فعلاً من حقّنا أن نقرأ نُحلل ونفتح علامات الاستفهام والتعجب..!، بخصوص الحاصل في الولايات المتحدة، لأنّه وإن كان ذلك شأن داخلي، لكن من باب كونها الراعي الأوّل لحقوق الإنسان لدى الكثير من دول العالم، المشغول بمحاربة جائحة كورونا وتداعياتها الاقتصادية والاجتماعية الخطيرة، يطلع علينا نجم «جائحة» موازية لجائحة الكائن المجهري الذي نعيشه، متمثّلة في موجة من الاحتجاجات الشعبية في بعض الدول الغربية كما شهدناه في باريس مثلاً...
في الوقت الذي تعاني فيه الولايات المتحدة الأمريكية الأمرين بسبب التفشي الكبير لوباء كورونا الذي أصاب ما يزيد 1.8 مليون أمريكي وقتل أزيد من 100 ألف منهم، عاد الوباء القديم المستجد ألا وهو «كوفيد العنصرية والكراهية» ليضرب إمبراطورية الحرّيات، وسيِّدة العالم المتحضر ويصيبها في مقتل ويفجّر احتجاجات شعبية عارمة للمواطنين السود في 25 ولاية أمريكية، والبداية ما أظهره ذاك الفيديو من إجرام وعنف مارسه بعض عناصر الشرطة الأميركية في إحدى الولايات، ضد الأميركي الأسود جورج فلويد، وهنا انتشر لهيب الشرارة لتعم المظاهرات الشعبية في أكثر من مئة وخمسين مدينة بكلِّ أرجاء الأرض الأمريكية، ردّاً على هذه التصرُّفات التي تؤكّد مدى تغلغل العنصرية والشعور بالاستعلاء لدى الرجل الأبيض ونظرته الاحتقارية للسُّود الذين يشكّلون أكثر من عشرة بالمائة من السكان الأمريكيين ولباقي الأقليات في هذه الدولة التي قامت على جماجم ملايين الهنود الحمر.
دولة الحرّيات وزعيمة العالم المتحضر «أميركا» تعيش الآن انتفاضه شعبية كبيرة، وإن كان السبب تراكمات وتراكمات عقود من الزمن والسياسات المارقة، إلّا أنّ المستجد ثماني دقائق والشرطي العنصري جاثمٌ على رقبة الرجل الأسود جورج فلويد ولم يتركه إلّا جثة هامدة.. فعلاً هي صورة عامّة للوضع في أمبراطورية الشرّ الممتلئة بالظلم والاضطهاد والعنصرية واليمين المتطرّف، أمّا بخصوص الغليان والاحتجاجات الشعبية الظرفية إلى حدٍّ كبير سيتم احتوائها، لكن حتماً ستنفجر الأوضاع يوماً، وتتفتت الفسيفساء الغير المتجانسة، التي جمعت لصوص وقتلة وطغاة أدمنوا لغة المال والهيمنة والتطاول وطحنوا الشعوب بمبررات واهية وشعارات براقة، أهذه هي دولة الحرّيات وحقوق الإنسان والعدالة والمساواة التي طالما تبجّح بها المسؤولون الأمريكيون على العالم؟ طبعاً لا.. فالشرطي المجرم تم اعتقاله إلّا بعد خمسة أيّام كاملة، طبعاً تحت ضغط الاحتجاجات، لكن الأكثر عنصرية وإرهاباً وتطرّفاً ما يصدر من الرئيس ترامب سواء في هذه المناسبة أو غيرها... أليس هو مَن هاجم المهاجرين المسلمين والمكسيكيين، أليس هو مَن انتقد أوباما مراراً وطالبه بالعودة إلى بلده كينيا، وهاهو يصف المتظاهرين الغاضبين بـ«الرعاع»، محرّضاً الشرطة على قمعهم بالقوّة، وكأنّه يستكثر على السُّود غضبهم من الجرائم العنصرية المتتالية التي تُرتكب بحقّهم في كلِّ مرّة ثمّ يفلت القتلةُ من العقاب، وكأنّ الأمر يتعلق بسحق ذباب أو بعوض.
فقط مقارنة، عندما سمعت بهروب ترامب وأفراد من عائلته لحظة وصول المتظاهرين للبيت الأبيض، واختبائه في قبو تحت الأرض طبعاً خوفاً ورعباً ولا تفسير آخر..؟، تذكرت كيف أنّ زعيم عربي خرج في سيارة مكشوفة تحت قصف أساطيل أربعين دولة، وعلى الأرض فرق عمليات خاصّة وميليشيا إرهابية مدعومة بالمال والسلاح الخليجي، وقبلها أبحر على ظهر زورق حربي ليرسم خطّ الموت أمام الأسطول السادس الأمريكي، متحدّياً الحصار الجائر بالتحليق في طائرة لينزل في القاهرة، لماذا لأنّه يؤمن بأنّ قضيته تحتاج التضحية، بينما الجبناء أمثال مجنون واشنطن مختبئ في دهاليز البيت الأبيض، فالرحمة عليه وعلى أبنائه ورفاقه وعلى كلّ شهداء أرض ليبيا الطاهرة، الذين يقدّمون ملاحم البطولة والعزّ في معركة الكرامة، فاللّهُمّ دمّر الظالمين وارحم المُستضعفين، وأعد الأمن والأمان إلى ليبيا وسائر بلاد الإنسانية (يفرج الله).
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق