• ٢٤ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٢٢ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

الإنسان والوجود الإلهي...

الإنسان والوجود الإلهي...

ليس الإنسان في حاجة إلى دين لإدراك وجود الله! فالوعي بوجود الإله شعور فطري، رَكَّبه الله في الجانب العاطفي عند الإنسان. ويقوم الإنسان بقبول (أو تأسيس) نظامه الديني كَبنْية تعلو هذا الشعور. ولا تشترط هذه العاطفة أن يشتمل النظام الديني على صفات محددة للإله، كما لا تستلزم توضيح الغايات من الخلق، ولا تشترط طقوساً محددة لعبادة الإله الخالق، إنّما تتطلب تأكيد وجود الإله من حيث المبدأ فحسب.

لذلك، كما يتم إشباع هذا الوعي الفطري بوجود الله بالعقيدة الصحيحة وبالعبادة الحقة، فيمكن إشباع هذا الوعي بعقيدة وعبادة وثنية او بدائية، تم استبعاد العقل تماماً عن النظر فيها.

ويُعَرَّفنا الإسلام أن الله قد زرع هذه الفطرة في النفس البشرية، دون وساطة من مَلَك مقرب أو نبي مُرسَل، كما يخبرنا القرآن الكريم:

 (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ۖ قَالُوا بَلَىٰ ۛ شَهِدْنَا ۛ أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَٰذَا غَافِلِين) الأعرافَ/ 172

ونظراً لوجود هذا الشعور الفطري، كان المنهج المتبع في الحوارات بين الفلاسفة المتدينين والملحدين (حتى نهاية النصف الأول من القرن العشرين) هو مطالبة المتدينين للملاحدة بإثبات عدم وجود الإله، تماماً مثل مطالبة من ينكر وجود الشمس بتقديم الدليل على ادعائه.

وينبغي أن نؤكد أن كَوْن علاقة الإنسان بالله علاقة عاطفية فطرية، لا يعني عدم الحاجة إلى إقامة الدليل العقلي على وجود الله (عزّوجل).

لقد جعل الله (عزّوجل) علاقة الإنسان بالدين علاقة عقلية، يمكن أن يبرهِن عليها العقل البشري، ويخضعها للتحليل والاستدلال والاستنباط، لذلك اعتبر القرآن الكريم أن الدين ((برهان)):

 (يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً) النساء/ 174

وقد اظهرت الدراسات تشابهاً كبيراً في النسق الديني بين الشعوب البدائية وبين الشعوب الأكثر تحضراً؛ مما يتحدى النظرية التي تقول بان الدين هو أنعكاس للحياة الاجتماعية والثقافية والمادية، كالأدب والشعر والفن والفلسفة.

إن قولنا إن علاقة الإنسان بالدين علاقة عقلية، لاينفى وجود الرغبة الفطرية لدى الإنسان في اعتناق دين ما، أما دور العقل فهو إدراك صحة المضامين الدينية.

لذلك ينبغي القيام بالفصل الدقيق والصارم بين الشعور الفطري العاطفي (متمثل في الوعي بوجود الله والرغبة في التواصل معه) وبين الفكر العقلاني (الذي يتمثل في إدراك صحة المضامين الدينية)، حتى لا يفقد الإنسان طريقه الصحيح في التوجه إلى الله، وهو غاية الغايات من خلق الإنسان في جميع الديانات.

 

المصدر: كتاب ثم صارَ المخُّ عقلاً

ارسال التعليق

Top