الأمانة كلمة تنطلق من الأفواه، ولكنها أعظم حلية يتحلى بها الإنسان، وأكرم صفة يتصف بها بنو البشر. إنّ جميع التعاليم السماوية، والقوانين الآلهية، حثت على اتباع الأمانة، والسير على طبقها مهما كلف الأمر. إنّ الدين الإسلامي الحنيف أمر المسلمين على أن يكونوا أمناء على دينهم، وأنفسهم، وأموالهم، وجيرانهم، ومن لاذ بهم. ليسود الأمن وتحفظ الأنفس، وتراعى الحقوق، ويكون الجميع، في أمن ورغد من العيش، واستقرار وطمأنينة. القرآن الكريم، جمع بين دفتيه الكثير من الآيات الدالة على أنّ الأمانة، هي جزء لا يتجزأ من الدستور الإسلامي الرفيع. قال سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا) (النساء/ 58). وقد جاء في تفسير قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا... إلخ) انّها وردت في كلّ من أؤتمن من الأمانات، وأمانات الله أوامره ونواهيه، وأمانات عباده فيما يأتمن بعضهم بعضاً من المال وغيره. قال الله سبحانه وتعالى: وقد قيل في معنى (وَالَّذِينَ هُمْ لأمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ) (المؤمنون/8) أي حافظون وافون، والأمانات ضربان أمانات الله تعالى وأمانات العباد.
فالأمانات التي بين الله سبحانه وتعالى وبين عباده هي: العبادات، كالصيام، والصلاة، والاغتسال وغيره. وأمانات العباد هي: مثل الودائع، والعواري، والبياعات، والشهادات، وغير ذلك من الأمور التي يتعاطاها الإنسان في حياته. وقال سبحانه وتعالى: (إِنَّا عَرَضْنَا الأمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا) (الأحزاب/ 72)، وهذه الآية تبين لنا مدى أهمية الأمانة في الأخلاق الإسلامية. وقد فسرت هذه الآية عن وجوه شتى – قيل: في معنى الأمانة هي ما أمر الله به من طاعته، ونهى عن من معصيته. وقيل: هي الأحكام والفرائض التي أوجبها الله تعالى على عباده. وقيل هي أمانات الناس، والوفاء بالعهود: وائتمان آدم ابنه قابيل على أهله وولده، حين أراد إلى مكة عن أمر ربه، فخان قابيل إذ قتل هابيل.
من مزايا النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، الأمانة، إذ أنّ النبيّ كان من الأمانة، ما جعل العرب يحكِّمونه في أمورهم، قبل الإسلام، ويطلقون عليه لفظ الأمين – ويلقبونه بمحمّد الأمين، حتى اعترف له بذلك أعداؤه. قال النضر بن الحارث لقريش: قد كان فيكم، محمّد غلاماً حدثاً، أرضاكم فيكم، وأصدقكم حديثاً، وأعظمكم أمانة، حتى إذا رأيتم في صدغيه الشيب وجاءكم بما جاءكم به قلتم ساحر لا والله ما هو بساحر. وقد اتصف الأئمة الأطهار، عليّ وبنوه (عليهم السلام)، بالأمانة، وحسن الخلق والعدالة، فمن تصفح تاريخهم وجدهم القدوة في جميع معاني مكارم الأخلاق، أخذوا ذلك عن جدهم الأعظم النبيّ محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم).
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق