• ٢٥ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٢٣ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

لماذا لا نضحك؟

لماذا لا نضحك؟

للضحك عشر فوائد، فهو يزيل الهم، ويقاوم الغم، ويفيد - كما يقول العلماء والأطباء - الصحة النفسية والجسدية. إنّه دواء لما لا نعرفه، وعناء لمن لا يعرفه.

ولأنّ الضحك على هذا النحو، فقد عرفته كلّ الأمم، وأصبحت النكتة والأغنية الضاحكة والفيلم الكوميدي والمسرحية الهزلية والصورة الشعرية الساخرة والمقال اللاذع والمتهكم.. أصبح ذلك كلّه جزءاً من التراث، وجزءاً من الطب الشعبي لكثير من الأدواء.

وفي تراثنا العربي، لم يخل عصر من نجوم الفكاهة والسخرية والضحك.. عرفنا (مضحك الملك) ومسرح (الأراجوز) و (نوادر جحا).. وعرفنا نجوم الكوميديا المعاصرين.. وحفظنا طرائف لا مؤلف لها.. فهي كالكثير من الأدب الشعبي، لا نعرف له صاحباً.. وإن راج بيننا، وأدخل السرور على قلوبنا. نستهلكه كلّ يوم ولا ندفع شيئا مقابل "حقوق التأليف".

الآن.. أحس أن الأمر يختلف.. وأن الضحك قد أصبح صعب المنال.. وأن الابتسامة كثيراً ما تكون حدثا موسمياً. الآن.. اختلفت "حالة الإرسال"- عند منتجي فن الضحك- واختلفت "حالة الاستقبال"، عند الجمهور المتلقي.. أصبح القلب - في الحقبة العربية الحزينة - مكدوداً.. وأصبح الوطن - من الخليج إلى المحيط- مثخناً بالجراح.. البعض يفقد الوطن، أو يكاد.. والبعض فقد حياته أو أوشك.. وكثيرون يفتقدون الحرية.. والكل يتطلع لأمل بعيد كالسراب.

إنّها حقبة متجهمة، ضاعت فيها الأوطان والأرواح والأموال.. ومعها: ضاعت الابتسامة وروح التفاؤل.. ومع ذلك نسأل: هل من سبيل لأن نستعيد البسمة علها تكون زاداً لنا في رحلتنا الصعبة؟.. هل من سبيل للتخفيف عن القلب المكدود؟.. وهل نحتاج - كما نفعل في سائر شؤون حياتنا- إلى عقل آلي.. (كمبيوتر) ضاحك.. نسأله فيجيب. نطلب منه الطرفة فيبتسم؟

فلنتصور الاقتراح حتى نهايته.. إن للضحك قوانينه المعروفة. إنّه يقوم - مثلاً - على المفارقة والتناقض وغير المألوف. يستخدم الحركة واللفظ والموقف الساخر.. و.. على الجانب الآخر فللحاسب الآلي، وللجيل الأخير من البرامج المعروفة باسم الذكاء الاصطناعي قوانين ثابتة. إنّنا أمام جهاز يلتزم بالسمع والطاعة.. جهاز قابل للتلقين.. وإفراز ما أعطيناه له في أشكال جديدة وسريعة.. فإذا حشوناه بقوانين الضحك وقواعد الابتسامة، فقد يقدم لنا الفن الضاحك، والمقال الساخر، والطرفة اللاذعة.. ولن يحتاج الأمر لأكثر من اجتماع حاشد "للمضحكين العرب" حتى يضعوا القواعد والنظريات والأحكام التي تحكم البسمة العربية وفق قواعد العلم الحديث.

قد يكون الاقتراح خيالياً، وقد يكون- في حد ذاته - مضحكاً.. و.. قد يكون قابلاً للتطبيق بشرط واحد هو أن يبتعد "المضحكون" و"واضعو البرامج" عن السياسة حتى لا يقدم لنا العقل الآلي "فناً تراجيديا".. أو يقدم صورة طبق الأصل عملاً بالقول المأثور"شر البلية ما يضحك". مرة أخرى أسأل: لماذا لا نضحك؟.. لماذا؟

ارسال التعليق

Top