كالشعور بالاكتئاب، الذي يولد الحزن وفقدان الأمل وغياب الرغبة في المشاركة في الأنشطة؛ أو الأرق، الذي يتسبب في مشكلات الحرمان من النوم بسبب التفكير المستمر في الديون؛ أو القلق بشأن المال، وتسديد الفواتير، والخوف من خسارة العمل، والعجز عن مقابلة النفقات الضرورية؛ أو اضطرابات تناول الطعام، باعتباره سلوك مواكبة يتم اللجوء إليه؛ أو الإحساس بثقل عبء المسؤوليات المالية، وصعوبة تدبير النفقات غير المتوقعة. وسوى ذلك مما يضعف المناعة ويتسبب بأمراض جسدية؛ ولا سيما عندما يهمل المديون مراجعة الطبيب لصالح دفع قرضه، ويزيد من ساعات العمل من أجل دخل إضافي، وينعزل اجتماعياً، ويغيب عن المناسبات المكلفة، بسبب إحراجه من وضعه المالي، الذي يحرمه أيضاً من فرص التنمية الشخصية والمهنية، كمواصلة التعليم العالي والاستثمار في التدريب والترفيه.
حسبما ترى مؤسسة الصحة العقلية البريطانية - على موقعها الإلكتروني - أنه من الخطأ الاعتقاد بأن الناس يجدون أنفسهم في الديون بسبب تبني أسلوب حياة مكلف، أو نتيجة استخدام غير حكيم لبطاقات الائتمان، حيث يمكن أن يغرق الناس في الديون في حالتي البطالة والوفرة على حد سواء. ويكون الجميع معرضًا لذلك، بغض النظر عن الاتجاهات نحو النقود، فالحياة تتغير، وتتعدد أسباب الضغوط النفسية المالية. فمن الممكن أن تتمثل في البطالة، التي تعني فقدان الدخل وقصور الأمان المالي؛ وفي تدني الدخول، حيث يعاني الناس في مواجهة حاجاتهم الأساسية، ويعجزون عن الادخار للمستقبل. كما يلعب تجاهل الفواتير وتأخير سدادها دورًا، مثلما يفعل ارتفاع حجم المديونيات، الذي يؤدي إلى مدفوعات إضافية بسبب تراكم الفوائد، وإضعاف القدرة على مقابلة نفقات الحياة.
هذا، وتكمن أسباب أخرى لهذه الضغوط في قصور المعرفة المالية، التي تفضي إلى قرارات مالية غير سليمة؛ وغياب الاستقرار المالي، بسبب عوامل مثل الركود الاقتصادي، أو التغيير المفاجئ في الدخل على أثر فقدان الوظيفة، أو فقدان أعزاء داعمين، أو نتيجة للانفصال عن شريك الحياة. كما تؤثر مشكلات الصحة العقلية على المالية، كأن يفقد المكتئب طاقته، أو دافعيته لمتابعة نفقاته، ويفشل أثناء «نوبة هوس» في اتخاذ قرارات مالية عاقلة. أو يتعرض أثناء مرضه لخصومات بسبب التأخير، أو الانقطاع عن العمل، أو بسبب نفقات علاج تفوق إمكانياته. وتساهم الضغوط الخارجية من الشركات والبنوك التي تطارد العملاء بعروض القروض، ورفع الحد الائتماني لبطاقات الإقراض، والإغراء بالاستدانة وشراء ما لا يحتاجون حقًا، في مزيد من الضغوط النفسية المالية.
ومن التفسيرات النظرية للعلاقة بين الضغوط النفسية المالية والصحة العقلية، أن الضغوط النفسية تلعب دور الاستجابة لأوضاع مهددة لسلامة الإنسان، وباستخدام استراتيجيات المواكبة، يتم التعامل مع هذه الأوضاع غير الطبيعية وتخطي الضغوط النفسية، ولكن في حالة الضغوط النفسية المالية الشديدة والمزمنة، تفشل الاستراتيجيات المذكورة في أداء دورها، وتفضي إلى مخرجات صحة عقلية سلبية - 61 في المئة من الأمريكيين البالغين يعيشون ضغوطًا نفسية مالية، و72 في المئة قالوا إنهم يشعرون بالضغط النفسي المالي على الأقل لبعض الوقت، مع تأكيد جماعي على وجود آثار سلبية لهذه الضغوط على الصحة العقلية، وفقًا لمسحي جمعية علم النفس الأمريكية، وشبكة الصحة المالية.
