• ٢٢ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٢٠ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

هل تحسن قراءة لغة الجسد؟

هل تحسن قراءة لغة الجسد؟

◄حركاتك قد تبوح بأسرارك الدفينة

وتَعطَّلت لغة الكلام، فتَكلَّم الجسد. نعم للجسد لغته، وفيها يستخدم أعضاءه كلّها، فتتضافر مجتمعة في آنٍ واحدٍ، لتصدر إشارات وإيماءات، لكلٍّ منها معنى، وهدفها إيصال الحكاية التي يريد الجسد أن يحكيها. ما هي هذه اللغة؟ ولماذا يترجمها الجسد إلى إشارات؟

وما هو تفسيرها؟ وهل ندرك حقيقتها؟

إشاحة النظر أو تثبيته، رفع الحاجبين أو عقدهما، زَمّ الشفتين أو فتحهما، رسم الوجه بعلامة الدَّهشة أو الاستغراب أو الغضب، طقطقة اليدين والقدمين، ضم اليدين وتشابكهما، المشي ببطء أو بسرعة، نماذج عن حركات وإشارات تطلقها أعضاء أجسادنا لتقول شيئاً من خلالها. هذه الإشارات تسمَّى "لغة الجسد". في الواقع؛ إنّ هذه اللغة ليست علماً جديداً، حيث إنّ خبراء النفس يعتمدونها منذ أمَد بعيد لتحليل شخصيات الناس، وهناك الكتب والمجلات والمحاضرات، وغيرها من المنشورات والدراسات التي تتحدث عنها وتشرحها وتحلّلها. لكن، أين الناس إذن من لغة الجسد؟ هل ينتبهون إليها ويقرأونها بدقّة؟

ماذا يقرأون منها؟ وهل تَصيب قراءتهم أم تَخيب؟ وماذا عنك أنت؟ خصوصاً أنك في حال رغبت أم لم ترغب، هناك مَن يقرأ لغة جسدك؟ هل تُحسن أنت أيضاً قراءة لغة جسده؟

 

تذاكي:

"نعم أستطيع أن أقرأ بعض الإشارات التي تطلقها أجساد المرضى، الذين أرعاهم في المستشفى حيث أعمل". هذا الإقرار يصدر عن منى شحاتة (ممرضة، متزوجة منذ 4 أعوام، لديها ولدان). وتقول: "أعرف المريض الذي يتظاهر بالمرض، لحظة وقوع نظري عليه. فللمتألم طريقة في التعبير عن ألمه، وللمتظاهر بالمرض طريقة أخرى غير حقيقية، وقناعها يسقط حتى من قبل أن يكشف الطبيب عليه". وعندما نسأل منى عن كيفية تمييزها بين المريض والمتمارض، تجيب: "المريض يكون مُتعبَاً بحق، تكون عيناه غائرتين، ويكون وجهه أصفر أو شاحباً، وأنينه يخرج من القلب ضعيفاً واهناً. بينما المتمارض هو مدَّعٍ لا أكثر، لا شحوب يرتسم على وجهه ولا علامات ألم، إلّا أن عينيه تلمعان بالكذب والخداع والمكر. للأسف، هم لا يعرفون أننا نستطيع تشخيص حالتهم المزيَّفة فوراً". تضيف منى: "هؤلاء يقصدوننا للحصول على إجازة مَرضية تريحهم من العمل، أو لأنّ الوساوس تلعب برؤوسهم وتصوِّر لهم المرض، أو لأسباب أخرى في نفوسهم". لذا، تحذر منى بصرامة: "فلينتبه المتمارضون إلى لغة أجسادهم، لأنّها تتحدث إلينا مباشرة وتفضحهم.. أنصحهم بالكفّ عن التذاكي علينا".

 

خبرة:

تجارب من نوع آخر، يعيشها عبدو سعيد يومياً مع الناس، الذي يقدِّم لهم الطعام. فعمله كنادل في مطعم، يجعله مضطراً إلى التعامل مع فئات كثيرة من الناس، مختلفي الطّباع.. يحكي: "عملي أهّلني لإصدار الأحكام في حقِّ كلّ النوعيات التي تقصدنا في المطعم، وبتُّ قادراً على قراءة شخصياتهم الحقيقية، بمجرد النظر في عيونهم، ومن قبل أن يَنطقوا حتى. فهنالك إشارات لليد والأصابع تصدر عن صاحبها، تدل سريعاً على شخصيته، وتكشف عن حالته النفسية. وحين أتقدَّم منهم لأخذ طلباتهم، سرعان ما تتضح لي صَوابيّة حُكمي". الخبرة التي اكْتَسبها عبدو من مجال عمله، علَّمته كيفية قراءَة "لغة الجسد". يقول في هذا السِّياق: "أرى يومياً نماذج كثيرة من الناس، منهم مَن يحترم نفسه كثيراً، ويتجلّى ذلك في طريقة جلوسه إلى طاولته بكلِّ أناقة واحترام، ومنهم الزبون الغاضب الذي يكشف عن حالته النفسية، من انكماش وجهه وارتجاف شفتيه، ومنهم المتسلّط الذي يَرمُق الجميع بنظرات نارية في كلِّ اتجاه، ومنهم المتكبّر الذي ينظر بتعالٍ إلى الحاضرين، وكأنّ الأرض لا تتسع لأحد سواه". يستمر عبدو في تعليقاته مُضيفاً وساخراً: "الناس ألوان وأجناس، منهم مَن لا يكترث للغة جسده التي تفضحه، على الرغم من أنّه يدرك أنّ الآخرين اكتشفوا حقيقته، من ردّ فعلهم تجاهه".

 

إشارات:

بدورها، تكشف رانيا نبيل (خبيرة تجميل، متزوجة منذ 10 أعوام، لديها ابنة وحيدة)؛ أنّ لها علاقة وطيدة بلغة الجسد، تُخوّلها تفسير الكثير من حركات وسكنات هذه اللغة، مُوضحة أنها من خلال مطالعتها كتاباً يحمل عنوان "لغة الجسد"، حفظت بعضاً ممّا يفسره. تقول: "مثلاً، إذا كان أحدهم واقفاً يكلّمني وقدمه اليمنى تتقدم اليسرى، فذلك يشير إلى أنّه يصغي جيداً إلى ما أقوله ويحترمه، وإذا كان يُكتف يديه، فيعني ذلك أنّه مستعجل ويريد الانصراف. أما مَن يؤشّر بيديه كثيراً، فهو شخص منفعل، ومَن لا ينظر في عيني مَن يحدِّثه، فهو مشتَّت الذهن وشارد، أو أنّ حديثه لا مصداقية فيه ويحتمل الشك". تشرد رانيا لحظة، في محاولة منها لتذكُّر ما قرأته في الكتاب. تضيف: "إذا تحدثت إلى شخص وكان يضع يده في جيبه، فهو يقول لك بصراحة: "لست مكترثاً بحديثك". تبتسم رانيا وتتابع: "نسيت معظم ما قرأته في الكتاب، ولكن للجسد إشارات كثيرة مثيرة للاهتمام".

 

قراءة الرجل أسهل:

قراءة لغة الجسد لا تبدو عملية سهلة بالنسبة إلى سعيد عبدالكريم (مسؤول مبيعات، متزوج منذ سنة واحدة). لكنه يحاول على حد قوله، سَبْر أغوار بعض من إشارات هذه اللغة، موضحاً: "لست قارئاً جيداً للغة الجسد، إلا أنّ تعابير الوجه تترك في نفسي الكثير من الانطباعات التي أفسرها على طريقتي. فمثلاً ارتفاع الحاجبين فجأة، يعبّر بمفهومي الخاص عن انزعاج صاحبهما، أو دَهشته من أمر ما باغته. كما أنّ لحركة العينين والفم بشكل عام، ردود أفعال سريعة، يمكن فهمها لحظة رؤيتها مترافقة مع الظروف المختلفة، مثل الفرح والحزن والخوف والتردد والشرود وغيرها".

