• ٢٤ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٢٢ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

الشعر والمسرح وإشكالية التلقي

الشعر والمسرح وإشكالية التلقي
◄ليس لكل شاعر "ملكة" الإلقاء على خشبة[1]. ولبعض الشعر خصوصية وذائقة خاصة (شعر محمود درويش مثلاً). وإذا قدر لنا إلقاء هذا الشعر على خشبة المسرح لابدّ من رفع المنصة إلى مقام أعلى واستخدام إيقاعات مكبرة. حينئذ، وحينئذ فقط لا يكون الشعر شعراً، وإنما كلاماً مقروءاً وممسرحاً. غالباً ما يقوم الفنان (المرسل) بالصعود على منصة مرتفعة (مقام)، أو كما كان يفعل الإغريق القدماء بالصعود على حذاء بكعبين مرتفعين جدّاً، لتحسين عملية الإيصال إذا كان الجمهور غفيراً، وإذا كان النص شعراً يقوم الشاعر بتضخيم (مضاعفة) التعبير والضغط على الـ"دعاسات" الإيقاعية برفع الصوت قدر الإمكان معتقداً أن ذلك سيكون أفضل إيصالياً، في حين أن ذلك قد لا يخدم النص الشعري ويحط أحياناً من قيمته الفنية، وإذا قام بإلقاء النص همساً سيكون بذلك أكثر صدقاً في إبراز (الحقيقة الشعرية). إيصال الشعر إلى الناس من المفترض أن يكون من خلال عملية إيصال حميمية. صحيح أن تقنيات الاتصال الحديثة (الميكروفونات والسماعات والأدوات التقنية وصياغة الصوت النغمية) قد حدّ من الادعاء الصوتي/ الإيقاعي، لكن تطوير قنوات الإيصال أبعد عن العملية الاتصالية سمتها الحميمية نوعاً ما. ومن هنا نفترض أن على المرء (المرسل) إذا أراد أن يلتقي بجمهور في أي مكان لائق، عليه كمؤدي أن يضع نصب عينيه هدفاً واحداً وهو امتلاك قدر ممكن من مشاعر: الحقيقة، والهدوء، والطبيعية، وقبل كل شيء أن لا يظهر نفسه. إن مهمة الفنان الإيصال، وتتم من خلال عرض الذات، ولكن يجب أن يعرف بان إظهار الذات له وظيفة ثانوية. ولكي يكون الإيصال أفضل لا يجوز أن يحب الممثل نفسه في المسرح، بل عليه أن يحب المسرح في نفسه. ولذلك، لا يستطيع أي شخص أن يقوم بإلقاء شعر محمود درويش هكذا، بأن يمنح صوته طبقة معينة ونغمة مميزة.. إذا أردنا منه ذلك نظلم أنفسنا ونظلم المرسل والمتلقي في نفس الوقت. إيصال الشعر يجب أن يكون بصوت طبيعي. وإذا كان لابدّ من عملية "التضخيم" هذه، كما يفعل المحترفون بشكل احترافي: الإلقاء بصوت مرتفع بهدف الوصول – على الأقل – إلى الصف الأوّل من المستمعين الذين يبعدون عدة أمتار فقط، الأمر الذي يحتاج إلى فعالية وصلاحية الجهاز التنفسي/ الصوتي، ونطق صحيح، واستخدام حسن لطرف اللسان (عن طريق التدريب) لإستخراج الصوت المطلوب.. هذا الأمر يحمل في طيه مخاطر كثيرة نسميها عادة بـ"النشاز" الذي يخرب عملية الإيصال ويقطع أوصال كل القنوات الإتصالية بين المرسل والمتلقي. نعرف تماماً، أنّ (البعض)[2] لا يحب أن يعلمه الآخر شيئاً لأنّه يعرف كل شيء. ونعرف أيضاً أنّ (البعض) العربي لا يسمع ولا يصغي لأنّه دائماً يود أن يتكلم أو يتكلم، ونعرف أنّ (البعض) العربي لا يحب المسرح في نفسه بل يحب نفسه في المسرح.. إلا أن هذا لا يمنعنا من محاولة التعلم والإصغاء وحب المسرح حباً جماً في أنفسنا، عملا بالنصيحة الذهبية: "لا تحب نفسك في المسرح، بل احب المسرح في نفسك" والله عليم بالقصد.►   المصدر: كتاب (مبادئ في الإتصال)
[1]- الخشبة لا تعني دائماً خشبة المسرح، قد تكون جلسة عائلية أو حوار ثقافي أو اجتماع حزب ما. [2]- البعض في اللغة العربية، أقل من عشرة.

ارسال التعليق

Top