• ٢١ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٩ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

تزكية النفس

عمار كاظم

تزكية النفس

إنَّ سعي الإنسان الفاعل والإيجابيّ، يتجلّى في عمله الدّؤوب في سبيل تهذيب نفسه وإصلاحها، وألاّ يألو جهداً من أجل تحقيق هذه المهمَّة، ونقول المهمَّة، لأنَّها أمانة تجاه نفسه بأن يعمل على تحسين الصّفات الإيجابيّة فيها وتطويرها، فإن كان مؤمناً، أن يزيد من إيمانه في خيره وعطائه وإحسانه... وفي المقابل، إن كان يتّصف بعيوبٍ معيّنة من أحقاد وغيبة ونميمة وغير ذلك، فعليه أن يصلحها ويبادر إلى ذلك، فالمسؤوليّة كبيرة، وتشمل إصلاح العيوب، كما تطوير المحاسن في النّفس.

ومن خطوات تهذيب النّفس، محاسبتها على الدّوام، ومعاتبتها ولومها على كلّ فعل أو تصرّف مذموم، ومراقبتها على الدّوام، صوناً لها من أيّ انحراف، فالنّفس إن تركت على هواها، فإنها أمّارة بالسّوء وميّالة للشّهوات والرّغبات. ويقول أمير المؤمنين الإمام عليّ (عليه السلام): «حاسبوا أنفسكُم قبل أن تُحاسبوا، وزِنوها قبل أن توزنوا، حاسبوا أنفسكم بأعمالها، وطالبوها بأداء الفروض عليها والأخذ من فنائها لبقائها».

فكلّ الفلاح والصّلاح في تزكية النّفس بالقول المفيد الصّالح البنّاء، والفكر المشرق السّليم الّذي يترك مفاعيله الإيجابيّة على كلّ الواقع، ويتجذّر مع مسيرة الإنسان في وجوده، فيكون المسلم المؤمن هو إنسان الكلمة والموقف والفعل العمليّ الّذي يجسّد روح التّشريع.

إن عملية التهذيب والتربية الروحية والأخلاقية للنفس، تأتي عبر التصميم والتخطيط والوعي والقناعة، واعتماد خطوات متدرجة، وسلوك طرق معيّنة، من خلال تعويد النفس على القول الطيّب، والفعل الحسن، ومصاحبة الأخيار، والتحلّي بالحكمة في قبول الأفكار، وتمييز الحقّ من الباطل، والتخلّق بأخلاق الله والتزام حدوده، مهما كانت الصعوبات والتحديات.

تزكية النفس تفتح مداركها على كلّ حقّ وعدل في العلاقات والأوضاع، بحيث يعدل الزوج مع زوجته، ويعدل الأهل مع أولادهم في التربية الحسنة، والتعامل السليم معهم، ويعدل الرفاق مع رفقائهم، فيحسنون إليهم في الودّ والمعاملة، ويعدل المرء مع نفسه، فيبعد عنها السطحية والتبعية للهوى والمنفعة الخاصّة.

لقد أراد الله تعالى للمجتمع أن يعيش التزكية تصرفاً وسلوكاً عملياً، بحيث يتحول المجتمع كلّه إلى مجتمع نقيّ وخالص من المشاعر المنحرفة، ومن الكراهية والنفاق والغشّ والكذب والتّضليل، أن يكون مجتمعاً يتوجه بكلّ أفراده إلى ما يرضي الله في حركته وموقفه، مجتمعاً يعتمد الحقّ، ويبتغي الحقيقة، ويحيا الوحدة والمصالحة والسّلام.

ارسال التعليق

Top