من ناحية ثانية، يلفت سعيد إلى أنّ "الرجل يعبّر بجسده أكثر من المرأة التي تخجل بطبيعتها، لذلك يسهل عليّ قراءته بوضوح أكبر، حيث إنّ لغته الجسدية، غالباً ما تتركز على الهالة الذكورية بالتحديد، وما يتبعها من تجسيد لدور عنترة بن شداد، القوي والباسل الذي لا يُقهَر، الأمر الذي يُنبّه حركات جسده كلها".

 

تركيز:

"ما في القلب لا يمكن للعين إلا أن تراه". هذا هو تفسير غزوان الشيباني (موظف) للغة الجسد، موضحاً: "وجوهنا تعكس ما في دواخلنا، لذلك أقرأ بوضوح الحزن والفرح والغضب والكره والاشمئزاز، في وجوه مَن يعبّرون عن هذه الحالات. كما أنّ القسوة والعَجْرفة واللؤم تظهر جليّة أيضاً، إضافة إلى حالة الشخص النفسية والمادية والاجتماعية".

"لا يمكن لأحد أن يخفي حقيقته"، يؤكّد غزوان: "لأنّ لغة جسده سوف تفضحه لا مَحالة. والرجل بالتحديد، يمكن قراءة لغة جسده سريعاً، بعكس المرأة التي تتميز بالغموض والتقلب والمزاجية".

وفي نهاية تعليقه، يلفت: "لست مُلمّاً بتحليل الشخصيات من وجوهها، ولكن هذا لا يعني عجزي عن فهم بعض ما يحكيه الجسد علناً ومن دون ضوابط. هذه القراءة، في معظم الأحيان، لا تحتاج منّا إلّا إلى تركيز بسيط".

 

تمييز:

مستندة إلى المبدأ القائل؛ إنّ المرأة تُحسن قراءة امرأة غيرها، تقول سوزان أبوعمر (متزوجة منذ 8 أعوام، لديها ولد وبنت): "يسهل عليّ قراءة المرأة، لأنّها تستخدم تعابير وجهها أكثر من الرجل". تضيف: "أنا أميّز بين اللئيم والشفّاف وبين الخجول والمتكبّر، من خلال العينين وحركات اليدين وطريقة المشي، وغالباً أصيب في قراءتي". وتَعتبر سوزان أنّ "معاشرة الآخرين تسهّل علينا قراءتهم، لأنّهم يكونون تحت مجهرنا. بالتالي، في وسعنا أن نحكم عليهم بطريقة أعمق مما كنّا نصادفهم بُرهة وجيزة". تختم: "في رأيي يختلف مَضمُون قراءة الجسد من شخص إلى آخر، وما أفهمه شخصياً قد لا يتفق معي الآخرون عليه، وربما كبار السن يكونون أكثر حنكة وحكمة منا في هذا الموضوع". في رد سريع لزوج سوزان عماد حسين (مدير منتج استهلاكي) على الموضوع، يصرّح: "على عكس زوجتي، أجدني قادراً على قراءة الرجل أكثر من المرأة، ربما بحكم عملي المباشر مع هذه الفئة". ومن جانبه يقرّ: "أميّز بين الكاذب والصادق وبين المخادع والأمين، بمجرد النظر إلى تعابير وجه كلّ منهم، أو مراقبة رد فعله وتلّون وجهه". كما أنّ لعماد تحليلاً شخصياً للذي يمشي ورأسه إلى أعلى، جاعلاً الآخرين دون مستوى نظره، حيث يقول عنه: "هذا الإنسان يكون متكبراً وغليظاً، على العكس من الذين يمشون ونظرهم في مستوى نظر غيرهم، مؤكدين أنّ أقدامهم تدوس الأرض، وتشارك مَن عليها التواضع". إنما هذه القراءة التحليلية لمعاد، بحسب اعترافه: "لا تصيب دائماً، بل تخيب في الغالب، لاسيّما في مجال عملي. فمنهم مَن أحكم عليه بالسلبية وبعد أن أتعرف إليه، أجده على العكس من ذلك".

 

حُكم:

قد تصعب قراءة لغة الجسد على البعض، لكنها بالنسبة إلى البعض الآخر واضحة مثل وضوح النهار. وفي هذا السياق، يعرب الهاني شاكر (مسؤول موظفين، متزوج منذ سنة ونصف السنة) عن رأيه ببساطة وثقة قائلاً: "أنا ممتاز في قراءة العناوين العريضة للغة الجسد، فمن يمشي محني الكتفين، يقول لي فوراً إنّه مثقل بالهموم. أما إذا كانت عيناه متعبَتين يلفهما السواد، فهذا يعني أنّه لا ينال قسطاً كافياً من النوم لأسباب كثيرة محتملة، منها الأرق أو القلق، أو لكونه يعمل ليلاً، أو يقضي أوقاتاً طويلة أمام شاشة التلفزيون أو الكمبيوتر". إضافة إلى قراءة الهاني المستفيضة للمشي وحالة العينين، يلمح إلى أنّ نبرة صوت الشخص الذي يكلمه "لا تكذب حكمي عليه". يضيف: "أستطيع أن أحدد بشكل قاطع من خلال صوت المرء، ما إذا كان فرحاً أو حزيناً، أو ما إذا كان يكذب أو يقول الحقيقة، أو هو صاحب شخصية مترددة أو جازماً وصارماً. ذلك أنّ لنبرة الصوت لغة مكشوفة جدّاً، تفضح صاحبها مهما حاول إخفاء أمره".

 

عشرة:

وبما أنّ للجسد لغته الخاصة، التي يقرّ كثيرون بعجزهم عن قراءتها، تعلن مروى ممدوح (متزوجة منذ 4 أشهر)، أنها ليست خبيرة في قراءة لغة الجسد؛ "لكنني أحاول فهم بعض إشاراتها العامة، مثل الصوت المرتفع الذي يعبّر عن عصبية صاحبه". في المقابل، لا تنكر مروى حقيقة أنّ "قراءة لغة عيون المقرّبين مني، تجعلني أفهم حين يَشيحون بنظراتهم عني في منتصف حديث أجريه معهم، أنّهم يخفون حقيقة ما عني". كما أنّها لا تخفي أنّ زوجها "هو أكثر شخص أحسن قراءته من بين الناس كافة، وأعتقد أنّه يُحْسن أيضاً قراءتي. هذا لأنّ حركات جسدينا وإشاراتهما واضحة ومتكررة، وتنذر بأفعالنا، وباتت مع الوقت والعشرة مقروءة بشكل لا يقبل التأويل أو الشك".

 

فكرة:

وعلى الصعيد نفسه، تَعتبر غفران داوود (إدارية، متزوجة منذ 3 أعوام، لديها ابنة وحيدة) أنّ لغة الجسد "صعبة الفهم"، إنّما هذا لا يمنعها من قراءة بعضها، حيث تقول: "لا أعرف ما إذا كان الغناء بصوت عالٍ، يندرج ضمن ما يسمّى لغة الجسد، لكن الأمر بالنسبة إليّ يدل على فرح صاحبه. وأعرف تماماً أنّ الشخص الذي أحدثه وأراه يحرك حاجبيه صعوداً ونزولاً، إنما هو بالتأكيد يتفاعل مع حديثي بشكل إيجابي". وقبل أن تضيف أمراً آخر، تعلق: "أنا من الأشخاص الذين يمكن لأي كان أن يقرأ وجوههم بوضوح، ويفهم تماماً ما يجول في خواطرهم". وتكمل قراءتها للغة الجسد موضحة: "استناداً إلى علاقتي بالأشخاص القريبين مني، أصبحت قادرة على تكوين فكرة مبسطة عن لغة الجسد، تمكنني من الحكم على الشخص الذي أتعامل معه، وذلك بحسب نمط حديثه وهيئته ومشيئته ونظراته".

 

مَلَكة:

بعيداً عن الآخرين وقراءتهم، تقف أختر المغربي (متزوجة منذ 22 عاماً، لديها 3 بنات) مُصرِّحة: "لا أحسن القراءة مطلقاً، ولكن موضوع لغة الجسد يشدني وأحب أن أقرأ عنه في الكتب والمجلات".

تحاول أختر أن تبحث عن شيء تقوله: فتسرَح بعيداً وتتمتم: "ربما أستطيع قراءة الإشارات التي تَظهَر بوضوح على الناس، كوجه الشخص العصبي الذي يَكفهرّ ويعبس بشدة. وفي هذا المجال أعتقد أنّ الرجال هم أكثر سهولة في القراءة عن النساء، لأنّهم أصدَق في التعبير، ويملكون جرأة أكبر من النساء المعروفات بالتحفّظ والدهاء". تضيف: "نعم. يظهر على وجه الرجل ما يضمره في داخله، لأنّه لا يحاول التصنّع ولا التكلّف، وقد يكون ذلك سهل القراءة لأمثالي، من اللواتي لا يملكن مَلكة قراءة لغة الجسد".

 

تواصل:

"إنّ التواصُل الإنساني لا يتوقف عند حدود الكلمات المنطوقة، بل يتعدى ذلك ليشمل حركات الجسم وأعضاءه، كالوجه والعينين والأطراف والهيئة العامة". بهذا التعريف، يبدأ المستشار النفسي الدكتور محمّد النحاس، حديثه عن لغة الجسد، موضحاً: "إنّ حركات الإنسان المتمثلة في التقطيب والتجهّم والتبسّم، وحركات الجوارح كلها، تمثل أدوات مساعدة توصل المعاني إلى الآخرين وتؤثر فيهم بشكل كبير. ولعل أهميتها تكمن أيضاً في قدرتها على ترجمة ما يدور في خلجَات النفس، وإظهاره على أعضاء الجسم الخارجية، من دون سيطرة من الإنسان عليها في كثير من الأحيان. فهي بذلك تشكل عاملاً مهماً في عملية التواصل البشري". يشير الدكتور النحاس إلى أنّ "الأبحاث المتوافرة في هذا الموضوع، تفيد بأنّ لغة الجسد أهم من أيّة رسالة تنتقل إلى الشخص الآخر، وهي تستخدم تعابير الوجه، وحركات اليدين والقدمين، وملابس الشخص المتكلم ونظراته، وتَوتّره، وانفعالاته وما إلى ذلك". لافتاً إلى أنّ "العين تمنحك مفتاح الشخصية، الذي يكشف حقيقة ما يجول في عقل مَن هو أمامك، لأنك ستعرف من خلال عينيه ما يفكر فيه، حيث إنّك إذا رأيت جليّاً اتّساع بؤبئي عينه، فذلك يدل على أنّه سمع منك شيئاً أسعده. أما إذا ضاق بؤبؤا عينه، فالعكس هو الذي حدث، وإذا ضاقت عيناه ربما يدل على أنك حدّثته بشيء لا يصدقه، وإذا اتَّجهت عينه إلى أعلى جهة اليمين، فهو يرسم صورة خيالية مستقبلية، وإذا اتّجه بعينه إلى أعلى اليسار، فهو يتذكر شيئاً من الماضي، له علاقة بواقعه الحالي. وإذا نظر إلى أسفل، فإنّه يتحدث مع أحاسيسه وذاته حديثاً خاصاً، ويشاور نفسه في موضوع ما. وإذا رفع المرء حاجباً واحداً، فإنّ ذلك يدل على أنك قلت له شيئاً إمّا أنّه لا يصدقه أو يراه مستحيلاً. أما رفع الحاجبين الاثنين، فيدل على أنّه فوجئ. وإذا قَطّب بين حاجبيه مع ابتسامة خفيفة، فإنّه يتعجّب منك، ولكنه لا يريد أن يكذبك. وإذا تكرر تحريك الحاجبين فإنّه مبهور ومتعجب من الكلام، ومَوجَات كلامك تدخل إلى رأسه بأشكال عدة". وفي هذا الإطار، يقول الدكتور النحاس مفسراً: "هناك قراءات لا تصح في بعض المواقف، ويجدر التعامل الشمولي معها. مثلاً؛ إنّ وضع اليد على الخصر يشير إلى استعراض صاحبه، لكنه في بعض المواقف هو دليل على تعب أو إرهاق مَن يقوم بهذه الحركة، إذن في هذه الحالة، يَصح مراعاة ظروف الموقف قبل القراءة". يتابع: "إنّ الرجل يتعامل مع الموقف من خلال العقل ثمّ الانفعال، بينما تتعامل المرأة مع الموقف بالانفعال ومن ثمّ العقل. ونعرف أنّ الإنسان الذي ينفعل، يزيد هورمون الأدرينالين لديه. بالتالي، تصبح حركاته ودلالاته مكشوفة للآخرين. لذلك نعتبر أنّ المرأة هي الأسهل للقراءة من الرجل". ويشير الدكتور النحاس في ختام حديثه، إلى أنّ "الإنسان المشغول بذاته، لا يستطيع أن يقرأ انفعالات الآخرين، لأنّه ببساطة أناني ولا يهتم إلّا بنفسه. أما الشخص الذي يبدي اهتماماً حقيقياً بالآخرين، نجده يقرأ لغة أجسادهم بسهولة، ويفهم انفعالاتهم واحتياجاتهم، من خلال مراقبته حركات وإشارات هذه الأجساد".

 

إتيكيت:

من ناحيته يُعرِّف خبير الـ"إتيكيت" الإماراتي محمّد المرزوقي، لغة الجسد، بأنّها "إشارات لا يرغب الشخص في إظهارها، إنما الجسد يُظهرها بشكل عفوي"، لافتاً إلى أنّ هذه الإشارات "تعبّر عن شخصية صاحبها، لأنّها تكشف عن بعض ما هو موجود داخل الإنسان، الذي يتصرّف عن غير قناعة، فيكشفه الجسد، ويجعل الطرف الآخر يشعر بذلك. فمثلاً؛ إذا كانت الابتسامة نابعة عن قناعة، تصل إلى المتلقّي في إطارها هذا، ولكن إذا كانت صفراء أو مصطنعة، لابدّ للمتلقّي أن يشعر بذلك".

وانطلاقاً من هذه الحقيقة، يؤكّد المرزوقي: "أنّ تصرفات الإنسان كلّها، تنتج عن قناعات داخلية، وإنْ كان قادراً على تغطية الأمور الخارجية، فهو لن يستطيع تغطية ما يعتمل في داخله، أو ما هو غير مقتنع به. وأكبر مثال على ذلك، هو أنّ الجمال لا يكتمل إلّا بالتنسيق بين الداخل والخارج".

ويكمل المرزوقي إعطاء الأمثال في هذا الإطار، حيث يقول: "كثيرة هي المرات التي تفضحنا فيها لغة الجسد، أذكر منها، حين نستقبل ضيفاً ونُمعن النظر تكراراً في الساعة لمعرفة الوقت، فيدرك تململنا من انتظاره أو انزعاجنا منه، حتى لو حاولنا إخفاء الأمر ظاهرياً، لأنّ حركتنا الجسدية أو الإشارات التي يطلقها جسدنا تكشف أمرنا. كما أنّ تعابير الوجه في ظروف ما، وارتسام الدهشة علينا من دون الإفصاح عن تفكيرنا للطرف الآخر، تندرج في قائمة الإخلال بالسلوك اللائق، أو عدم احترام مَن نصغي إلى حديثه". وفي ما يتعلق بالـ"إتيكيت"، يشير المرزوقي إلى أنّه "نظراً إلى عدم تَوحُّد الإشارات على مستوى العالم، واختلاف تفسيرها بين مجتمع وآخر وبين ثقافة وأخرى، نَعتبر أنّ الإنسان الذي يعبِّر بكثير من الإشارات، هو غير مثقف وعاجز عن التعبير باللسان". ويتطرق إلى لغة الجسد الخاصة بالمرأة، وتلك الخاصة بالرجل، فيوضّح "أننا نستطيع أن نقرأ لغة جسد الجنسين"، محذراً المرأة في العادة "لتنتبه إلى لغة جسدها، لكونها تُعرَف بأنوثتها الحسّاسة وحنانها ورقتها". يضيف: "هذا الموضوع ينطبق عليها بشكل يزعجها ويؤثر فيها وفي صورتها، أكثر من تأثيره في الرجل. ونحن هنا لا نسيء إليها بهذا القول، لأنّها في نظرنا تبقى دائماً متميّزة، لا بل مُمَيَّزة جدّاً، وأنوثتها أشبه بنوتة موسيقية صعبة، لا يستطيع عزفها إلا فنان مبدع واحد".

ويختم المرزوقي بالإشارة إلى أنّ "لغة الجسد تعبّر عن شخصية الإنسان. بالتالي، تمنحه فرصة قبول الناس له اجتماعياً أو العكس، أي نبذه واعتباره غير مرغوب فيه. لذا، يتوجّب على المرء الاقتناع داخلياً بتصرفاته وأعماله، لتتجانس قناعته هذه مع إشارات جسده أو لغته".

 

بعض إشارات الجسد وتفاسيرها:

يتطرّق المستشار النفسي د. محمّد النحاس، إلى تفسير بعض إشارات الجسد على النحو التالي:

-         لمس اليد للوجه أثناء الحديث: أمر مرتبط بالكذب، وكذلك الحال عند لمس الأنف أثناء الكلام.

-         لمس الأذن: يلجأ إليه البعض عند التشكيك في كلام يُقال أمامهم.

-         هَزّ الرأس: فيه إشارة إلى التأييد والاهتمام.

-         وضع اليدين على الطاولة في اتّجاه الشخص المتحدّث: هو بمثابة دعوة إلى تكوين علاقة متينة ووثيقة.

-         تشابُك الذراعين وتباطؤ رفرفة العينين: فيه إشارة إلى الملل أو عدم الموافقة.

-         عندما يكون الإبهامان متلاصقتين: هذا يعني أنّ المتحدث عقلاني وكريم ومثقف، ويستطيع التأقلم مع الظروف العامة.

-         إذا شبكت المرأة يديها بشكل ليّن: هذا دليل انفتاحها على الجو المحيط بها.

-         حين تجلس المرأة على كرسي مُنحنية إلى الأمام قليلاً، واضعة يديها على ساقيها: فذلك دليل على حاجتها إلى الرعاية.

-         حين يجلس الرجل على كرسي، ويضع يده على ظهر كرسي آخر: فهذا دليل على أنّه في حاجة إلى شريكة تجلس بقربه ليغمرها بعطفه.

-         بينما تميل المرأة في حالة الغضب، إلى التحديق في عيني الرجل مُحاولةً طمأنته، ويُعدُّ هذا الأمر ضرباً من التهديد والوعيد والتحدي، إذا قام به الرجل.►

ارسال التعليق

Top