الذاتية والموضوعية
اعتمدت بعض البحوث في مجال ربط الديون بالصحة العقلية على الرواية الذاتية والمقاييس المقيمة ذاتيًا للصحة العقلية. ولكن رغم أهمية خبرة الأفراد الشخصية في تشخيص الإضرابات العقلية، إلا أن هناك قيودًا مرتبطة باستخدام بيانات المسح لقياس انتشار المشكلات العقلية. فأسئلة المسح قد لا تلتقط المشكلات العقلية الحادة، وتقف عند تدهور المزاج الخفيف العابر محدود الأهمية الإكلينيكية. كما يمكن أن تتضمن المقاييس ذاتية الرواية أخطاء، حين يتناول البعض مشكلات غير حقيقية، أو يفشلون في تسليط الضوء على قضايا صحية حقيقية. وقد لا يستجيبون بصورة صحيحة. كما يختلف الأفراد في تفسير المواقف الاقتصادية الفعلية، ويتباينون في الاستجابة لها، مما يقترح أن التحليلات لمقاييس الذاتية والموضوعية قد تفضي إلى نتائج مختلفة فيما يتعلق بالعلاقة بين الديون والصحة العقلية.
وقد فحصت دراسة سويدية الرابط بين صعوبات سداد الديون والصحة العقلية، وتغايرها عبر مقاييس الصحة العقلية الذاتية والموضوعية. واستفادت من بيانات التقارير الشخصية عن الحالة الصحة العقلية، وتسجيل معلومات عن استهلاك الأدوية النفسية لعينة كبيرة وممثلة من السكان السويديين البالغين. وتمت دراسة كل من الرابط بين صعوبات السداد، ومستقبل اعتلال الصحة العقلية، والرابط بين المشكلات العقلية السابقة وصعوبات السداد المستقبلية، كأسباب من الاتجاهين. وسمحت بيانات التسجيل الكبيرة والغنية بمراعاة الخبرات ذات التاريخ لمشكلات الصحة العقلية الحادة بدرجة أعلى بكثير من معظم دراسات الملاحظات الرصدية الأخرى.
استراتيجيات المواكبة
أما استراتيجيات مواكبة الضغوط النفسية المالية وتحسين الصحة العقلية الموصى بها فهي: وضع ميزانية تساعد على فهم جميع الجوانب المالية، مع قائمة الالتزامات، ومعرفة مواطن إمكانية خفض النفقات بترتيب أولويات المديونيات والبدء بالأعلى فائدة. وطلب النصائح التي تؤدي إلى قرارات صائبة؛ ووضع خطة لتحقيق الأهداف المالية المنشودة؛ والحصول على دعم، ومساعدة علاجية لتحسين الصحة العقلية. ورعاية الذات من خلال النوم الجيد، وتناول الطعام الصحي، والحرص على أداء التمارين بصورة منتظمة، إلى جانب دعم العائلة والأصدقاء.
ومن المهم تجاوز مشكلة الشعور بالخجل من طلب المساعدة النفسية وتعظيم الوعي بالمصادر المتاحة لمواجهة الآثار السلبية للضغوط النفسية المالية، كتقديم الاستشارات المالية المفيدة للتعامل مع الديون، والتخطيط المالي سواء المباشرة أو بالهاتف أو على الإنترنت، والعلاج النفسي لاقتراح استراتيجيات مواكبة للتعامل مع الضغوط، ومجموعات الدعم التي توفر فرصًا آمنة للحديث عن الضغوط النفسية المالية، وهموم الصحة العقلية مع آخرين يعانون من المشكلات نفسها.
ومن الأسئلة التشخيصية المهمة الموصى بها: هل تشعر بالقلق عندما تفكر في كيفية سداد الديون؟ وهل تعاني من أجل دفع الحد الأدنى من الالتزامات؟ وهل تتجاهل رسائل أصحاب الديون وتتجنب الرد على مكالماتهم؟ وهل أنت عاجز عن توفير مبلغ للطوارئ؟ وتعني الإجابة بنعم الحاجة للمساعدة.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق